رولا القط تكتب لـ(اليوم الثامن):
من طالبان إلى القاعدة.. دور محوري لإيران في دعم الإرهاب بالمنطقة
يُصنَّف النظام الإيراني بأنه الراعي الأول للإرهاب الدولي، من خلال الجرائم الكثيرة والعمليات الإرهابية التي ارتكبها ضد مواطنيه في الداخل أو ضد شعوب المنطقة والعالم على يد أذرعه الإجرامية المتمركزة في عدة دول بينها اليمن والعراق وسوريا ولبنان وباكستان وأفغانستان.
فخلال السنوات الماضية سعى نظام ولاية الفقيه، بإنشاء المليشيا الطائفية في الداخل، إلى تصدير إرهابه للخارج من خلال تقديم الدعم المالي والعسكري للجماعات الموالية له، من أجل ضرب أمن واستقرار العالم ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص. إضافة إلى تقديم الدعم لمنظمات إرهابية دولية أخرى، مثل القاعدة، وحركة طالبان المصنفة عالمياً حركة إرهابية.
اجتماع سري
بات العالم اليوم يدرك خطورة النظام الإيراني الذي يمعن كل يوم في دعم المتطرفين والمتشددين سياسيًّا ودينيًّا، في المنطقة والعالم، ربما لخدمة مصالحها، ومصالح حلفائها السياسية تارة، ولخدمة مصالحها الطائفية تارة أخرى. فقد استفادت إيران من الجماعات الإسلامية أكثر من استفادة تلك الجماعات من إيران، إذ اعتبرتها إيران ورقة ضغط إقليمية ودولية.
في خضم التحولات الجيوسياسية المتسارعة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، تكشف التقارير الاستخباراتية والدراسات الأمنية الحديثة عن دور إيراني متعاظم في دعم وتمويل الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم القاعدة. وهذه التطورات المقلقة لا تقتصر آثارها على المنطقة فحسب، بل تمتد لتشكل تهديداً حقيقياً للأمن العالمي بأسره.
وفقاً لتحقيقات موسعة أجرتها الجبهة الوطنية المتحدة لأفغانستان، عُقد اجتماع سري بالغ الأهمية في العاصمة الإيرانية طهران في أكتوبر 2021. الاجتماع، الذي يعتبر الأول من نوعه الموثق رسمياً، جمع بين ثلاث شخصيات محورية: إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وممثل رفيع المستوى من حركة طالبان، وسيف العدل، الذي يعتبر حالياً الزعيم الفعلي لتنظيم القاعدة.
نتج عن هذا اللقاء السري سلسلة من الاتفاقيات واسعة النطاق، تهدف إلى تعزيز التعاون بين إيران والجماعات الإرهابية المختلفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تخادم إرهابي
بحسب التقارير الاستخباراتية وفي إطار الاتفاقيات المبرمة مع التنظيمات الإرهابية، تعهد النظام الإيراني بتقديم دعم مالي ولوجستي غير مسبوق، يشمل تغطية تكاليف إسكان وتدريب مقاتلي القاعدة في أفغانستان، بالإضافة إلى تمويل عمليات التنظيم في مختلف أنحاء المنطقة.
في المقابل، التزمت حركة طالبان بتوفير الأراضي والمنشآت اللازمة لتدريب هؤلاء المقاتلين على الأراضي الأفغانية، مما يشير إلى تحول جذري في العلاقات بين هذه الأطراف التي كانت في السابق متنافرة في كثير من الأحيان.
لقد أدى الدعم الإيراني المتزايد إلى توسع ملحوظ في نشاطات القاعدة، خاصة في أفغانستان. فمنذ أكتوبر 2021، شهدت البلاد ارتفاعاً حاداً في عدد عمليات التجنيد وفي عدد المراكز التدريبية التابعة للتنظيم. كما مكّن الدعم المالي السخي من إيران التنظيم من توسيع بنيته التحتية، ببناء المزيد من المعسكرات والمنشآت لاستقبال وتدريب الأعضاء الجدد القادمين من مختلف أنحاء الشرق الأوسط وإفريقيا.
ومما يضاعف من خطورة الوضع، استمرار إيران في توفير ملاذ آمن لكبار قادة القاعدة على أراضيها. فقد أشار تقرير مهم للأمم المتحدة، صدر في فبراير 2023، إلى أن سيف العدل، الزعيم الحالي للقاعدة، قد واصل إدارة أنشطة التنظيم من داخل إيران لسنوات عديدة، وذلك تحت حماية مباشرة من النظام الإيراني. ورغم النفي المتكرر من قبل المسؤولين الإيرانيين لهذه الاتهامات، إلا أن تراكم الأدلة والشهادات يشير بوضوح إلى عكس ذلك.
وتشير الباحثة غدي قنديل، في تحليل لها نشرته مجلة الشؤون العربية الاورسية شهر يوليو الماضي، إن رعاية دولة ما للإرهاب، لا يمكن أن يكون منفصلًا عن مسار الدولة نفسها وسياساتها في ممارسة الإرهاب رسميًّا، ومن ثم تتوافق فكرة رعاية إيران للإرهاب مع سياساتها المتبعة تجاه دول المنطقة، وحرصها على زيادة نفوذها من خلال زعزعة استقرار تلك الدول؛ ولهذا نسجت إيران علاقات وطيدة مع كثير من التنظيمات المسلحة المنتشرة في بلدان الخليج والمشرق العربي، بالإضافة إلى شمال إفريقيا، وبعض الدول الإسلامية.
الوحدة 400
يلعب فيلق القدس، وبالأخص الوحدة 400 التابعة له، دوراً محورياً في تنفيذ هذه الاستراتيجية الإيرانية الجديدة. فهذه الوحدة النخبوية تعمل بنشاط على تجنيد المقاتلين الأفغان، وتدريبهم على تنفيذ عمليات انتحارية، كما تنسق مع القاعدة لاستهداف المصالح الإسرائيلية والغربية في المنطقة. وقد تم الكشف مؤخراً عن تورط عناصر من هذه الوحدة في عدة مخططات اغتيال، من بينها محاولة فاشلة لاستهداف رجل أعمال إسرائيلي بارز في العاصمة الجورجية تبليسي.
إن استخدام إيران للمقاتلين الأفغان والباكستانيين في تنفيذ عمليات إرهابية خارج حدودها ليس بالأمر الجديد، لكن وتيرة هذا النشاط وحجمه قد تصاعدا بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة. ففي نوفمبر 2022، كشفت أجهزة الأمن الجورجية عن محاولة فيلق القدس تصفية شخصية إسرائيلية-جورجية مرموقة في تبليسي، مما يؤكد امتداد النشاط الإيراني إلى ما وراء حدود الشرق الأوسط التقليدية.
وفي سياق متصل، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في مارس 2024 أن النظام الإيراني قد سمح لتنظيم القاعدة، منذ عام 2009 على الأقل، باستخدام الأراضي الإيرانية كمحطة عبور ومركز لوجستي رئيسي. هذا الترتيب سهّل للتنظيم تنفيذ أنشطته الإرهابية وتيسير حركة الأموال والمقاتلين بين مناطق مختلفة، بما في ذلك جنوب آسيا وسوريا وغيرها من بؤر التوتر.
الحوثي شريك للقاعدة
من النتائج الملموسة لهذا التعاون الوثيق بين إيران والجماعات الإرهابية، برز بشكل كبير من خلال العلاقة الوطيدة التي تربط ميليشيا الحوثي ذراع إيران في اليمن وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية الذي يديره القيادي سيف العدل المقيم في طهران.
فبعد سنوات من العداء والمواجهات، تحول الطرفان إلى حلفاء استراتيجيين وفق ما كشفته الكثير من التقارير الاستخباراتية. حيث أشارت تلك التقارير إلى أن الجماعة الحوثية، المدعومة من إيران، باتت تقدم دعماً عسكرياً سخياً للقاعدة، يشمل الأسلحة المتطورة والطائرات بدون طيار. بل إن الأمر وصل إلى حد تبادل الأسرى بين الطرفين، في مؤشر واضح على عمق هذا التحالف الجديد.
ويؤكد خبراء عسكريون في اليمن أن العلاقة بين الحوثيين والقاعدة أصبحت وطيدة خلال العامين الماضيين، وبرز ذلك من خلال المساندة العسكرية الكبيرة تقدمها المليشيا المدعومة من إيران لصالح التنظيم الإرهابي والتي وصلت لتسليم طائرات مسيرة وتنفيذ هجمات ضد القوات الجنوبية في أبين وشبوه بهدف إثارة الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار في المحافظات المحررة من سيطرة المليشيا الحوثية.
تحالفات استراتيجية
إن هذه التطورات الخطيرة تشكل تحدياً غير مسبوق للأمن الإقليمي والعالمي على حد سواء. فالتعاون بين إيران والجماعات الإرهابية لم يعد مجرد علاقة تكتيكية محدودة أو دعم لوجستي عابر، بل تحول إلى تحالف استراتيجي عميق يهدف إلى إعادة تشكيل خريطة القوى في المنطقة وتقويض المصالح الغربية بشكل جذري.
يقول الدكتور علي محمودي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة طهران: "ما نشهده اليوم هو تحول نوعي في طبيعة العلاقات بين الدول والجماعات المسلحة في المنطقة. هذا النمط الجديد من التعاون يمكن أن يغير بشكل جذري موازين القوى الإقليمية. نحن أمام شبكة معقدة من التحالفات تتجاوز الحدود التقليدية بين الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين."
في ضوء هذه المعطيات المقلقة، بات من الضروري على المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات حاسمة وفورية لمواجهة هذا التهديد المتصاعد. فالاعتماد على العقوبات الاقتصادية وحدها لم يعد كافياً لردع النظام الإيراني عن مواصلة سياساته العدوانية. هناك حاجة ملحة لبلورة استراتيجية شاملة ومتعددة الأبعاد، تجمع بين الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية، مع العمل في الوقت نفسه على معالجة الجذور العميقة للمشكلة، بما في ذلك قضايا الفقر وعدم الاستقرار السياسي التي تغذي التطرف في المنطقة.
قلق عالمي
ويؤكد المحللون والمراقبون الدوليون المتهمون بالشأن الإيراني أن التصدي الفعال لهذا التحدي الاستراتيجي يتطلب مستوى غير مسبوق من التعاون والتنسيق الدولي. فالتهديد الذي تشكله هذه التحالفات الخفية بين إيران والجماعات الإرهابية يتجاوز بكثير حدود الشرق الأوسط، ليصبح مصدر قلق عالمي حقيقي. وعليه، فإن الاستجابة يجب أن تكون على قدر حجم هذا التحدي: شاملة، حاسمة، ومدعومة بإرادة دولية صلبة لوضع حد نهائي لهذه الممارسات التي تهدد السلم والأمن الدوليين.
وتؤكد الباحثة غدي قنديل في تحليلها أن النظام الإيراني -على نحو متكرر- أتقن إدارة حرب الظل، من خلال الاعتماد على مليشيات بالوكالة في الخارج لإثارة الفوضى والرعب في العالم. وكثيرًا ما دفعت هذه الاستراتيجية المتعمدة المجتمع الدولي إلى الاستسلام لمطالب طهران، ومنح تنازلات تعزز نفوذ النظام، وتشجع اعتداءاته.