د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):
علاقة نظام الملالي بالقضية الفلسطينية.. ومسار القضية إلى أين
بداية شأني شأن أي إنسان متحرر ومنصف لا أرفض أن يكون لطرفٍ ما علاقة مناصرة للقضية الفلسطينية شريطة أن يكون طرفاً مناصراً فعلياً لا أن يكون طرفاً هداماً يتربح على حساب دمار وهلاك الشعب الفلسطيني، أما في حالة نظامٍ كالنظام الإيراني فماذا يربطه بالقضية الفلسطينية سوى الشعارات والإدعاءات من أجل التوسع، وماذا قدم للشعب الإيراني وشيعة المنطقة في إيران والعراق ولبنان وعموم المنطقة العربية حتى يقدم للشعب الفلسطيني، وكم شهيد قدم هذا النظام للقضية الفلسطينية؛ وقد كانت ولا زالت معركة غزة قائمة وبمقدورهم الدخول إلى غزة إن كانت معركة حماس معركتهم .. معركة حماس ليست معركتهم، ومعركة فلسطين ليست معركتهم، وتحرير القدس ليس قضيتهم، وإنما قضيتهم هي القضاء على منظمة التحرير وتغذية الصراع الفلسطيني الفلسطيني والتمدد في المحيط العربي على حساب القضية الفلسطينية بعيدا عن الأراضي المحتلة التي لا يمسها نار ولا دم ولا مخدرات ولا ماء، وأما المنطقة العربية فقد مسوها بالنار وبالدم والمخدرات وتربعوا على أراضي بلدانها باعترافهم.
أرسل لي أحد الأصدقاء فيديوهات لكائنات تضع على رأسها عمامة من أولئك الذين تملكهم القبح والسوء، ولم أستغرب ما شاهدته من محتوى كريه يتعلق بالقدس وبالشأن الفلسطيني؛ لم أستغرب لأن هذه هي الحقيقة التي يضمرها نظام الملالي الحاكم في إيران وولي فقيههم ويخفيها بتصريحاته البراقة وبشعاراته الرنانة التي يلون جلده بها بين حين والآخر، لكن تلك الرؤوس التي تضع العمامة على رؤوسها تخرج لتبث سمومها على الفضاء الإفتراضي معبرة عن حقيقة مدرسة الملالي ومعدة لجيل جديد من القطيع الخاوي المخدر لا يربطه بالقضية الفلسطينية سوى الشعار والاستعراض الرديء للقوة دون خوض معارك، ولو شاءوا فعلا لأعتبروا معركة حماس معركتهم وأنزلوا ملايين المتطوعين من على جدران اللافتات المعلقة في الشوارع وزجوا ببعض منها في المعركة، لكن معركة غزة لم تكن معركة فلسطين بل معركة حماس، ومعركة حماس لم ولن تكون معركة الملالي بل وسيلةً من وسائل الملالي، وقد صرح نظام الملالي مراراً بأن لن يقاتل نيابة عنهم وأن المعركة معركتهم وقد تعودوا على الموت منذ بداية قضيتهم، واليوم وصل عبث الملالي إلى الضفة الغربية وكما وفر الأسباب لدمار غزة لصالح المحتل سيفعل بالضفة ويمكن المحتل من فرض سياساته الأمنية الاستيطانية التوسعية وتقويض دور السلطة الفلسطينية على الرغم من شكليتها فقد كانت لحماس سيادة في مترين من مساحة فلسطين لكن السلطة افلسطينية لم تمتلك سيادة على شبر واحد في عموم فلسطين بل تدير جزءا من مساحة فلسطين .. تُدير بلا سيادة؛ هذا هو نظام الملالي وهذه هي نواياه، وهذه هي مخططاته، وهذه هي نتائج تدخلاته الفجة المسكوت عنها، ولن تتخلص المنطقة كلها من شره إلا بسقوطه وزوال مدرسته.
منظمة التحرير والقضية الفلسطينية إلى أين
شاء من شاء وأبى من أبى فقد نقلت منظمة التحرير بقيادة الزعيم ياسر عرفات (أبوعمار) رحمة الله عليه القضية الفلسطينية من اللاشيء إلى رقم دنى أو علا فهو رقم مهم، وكان مكسبٌ كبيرٌ ذاك الذي أتاحته اتفاقية أوسلو والمفاوضات السياسية التي قادها أبوعمار والتي لم تخلو من ضغوط قاسية عربية وغربية، والمهم في الأمر أصبحت هناك سلطة فلسطينية على الأرض قابلة للتوسع على مراحل بشروط.
لم يقدم اسحاق رابين على ما أقبل عليه بالتسليم ببعض المكاسب للفلسطينيين ممثلين بمنظمة التحرير بقيادة أبوعمار إلا بدافع الرغبة في ضمان العيش بأمان واستمرار كيانهم على أرض مغتصبة، ويدرك رابين وغيره أنها ليست أرضهم لكنهم يريدون جعل الأمر الواقع حقائق يدعمها سلام وتعايش مع الفلسطينيين الذين لم تخبو انتفاضة شعبهم منهكة عدوهم وتدفع به نحو المزيد من التنازلات.
المحنكين من الصهاينة أمثال رابين بمساعيهم يريدون طرفاً فلسطينياً يحكم يتحكم تحت مظلتهم ووفق مخططاتهم ويتحمل المسؤولية أمامهم وأمام المجتمع الدولي، ويخفف عنهم أعباء المواجهة مع الشعب الفلسطيني الثائر، وأما البرابرة من الصهاينة وهم الأغلبية فينكرون أي وجود فلسطيني على الإطلاق ويريدون ابتلاع كل شيء تطاله أيديهم بسواطيرهم وفؤوسهم وأنيابهم، وبالتالي فقد رفضوا أوسلو وشاركتهم حماس مبدأ الرفض الذي لا يخدم الفلسطينيين على الإطلاق، وقُتِلَ رابين، ولا يمكن للقاتل أن يتمكن من قتل رابين لولا أن سهلوا له الأمر.
تميل الآراء إلى أنه بعد مقتل رابين يصبح اللعب على الحبلين ممكناً وممكناً جداً، وتبدأ صناعة الأسباب بخلق وتمويل عبث حماس الذي يتنافى مع توجهات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية الشرعية، ومخططات مراحل النمو الفلسطيني باتجاه نيل حقوقه الكاملة، وتخلق حماس المبرر للمحتل للعبث بالعهود ومن ثم نقضها وله أسبابه التي صنعتها وتصنعه له حماس بدعم وتوجيه من نظام الملالي، وهنا يتقزم دور السلطة الفلسطينية ويتحول إلى سلطة شكلية تابعة للمحتل، وتريد أن تأمن شره تارة تلاحق الفلسطينيين أمنياً بموجب اتفاقيات مبرمة مسبقا وواجبة التنفيذ انتقائيا ومن طرف واحد بسبب هشاشة موقف منظمة التحرير وفتح والسلطة الفلسطينية، وبسبب الوباء الذي لحق بالشأن الفلسطيني المسمى بحماس الممول والموجه خارجياً من ملالي إيران ومن الصهاينة في الداخل بشكل أو بآخر، وهنا تقع القضية الفلسطينية بين ضغط فكي كماشة النظام الإيراني من جهة وسياسة الصهاينة من جهة أخى، ويصعب على المنظمة وحركة فتح مواجهة هذا الضغط على هذا الحال البائس وتراجع تأييد الشعب الفلسطيني؛ بينما يتم تسويق حماس لتصبح بديلا عن المنظمة والسلطة الفلسطينية للوصول إلى يوم يُعلن فيه بطلان اتفاقية أوسلو بزوال أحد اطراف الإتفاقية ولأن الطرف البديل يرفض الإتفاقية ويظهر الفلسطينيين بأنهم هم من نقض الإتفاقية وتعود القضية الفلسطينية إلى المربع صفر من جديد.. وكأنك يا أبوزيد ما غزيت.
الحقيقة المؤلمة التي يجب قولها هي أنه باستشهاد أبوعمار تيتمت القضية الفلسطينية وأصبحت مفردة النضال مفردة تراثية، وبات الصهاينة يستخفون بالموقف وبالقيادة الفلسطينية.. القيادة الفلسطينية الجديدة التي أصبح لها نهج جديد مودرن بسياسة يمكنها أن تصبح كإدارة موناكو قريباً.. نهج متخبط لا يريد أن يُغضب أحداً لطيفاً يراعي كل المشاعر الكل أصدقاء والكل شركاء والقضية باتجاه التغييب، وعلى هذا النحو ستصل القضية إلى مثواها الأخير عما قريب بفضل بركات حماس وملالي البؤس في إيران وتقاعس السلطة الفلسطينية وفقدانها مقومات الصمود بسبب ما حل بفتح وتاريخها العريق وبمنظمة التحرير التي يجب أن تكون هي السلطة والموجه، ولينظروا إلى الحزب الشيوعي الصيني، وهنا وفي ظل هذه الظروف الملائمة ستتعاظم مؤامرات الصهاينة الذين يرحبون بكل نكبة فلسطينية، فبالأمس قضوا على غزة واليوم يجتاحون الضفة لإعادة الهيمنة عليها وتركيعها لتبقى السلطة الفلسطينية سلطة شرفية لطيفة مصانة أمام العالم، والحقيقة يديرها ويشرف المحتل على كافة تفاصيلها.
الحلول تكمن في إعادة الحق النضالي التاريخي بكرامة لكل أبناء فتح المُبعدين عنها وقبولهم وآرائهم دون مساس، وبروز قوى سياسية حقيقية وطنية بدماء جديدة تلتزم بالخط الثوري وتاريخ منظمة التحرير وحركة فتح وترتكز على تراثهما النضالي الكبير، وتنشأ هذه القوى مستقلة خارج منظمة التحرير ثم تدخلها ككيانات لها صوتها ودورها ورؤيتها الوطنية وبالتالي يمكن من خلالها تجديد الحياة برصانة داخل منظمة التحرير وإعادة الاعتبار لحركة فتح، وإعادة أجواء اللحمة المفقودة المتراجعة مع الشعب الفلسطيني، وإنهاء مسيرة العبث والمغامرات التي أوجدها النظام الإيراني وشركائه في التوجه وجنودهم في فلسطين، ومن ثم يمكن الصمود في مسار التفاوض مع هذا أو ذاك.
بعد هذا التخبط السياسي والخراب والدمار، وما يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة والضفة من إبادة وتنكيل بات الخطاب السياسي والإعلامي الفلسطيني بحاجة إلى تجديد، بحاجة إلى مؤسسات إعلامية ثورية وطنية معتدلة ومستقلة على المستويين الفلسطيني والعربي بعيدة عن التنكيل والتشهير تعمل بخطاب تصحيحي وتكون مرآة الحقيقة للجميع، وما سيصنعه ويوجده الفلسطينيون كحقائق رصينة على الأرض سيتعامل معه الآخر في الغرب والعالم وفي المنطقة العربية، وهذا هو التوقيت الأفضل نحو خلق هذه المسارات وفاءا لدماء الشهداء وأنات المعذبين، وللحفاظ على مكتسبات منظمة التحرير وفتح وتاريخهما النضالي، ومن يُهمل في غرفة العناية يُعجل بنقله إلى مثواه الأخير.
د. محمد الموسوي / كاتب عراقي