ماريا معلوف تكتب لـ(اليوم الثامن):
الحزب الديمقراطي قبل مؤتمره ليس كما بعده
ينعقد مؤتمر الحزب الديمقراطي في شيكاغو لتكريس البطاقة الانتخابية للحزب استعدادًا لخوض السباق الرئاسي. ولكن في الوقت نفسه، وأمام قاعة الاجتماعات الخاصة بالمؤتمر، يتردد صدى احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في غزة ومعارضة للحرب هناك.
تسعى هذه الاحتجاجات إلى إرسال رسائل إلى كامالا هاريس تطالبها بالتوقف عن دعم إسرائيل. وأشار مراقبون إلى أن هذه الاحتجاجات تلفت الانتباه إلى أبرز المعضلات التي يواجهها الحزب الديمقراطي، والتي قد تشكل عائقًا أمام فوزه في الانتخابات الرئاسية، بسبب موقف بايدن وهاريس من الحرب الدائرة في غزة. يتهم المحتجون إدارة بايدن بالسماح لحكومة نتنياهو بشن هجمات عنيفة على الفلسطينيين، وتزويد إسرائيل بالأسلحة التي تُستخدم لقتل الفلسطينيين. ويقدّم العديد من الخبراء السياسيين تقييمهم لتأثير هذه الاحتجاجات على مستقبل كامالا هاريس السياسي، وسط تكهنات بخسارتها والديمقراطيين نتيجة هذه التظاهرات، وعدم حصولهم على أصوات العرب والمسلمين الذين شكلوا شريحة هامة ساهمت في فوزهم بسباق 2020. ويعتبر استقطاب دعمهم في السباق الحالي تحديًا كبيرًا أمام مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، لا سيما في الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان نظرًا لكثافة السكان العرب والمسلمين فيها.
مرة أخرى، من بين القضايا المتعددة التي يطالب بها المحتجون، وقف فوري لإطلاق النار في غزة. ويعزز كثرة أعداد المحتجين أن الجالية الفلسطينية في منطقة شيكاغو تُعتبر واحدة من أكبر الجاليات الفلسطينية في الولايات المتحدة. وقد ذكر المتحدث باسم تحالف مسيرة المؤتمر الوطني الديمقراطي حاتم أبو دية: "علينا أن نلعب دورنا في بطن الوحش لوقف الإبادة الجماعية، وإنهاء المساعدات الأمريكية لإسرائيل، والوقوف إلى جانب فلسطين". وفي سياق متصل، قال تايلور كوك، أحد منظمي منظمة "طريق الحرية الاشتراكية" الذي جاء من أتلانتا للمشاركة في الاحتجاجات، إن المجموعة تحث جميع الديمقراطيين على الدعوة إلى وقف المساعدات لإسرائيل، مع التركيز بشكل خاص على هاريس، و"نقول لكامالا، لقد كنتِ متواطئة في هذا الأمر. يعتقد الناس أن الأمر يتعلق بجو بايدن فقط، لكنها (هي) نائبة الرئيس، لذلك يجب أن تتوقفي إذا كنتِ تريدين أصواتنا".
من جانبهم، يؤكد متابعون لمؤتمر الحزب الديمقراطي أن قضية الحرب في غزة تبرز كـ"قضية تُحدث انقسامًا حادًا" داخل أروقة الحزب، خاصة أن إدارة الرئيس بايدن لم تستطع حتى انعقاد المؤتمر إنهاء الحرب أو حتى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة. والجدير بالذكر أن مديرة حملة هاريس، جولي تشافيز رودريغيز، كانت قد عقدت اجتماعات الأسبوع الماضي للاستماع إلى مخاوف بعض الأمريكيين العرب وبعض المندوبين الممثلين للناخبين الديمقراطيين الذين صوتوا بـ"عدم الالتزام" في الانتخابات التمهيدية احتجاجًا على سياسة بايدن تجاه إسرائيل. وذلك رغم أن بعض النشطاء المؤيدين للفلسطينيين يرون أن هاريس أكثر تعاطفًا مع سكان غزة من بايدن، خاصة وأنها قالت بعد لقائها برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارته إلى واشنطن في يوليو، للصحافيين: "إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، ولكن لا يمكننا أن نغض الطرف عن المعاناة، ولن أصمت".
من جهتها، طالبت مجموعات من الناخبين اليهود وبعض المعتدلين السياسيين بموقف أكثر وضوحًا من هاريس يؤكد دعمها للتحالف الأمريكي-الإسرائيلي ومواجهتها لليسار السياسي. لكن اللافت أن غالبية الناخبين الديمقراطيين، بما فيهم الشباب، يرون أن الحرب في غزة لا تحظى بنفس الأهمية التي تحظى بها قضايا مثل التضخم، وأزمة الإسكان، والإجهاض. فقد كشف استطلاع رأي حديث أجرته جامعة شيكاغو ومؤسسة "GenForward" عن انقسام في آراء الناخبين دون سن الأربعين حول المساعدات العسكرية لإسرائيل. فقد عارضها 36%، بينما أيدها 33%، في حين لم يبدِ 29% موقفًا محددًا. بالإضافة إلى ذلك، أظهر استطلاع آخر تراجع أهمية حرب غزة في سلم أولويات الناخبين الشباب مقارنة بقضايا الهجرة، والنمو الاقتصادي، والتفاوت في الدخل.
"الضاحكة" كامالا هاريس، نائبة الرئيس جو بايدن، حجزت بطاقتها لتكون مرشحة الحزب الديمقراطي لمنافسة الرئيس السابق دونالد ترامب. وقد سبق لها أن اختارت حاكم مينيسوتا تيم والز، الذي يمتاز مثل هاريس بضحكته المجلجلة، ليكون إلى جانبها على البطاقة الانتخابية لخوض السباق الرئاسي. حملة المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس تركز على إكمال ما بدأه الرئيس جو بايدن، إذ وعدت بمواصلة الكثير مما كان يفعله بايدن خلال السنوات الأربع الماضية. كما تسعى نائبة الرئيس بايدن إلى تحقيق توافق بين الديمقراطيين، خاصة وأن منظمات مؤيدة لإسرائيل مثل "الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل"، و"مجلس اليهود الديمقراطيين الأمريكيين"، ومنظمة "J Street" الليبرالية تعقد اجتماعات وتنظم فعاليات لطمأنة ناخبيها وأعضائها بشأن مواقف هاريس في حالة انتخابها رئيسة تجاه إسرائيل. وتدعو هذه الأصوات هاريس وشريكها تيم والز إلى إظهار صلابتهما أمام الضغوط اليسارية والتمسك بالتزام أمريكا الراسخ بأمن إسرائيل.
فهل ستكون خلاصة مؤتمر الحزب الديمقراطي تكريس "الضاحكين" لخوض السباق الرئاسي وخسارته قبل أن ينطلق وقبل الوصول إلى مرحلته الأخيرة؟ معنى هذا تكريس الانقسام في الحزب الديمقراطي. قد تؤدي المظاهرات المطالبة بوقف الحرب في غزة، والتي قد تكون عنيفة، إلى تغيير في المشهد الانتخابي الأمريكي. بعدها، سوف يستنتج الجميع بالتأكيد أن الحزب الديمقراطي قبل المؤتمر ليس كما هو بعد فعالياته.