د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):
عندما يغلب منطق العصابات على الدول؛ جانبٌ مما لم تعرفه عن جرائم النظام الإيراني
تصنيع وترويج المخدرات وتزوير العملات والسلاح والمتفجرات والاختطاف والتهريب من الآليات الهامة التي دأب عليها نظام الملالي منذ عقود في إدارة صراعاتها وسياسته الخارجية وللالتفاف على العقوبات المفروضة شكليا في بعض الأحيان، كما اتخذتها عناصر هذا النظام كوسيلة للتربح تحت عباءة السلطة الدينية الحاكمة، ولم ينكر النظام الكثير من أفعاله فقد اعترف بعض قادته النظام حرفيا وبوضوح حول بعض هذه القضايا، والقضايا الأخرى أقرتها جهاتٌ أوروبية وأمريكية لكنها لم تتخذ مواقف صادقة حيالها، وقد ذهبوا إلى أبعد من ذلك حيث رفض الأوروبيون الذين يتشدقون بمكافحة الإرهاب وضرورة التصدي له.. رفضوا وضع حرس الملالي على قائمة الإرهاب.
التطرق إلى نهج صناعة وترويج المخدرات والعملات المزورة ليس بجديد فهو نهجٌ قديمٌ يتواصل، ويستغل نظام الملالي حدوده مع أفغانستان للهيمنة على واردات المخدرات، وحدوده مع تركيا لإدارة جانباً كبيراً من تصدير المخدرات إلى أوروبا، ويستغل حدوده البحرية وحدوده مع العراق لإغراق الدول العربية بالمخدرات؛ كما أن المخدرات التي تتم مصادرتها كأحرازٍ جُرمية من قِبل أجهزة مكافحة المخدرات في إيران لا يتم حرق إلا القليل منها أمام الكاميرات كمجرد دليل إثبات على إتلافها ويذهب الجزء الأعظم منها إلى مشاريع ومخططات أجهزة النظام والبعض الآخر يعود بطريقة ما إلى أيادي تجار المخدرات بعد الإتفاق على كبش فداء يتحمل التبعات القانونية لهذه الجريمة.، سيناريوهات غريبة عجيبة لا توحي بوجود دولة وإنما تؤكد على وجود عصابات تدير دولة منذ عقود على هذا النحو بإسم الدين والدين بريءٌ منهم ومما يدعون، وقد تطرق العديد من الكُتاب إلى ذلك سواء من خلال الحديث عن إشراف النظام نفسه على ترويج المخدرات داخل إيران وداخل السجون واستخدام المخدرات كسلاح لهتك إرادة السجناء وقتلهم؛ أو بالحديث عن الترويج الخارجي للمخدرات على يد أجهزة النظام، وما يثير الاستغراب في الأمر ليس تغاضى الغرب طويلا عن ترويج المخدرات فحسب بل تعاطي الغرب علنا لنظام يعمل بمنطق العصابات ودعمه إياه، وعندما يتكلمون عنه فلا يكون إلا لذر الرماد في العيون ولم ولن تتخطى تصريحاتهم ومواقفهم كونها هواءً في شبك، ولم يقتصر موقف الغرب هذا بشأن نهج عصابات النظام فيما يتعلق بالمخدرات وتزوير العملات بل أيضاً تجاه ما يتعلق بـ انتهاكات حقوق الإنسان والقمع وحملات الإعدام في إيران سواء كان المنفذ خاتمي أو رئيسي أو بزشكيان، ومع ما يجري في الشرق الأوسط من كوارث على يد نظام الملالي إلا أن الإدارة الأمريكية والغرب يكتفون ببعض الاستعراضات الإعلامية إن اضطروا إلى ذلك.
كان السيد حسين داعي الإسلام الكاتب والقيادي في المقاومة الإيرانية ممن كتبوا بهذا الصدد مؤخراً في مقالين هامين مُسندين وموثقين منشورين في شهر أغسطس 2024 تحت عنوان (حقائق عن فيلق القدس: شبكة مخدرات دولية تحت سيطرة فيلق القدس) و (فيلق القدس يطبع دولارات مزورة) يتناول فيهما العديد من الحقائق بهذا الشأن، وكذلك يبين بالأدلة موقفاً دولياً يبين علم السلطات الأمريكية والأوروبية بهذه الأنشطة المُوسعة التي يكشف عنها المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بين الحين والآخر في إعلامه وفي مؤتمراته الصحفية.. فهل تمكن من وضع العالم أمام مسؤولياته وألقى الحجة عليه؛ وهل هذا العالم مستعد لتحمل مسؤولياته التي أقرها على نفسه أم سيبقى بهذا الانتقائية التي دأب عليها كدأب نظام ولاية الفقيه على تجارة المخدرات وترويج العملات المزورة، وهذا ما دفعنا إلى كتابة هذا المقال خاصة وأن العراق وشعبه كانا من ضحايا هذا النهج الإجرامي للنظام والتواطؤ الغربي معه.
تزييف العملة النقدية شكلا آخر للحرب
لنظام الملالي باعٌ وتاريخٌ طويل في تزييف وترويج العملات المزورة حيث إمتلك نظام الولي الفقيه تقنيات طباعية غربية متطورة إلى جانب المواد الخام اللازمة في صناعة وتزوير العملات النقدية، وطبع في مطلع تسعينيات القرن الميلادي الماضي عشرات المليارات من العملة العراقية فئة الـ 25 دينار وأغرق بها السوق العراقية مستبدلا إياها بالدينار العراقي فئة 5 و 10 دنانير المعروفة بالطبعة السويسرية، وقد امتلأت مستودعات الملالي وعملائهم من هذه العملة، ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب فقد كانوا يشترون الدولار والذهب والسجاد والمواد الغذائية والمواد الخام وسائر البضائع بتلك العملة المزورة، ومن خلال الفحص اليدوي لهذه الفئة المزورة تبين أنها تعود لما يسمونها بـ الجمهورية الإسلامية الجارة للعراق والتي أبرمت معه اتفاقية وقف إطلاق نار لكنها لم تُوقِف العداء ضده، وقد كانت الطباعة دقيقة جدا لكن أحد الأرقام الموضوعة على العملة فضح المؤامرة، وأسقط العراق على الفور عملته النقدية وابدلها بعملة جديدة لتتساقط بعدها رؤوساً كثيرة في العراق وإيران من أولئك المتورطين بتلك المؤامرة بشكل مباشر أو من الذين خزنوا كميات كبيرة من العملة العراقية المسروقة بفعل التزوير والنهب.، وقد كان أول إطلاع لنا على ذلك في بداية عقد التسعينات من القرن الميلادي الماضي عندما أغرقوا العراق بالعملة العراقية المزورة خاصة فئة الـ 25 دينار الأمر الذي اضطر دولة العراق إلى تغيير العملة النقدية المتداولة في العراق والقبول بتحمل خسائر اقتصادية فادحة لإحتواء الأزمة ومواجهة مؤامرة نظام ولاية الفقيه الساعي إلى ضرب الاقتصاد العراقي كشكل آخر للحرب ربما يتمكن من خلالها من تحقيق هدفه الذي فشل في تحقيقه خلال حرب السنوات الثمانية.
أسقطوا الدولة العراقية ولم يتوقفوا عن العداء ضد العراق وشعبه، وتستمر الحرب ضد العراق وشعبه بشتى الأشكال والأساليب فلم يتوقف الأمر على تزوير العملة العراقية في تسعينيات القرن الميلادي الماضي ووصل إلى تزوير الدولار في إيران وبيعه بالأسواق العراقية خاصة في الأوساط التجارية التي تتعامل تجاريا مع السوق الإيراني وتلك التي تعمل بالتهريب وتم كشفه في بغداد والسليمانية بعد فترة قصيرة من ضخه بالسوق وبعد تضرر الكثيرين منه.
بعد عام 2003 وتحت سلطة العراق الجديد البائس طُبِعت عملة عراقية جديدة وطُلِب من الناس تسليم ما لديهم من عملات قديمة واستبدالها بالعملة الجديدة لتتدفق أموال الناس والأموال التي بحوزة نظام الملالي وعملائه أيضا صحيحة وتالفة ومزورة إلى المصارف العراقية واستلموا العملة الجديدة بدلا منها، وبالتزامن مع ذلك يتم نقل العملات القديمية إلى المحرقة لإتلافها وليس عجنها لإعادتها مادة ورقية خامة من جديد، ومرة أخرى يسيطر نظام الملالي على محرقة العملة من خلال عملائه الذين قاموا بحرق جزءا من العملة أمام الأعين والجزء الأعظم يعود بأشكال عديدة إلى المصارف مرة أخرى لاستبدالها بالعملة الجدية.. أي أن ما يقرب من 70% على الأقل من العملة العراقية القديمة قد تم تبديله عدة مرات تذهب من المصارف إلى المحرقة ثم يعود أكثرها مرة أخرى إلى المصارف، وبالتالي حصل النظام وعملاؤه على تريليونات من العملة الجديدة من خلال هذه السرقات المقننة، وهذا يذكرنا بنفس أسلوب حرق جزء من أحراز المخدرات وإعادة تدوير المتبقي.
لم يتوقف نظام الملالي عن موهبة ومهنة التزوير فبالإضافة إلى تزوير الدولار وضخه داخل المصارف العراقية من خلال عملائه قام بتزوير العملة العراقية الجديدة فئة الـ 25 ألف دينار التي صدرت بعد احتلال العراق عام 2003 وضخها داخل المصارف أيضاً ليتم استبدالها بعملات صحيحة بالدولار وبالدينار ثم يتفاجىء العالم بخبر تسرب مياه الصرف الصحي أو حدوث حرائق في مستودعات البنك المركزي العراقي وتلف كميات كبيرة من العملة وبذلك يُخفون أثر جرائمهم، والطامة الكبرى هي أن نظام الولي الفقيه قام بطبع تريليونات من فئة الـ 25 ألف دينار عراقي الجديدة وبتقنية عالية وتمت الطباعة في إيران والصين ودخلت العراق عبر الحدود مع إيران وسوريا وعبر ميناء البصرة وتم تداول العملة في سوريا والعراق، وأُدخِلت تلك الفئة المزورة إلى المصارف بنفس الطريقة عبر قنوات الفساد واحتفظ ملالي إيران بالعملة العراقية الصحية التي لديه مصرحاً بأن لديه تريليونات الدنانير العراقية من خلال السياحة والتبادل التجاري الرسمي مع العراق، وبالطبع من بين هذه التريليونات ما تم استبداله بعملات مزورة في العراق عبر أنشطة تُدار من إيران وسوريا ولبنان، وتدخل طائرات من لبنان محملة بالدولار والدينار المزور وتخرج محملة بالدولار الصحيح.، وعلى الرغم من كل هذه السرقات لا يزال العراق مادة دسمة صالحة للنهب والسرقة على يد نظام ما يسمونه بـ الولي الفقيه، فلو كان فقيها لاتبع الحلال وتجنب الحرام.
تجارة وصناعة وترويج المخدرات
في أحد مقالات السيد حسين داعي الإسلام المشار إليها قدم الرجل ما يكفي من الأدلة حول تاريخ وشبكات تجارة الملالي للمخدرات معتمدا في توثيقه على بيانات ومستندات معلنة وصادرة عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية لدى وزارة الخزانة الأمريكية، وحسب ما أورد: في عام 2008 أطلقت إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية حملة تسمى مشروع كاساندرا، وقد وجدت الوكالة أدلة وافرة على أن حزب الله لم يعد جماعة مركزية في الشرق الأوسط وأصبح منظمة إجرامية دولية، ثم يأتي وضع عبد الله صفي الدين على قائمة الإرهاب الأمريكية في مايو 2018، ويصرخ المجتمع العراقي الذي لم يكن يعرف المخدرات من تفشي المخدرات حتى في المدارس الإبتدائية للبنات، ويصرخ الأردن من نشاطات عصابات تصنيع وتهريب المخدرات من مناطق نفوذ الميليشيات الموالية للنظام الإيراني والتي جعلت من الأردن سوقاً وممراً للمخدرات إلى شعوب الجوار العربية فقط كما فعلته تماماً في العراق، وعلى الرغم من علم الإدارة الأمريكية بكل ذلك وغيره إلا أنها بدلا من اتخاذ إجراء حازم ومنطقي قامت بإمداد نظام الملالي بعشرات المليارات من الدولارات، وما أود أن أُشير إليه هنا هو أن هذا في حد ذاته مباركة لما يقوم به الملالي وجنودهم داخل إيران وفي العراق وسوريا والأردن وفلسطين ولبنان واليمن وعموم المنطقة.
وهنا نود أن نؤكد على أنه لا يقتصر نشاط صناعة وترويج وتجارة المخدرات على الشبكات التي يُشرف عليها حرس الملالي فحسب بل أيضا على كبار تجار المخدرات المرتبطين بحرس الملالي ويعملون تحت مظلة نفوذه في دول المنطقة فبالطبع هناك خدمات منسقة بين هذه الأطراف يتعاظم من خلالها النشاط الاستخباري والاقتصادي والمالي ومن ينقل المخدرات ينقل السلاح والمتفجرات.، واليوم لم تعد الميليشيات بحاجة إلى تمويل بعد العوائد الطائلة لصناعة وتجارة وتهريب المخدرات، وباتت ميزانيات بعض هذه الميليشيات تعادل ميزانيات بعض الدول، وبات تسليحها يوازي تسليحات الجيوش النظامية في بعض الجوانب ويفوقها في بعض الجوانب، وأصبح من المستحيل ردعها أو تحجيمها في ظل الفوضى الخلاقة التي بثها الغرب في المنطقة ونمت وترعرعت عليها عصابات النظام وميليشياتها والسلطات الموالية له والتي يغض الغرب البصر عنها كأدوات له تحقق مآربه يحاصرها إعلامياً من هنا ويفتح لها أبواباً من هناك، ويحاصرها بقرارٍ هنا ويتغاضى عن تجارتها للمخدرات والسلاح هناك.
احتل نظام ولاية الفقيه عدة بلدان عربية واعترف بذلك وتفاخر به، وحول هذه البلدان إلى مجرد مسميات وهدم اقتصادياتها ومجتمعاتها بنشر سموم المخدرات والسلاح والأموال المزورة فيها، وبالمقابل تعاظم شأن النظام الإيراني بالمنطقة وهو في الحقيقة فقاعة صنعها الغرب ونمت بالصمت العربي؛ وما أود قوله هنا سيبقى صنم الملالي قائماً مستهتراً على التل، وكابوساً على الصدور ما لم يتم مواجهته ودعم كفاح الشعب الإيرانية والمقاومة الإيرانية وبرنامجها برنامج المواد العشر الذي طرحته السيدة مريم رجوي بشأن إقامة إيران الغد غير النووية التي تحترم مبادئ حسن الجوار قبل كل شيء، وتلتزم بالمواثيق والأعراف الدولية.
بقيت بقايا سيادة بالمنطقة بفضل الهروب من الأزمات وعدم قراءتها ومواجهتها بالشكل الصحيح.. والقادم أسوأ.....