د. صبري عفيف يكتب لـ(اليوم الثامن):
إيران والثلاث الرسائل الإسرائيلية
إن الرسائل التي أرسلتها إسرائيل في عملياتها العسكرية الثلاث (هجوم ميناء الحديدة، اغتيال شكري في الضاحية الجنوبية لبنان، اغتيال هنية في طهران) كانت رسائل قوية ومبكرة لإيران في ظل التهديدات الإيرانية بشن حرب على اسرائيل، كل تلك الرسائل مفادها: نحن قادرون على تنفيذ أهداف إسرائيل في أيّ مكان نريد ووقت ما نريد، ولن يمنعنا من تنفيذها أحد.
لقد مضت عشرة أشهر من الحرب المجنونة ضد الشعب الفلسطيني في غزة ولم نرَ نيرانًا إيرانية حقيقة في ميدان المعركة جراء تلك الحرب، غير حرب إعلامية مضللة ترسلها إيران واذرعها في المنطقة، سنة إلا شهرين لم نر غير دخانا في السماء تحت مسمى الرشخات الصاروخية غير فاعلة، وطائرة مسيرة زعم الحوثي أنه اطلقها نحو إسرائيل لم تصب إلا شخصا واحدا، بينما الشعار المرفوعة لديهم نصرة الشعب الفلسطيني الذي تجاوز ضحايا 200 الف شهيدا وجريحا.
لم يقف الحد هنا؛ بل أقدمت إسرائيل لتمديد نطاق حربها مع حلفاء إيران في المنطقة (حزب الله- الحوثيون) فحزب الله تم اغتيال أحد قيادته العسكرية المهمة وهو فؤاد شكري والحركة الحوثية تم استهدافها بهجوم عسكري جوي استهدف ميناء الحديدة، إضافة الى انتهاك السيادة الإيرانية في عقر دارها مما أدّى إلى اغتيال رئيس حركة المقاومة الإسلامية إسماعيل هنية، كل هذه الأحداث المتتالية تمت في ثلاثة أسابيع فقط مما يجعلنا نضع عدد من الأسئلة التالية:
1- لماذا لم تشعل إيران نيراها للدفاع عن سيادتها وحماية وكلاءها في المنطقة؟
2- ما هي الثقة الممنوحة لإسرائيل لتعمل عملتها تلك وعن سبق إصرار؟
3- أين هي ردود الفعل المليشيات الإيرانية أمام هذه التهديدات المتتالية؟
4- لماذا أفلت نيران إيران ومليشياتها في الجبهات التي كانت قبل الهجوم الإسرائيلي مشتعلة؟
وللإجابة عن هذه الأسئلة يجعلنا نقف عند حقيقة الحرب الدائرة بين طرفي النزاع إسرائيل وإيران ومليشاتها، فبعد هذه الاعتداءات الإسرائيلية كان العالم يتوقع حربا إقليمية واسعة، وكانت هناك تحذيرات عربية وإقليمية ودولية من تطورات الوضع، وكان السيناريو الأكثر توقعا هو ضربة قوية توجه ضد إسرائيل من خلال المشاركة في رد موحد وموسع على إسرائيل من قبل إيران ووكلاءها في المنطقة. يتم من خلال التنسيق المباشر والمتابعة بين تلك القوى في سبيل تنسيق الجهود للرد المشترك.
لكن الأمر سار بخلاف ذلك هدوء تام كما هو العادة حين تضرب إسرائيل تصمت نيران إيران وتطلق عويل صرخاتها "الموت لأمريكا الموت لإسرائيل" وتلك هي الوسيلة المثلى لذر الرماد على العيون.
- آفول نيران الحوثي:
نفذت إسرائيل في 20 يوليو 2024م ضربات عسكرية ضد المليشيات الحوثية في اليمن استهدفت خزانات الوقود والكهرباء في الحديدة وميناءها، وعدد من منصات إطلاق الصواريخ، رداً على طائرة مسيّرة استهدفت تل أبيب في 19 يوليو 2024م، تبنّت الجماعة الموالية لإيران في اليمن إطلاقها، وأدّت إلى مقتل شخص وإصابة آخرين.
هنا المقارنة بعد يوما واحدا من هجمات الحوثيين كان الرد الاسرائيلي حاضرا وبقوة، بينما المليشيات الحوثية وبعد مرور عشرين يومًا من الهجمات الإسرائيلية على ميناء الحديدة.. أفلت نيران الحوثي في البحر الأحمر وجفت صحف تهديداته وخطابته السياسية.
أذن لماذا لم ترد المليشيات الحوثية على الضربات الإسرائيلية؟ ما هو السر الذي جعل الحوثيون يهدؤون من خطابهم التهديدي والعسكري ضد الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن؟ وما علاقة تراجع الشرعية اليمنية المؤقتة عن قراري البنك المركزي بتهدئة الصراع في البحر الأحمر؟
ومن خلال تتبعنا سلسلة الهجمات الحوثية للسفن في البحر الأحمر وخليج عدن تبين من 19 نوفمبر 2023م كان في تزايد وأصبحت التهديدات شبه يومية، لكن الامر المختلف الان أن تاريخ 20 يوليو حتى 10 أغسطس أي بعد مرور 20 يوما شكل واقع اخر، حيث كانت هذه الفترة بدون تهديد للملاحة الدولية في البحر الأحمر، مما يوضح أن الهجمات الحوثية شهدت توقفاً شبه كلي منذ القصف الإسرائيلي على ميناء الحديدة في 20 يوليو (تموز) الماضي، حيث لم تسجل سوى محاولة هجومية يتيمة استهدفت، سفينة في خليج عدن دون إصابات.
وأثار تراجع الهجمات الحوثية إلى حد توقفها التام خلال الفترة السابقة، عدد من التساؤلات، هل تلقت جماعة الحوثي ضربة موجعة في الحديدة نالت من قدراتها العسكرية ومستودعاتها؟ وهناك سؤال أخر هل جماعة الحوثي تلقت تهديدات إسرائيلية عبر طرف ثالث بتصفية كبار قادتها ضمن المخطط الذي رسم بعد تاريخ 20 يوليو وتنفذ في لبنان وطهران.
هذه الأسئلة فتحت المجال لمعرفة سر تراجع الحوثيين في خطابهم الإعلامي والعسكري ضد إسرائيل أولا والملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن ثانيا.
رسائل إسرائيل جعلت الحوثيون يعيدون التفكير في أن لعبهم مع إسرائيل ستكون نتائجه وخيمة، إذ رأوا عن تلك الهجمات، فقد تتصاعد وتصل إلى القيادات الحوثية، وهو ما جعل عملياتهم تتراجع ضد إسرائيل وكذلك ضد السفن.
- أفول نيران حزب الله في لبنان
في المثل سار حزب الله في لبنان على المسار نفسه خطاب إعلامي تهديدي دون ردة فعل حقيقة على الميدان فبعد اغتيال فؤاد شكري لم نر ردا قويا يوازي الحدث.
أفول نار إيران نفسها
ليست المرة الأولى التي ينتهك فيها الأجواء الإيرانية، فقد أقدمت إسرائيل انتهاك تلك السيادة كان اخر انتهاك للسفارة الإيرانية في سوريا وأخيرا تنفيذ عملية اغتيال لزعيم سياسي مناهض لإسرائيل في وسط العاصمة طهران.
وهذا ما أكدت إيران بأن اغتيال إسماعيل هنية تم بصاروخ "موجّه نحو جسده مباشرة"، أُطلق من خارج المجال الجوي الإيراني موجهة الاتهام لإسرائيل.
وخلال الأسبوعين المنصرمين توالت التهديدات الإيرانية الرسمية والشعبية، وقد شكلت تلك الأزمة حرجا كبيرا في الواقع الإيراني، وأنها أمام اختبار حقيقي ومنعطف حاد جدا، وهي بحاجة لرد جدي ومؤثر يتناسب مع ما جرى على أرضها من مساس بسيادتها واغتيال ضيفها وكسر هيبتها الأمنية في المنطقة.
وأمام هذا الرضوخ الإيراني ماتزال إسرائيل ترسل رسائلها السياسية وكان اخرها تصريح لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: بقوله: إن" إسرائيل مستعدة للدفاع ضد أي ضربة انتقامية والرد عليها، إن "إسرائيل الآن في حرب متعددة الجبهات ضد محور الشر الإيراني.. نحن مستعدون لأي سيناريو - سواء دفاعي أو هجومي.. أكرر لأعدائنا.. سنرد ونجبر على دفع ثمن باهظ عن أي عمل عدواني ضدنا، ومن أي ساحة جاء.