محمد فيصل الدوسري يكتب:
الهروب من الأزمات عبر استهداف المقار الدبلوماسية
في ظل الحرب المستمرة في السودان، يتعمد أحد أطراف الصراع والمتمثل في الجيش، تجاهل كل جهود وقف إطلاق النار ومباحثات السلام.
وكان آخر تلك الجهود مفاوضات جنيف التي استمرت عشرة أيام دون حضور ممثلين عن الجيش في بورتسودان، ليضاعف اليوم من عزلته مع اعتدائه الغاشم لمقر سفير دولة الإمارات في الخرطوم، في انتهاك لقواعد القانون الدولي، واتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961 التي توفر الحماية والحصانة لمقار البعثات الدبلوماسية، وتنص على حرمتها في جميع الأوقات، مما يثير التساؤلات حول نوايا الجيش.
فما بدأ كصراع داخلي بين جناحي المكون العسكري في السودان، تحول مع مرور عام وخمسة أشهر إلى مأساة إنسانية متفاقمة، وأزمة معقدة تتشابك بها الأبعاد الإقليمية والدولية، ولم تنجح مبادرات السلام المختلفة، لا سيما إعلان جدة ومنصة جنيف، بما فيها جهود الإيغاد والاتحاد الأفريقي في وقف القتال.
وتصاعد العداء تجاه الإمارات التي لعبت دورًا بارزًا في مكافحة التطرف ودعم الاستقرار في المنطقة، وتقديم المساعدات الإنسانية للنازحين داخل وخارج السودان لم يكن وليد الصدفة، فاستهداف الجيش لمقر إقامة سفير دولة الإمارات يعكس اختراق مؤسسة الجيش من عصابات التطرف والإرهاب والكيزان الإخوان، ويؤكد أن الجيش لا يمثل كيان الدولة في السودان، فالدول التي تحترم الأعراف والمواثيق الدولية، لا تستهدف المقار الدبلوماسية، والدول لا تخدم أجندات المليشيات، ما يعيد للأذهان حقبة استهداف البعثات الدبلوماسية في إيران.
ولا يمكن اعتبار الهجوم على مقر البعثة الإماراتية في الخرطوم حادثا عرضيا نتيجة للقتال الدائر، فالدمار الذي لحق بالمبنى يشير إلى نية مبيتة من أطراف الإسلام السياسي المتطرفة، والمتحالفة مع بورتسودان وتريد الهروب من الأزمات عبر خلق أزمة دبلوماسية جديدة، وهذه المليشيات الإسلامية تدين بولائها لتنظيم الإخوان الذي يجد بدوره الإمارات خصماً قوياً، استطاع استباقيا كسر شوكته، وتحجيم دوره في المنطقة والعالم، فسياسة الإمارات الحديثة بمبادئها العشرة تؤمن بقيم التسامح والتعايش والأخوة الإنسانية، وجميعها مفاهيم لا تمت بصلة لأيديولوجية الإخوان، ودورهم التخريبي والمزعزع للاستقرار.
الاعتداء على البعثات الدبلوماسية يحمل في طيه أبعادا سياسية أعمق، فنظام بورتسودان أطاح بالسلطة المدنية السابقة، ولا يريد إعادة تسليمها للمدنيين، ولو كان على حساب علاقة السودان بالدول العربية والإقليمية، بحيث يسعى الجيش إلى تبرير أزماته وفشل أجنداته الداخلية، من خلال خلق عدو خارجي، ولو بشكل افتراضي!
وبهذا يمكن للجيش صرف أنظار الشعب السوداني عن فشله الداخلي، وتسببه ومن خلفه الكيانات الإسلامية المتطرفة في حرب كان ممكناً تجاوزها عبر الحوار. وخلق الأعداء الافتراضيين وسيلة قديمة عفا عليها الزمان، بحيث تستخدمها الأنظمة غير القادرة على تقديم حلول لأزماتها، وتستغل الأكاذيب المضللة كأداة دعائية لتبرير استمرارها في السلطة. ولذا تجاوز نظام بورتسودان الخطوط الحمراء عندما استهدف البعثات الدبلوماسية، ما يعكس نظرة ضيقة تُتخذ على أساس مصالح الفصائل المسيطرة، دون النظر إلى تداعياتها على الساحة الدولية.
الجيش في موقف صعب بعد تغيبه عن مفاوضات جنيف ومشاورات القاهرة، فهو من جانب يريد الدعم الدولي والإقليمي لبقائه، بينما تصرفاته المتناقضة في المناورة، ورفض الحوار وتقويض جهود السلام، وصولاً إلى استهداف المقار الدبلوماسية، فهو بذلك يسير باتجاه العزلة الدولية، وبدلاً من مواجهة التحديات الداخلية وإيجاد حلول سياسية صادقة للأزمة التي تعصف بالسودان، نجد نظام بورتسودان يصدر مشاكله إلى الخارج، للهروب من مسؤولية فشله الداخلي.
لا يوجد سبيل آخر في السودان غير وقف إطلاق النار والحوار عبر طاولة المفاوضات بين طرفي الصراع، للتوافق على الانتقال السلمي للسلطة إلى المدنيين، فالمواجهة العسكرية لن تكون مجدية، وستواصل دولة الإمارات دورها الريادي بتقديم الدعم السياسي والإنساني والإغاثي للشعب السوداني بكل فاعلية، مهما حاولت الأجندات الإخوانية ترويج الأكاذيب، وخرق الأعراف والقوانين الدولية، فوصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين يشكل أولوية قصوى للسياسة الإماراتية.