ماريا هاشم يكتب لـ(اليوم الثامن):

النظام الإيراني: بين قمع الداخل وتصدير الفوضى للخارج

في السنوات الأخيرة، تكررت التساؤلات حول سبب إصرار النظام الإيراني على تأجيج الصراعات الخارجية رغم أنه غارق في أزمات اقتصادية خانقة. ويتساءل الكثيرون: لماذا يواصل النظام سياساته الإرهابية بلا توقف، على الرغم من معارضة الشعب الإيراني الواسعة لها؟

وتؤكد منظمة مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية، اللتان تمتلكان معرفة شاملة بطبيعة هذا النظام الفاشي، أن تصدير التطرف وإثارة الحروب جزء لا يتجزأ من طبيعة النظام غير الإنسانية. فالحرب والقمع هما وجهان لعملة واحدة، يكمل أحدهما الآخر. إذ تُخصص ثروات البلاد لتطوير أسلحة الدمار الشامل بهدف التصدي للقوى الثورية والشعب الإيراني. ومع انكشاف الخسائر الاستراتيجية للنظام في مغامراته الخارجية، تزداد صحة تحليلات المقاومة الإيرانية وتوقعاتها رسوخاً.

إن إشعال الحرب مع العراق لمدة ثماني سنوات، والتدخل في شؤون دول مثل سوريا واليمن ولبنان وفلسطين، هو جزء من استراتيجية النظام لمحاربة الشعب الإيراني ومقاومته المتنامية. يُعتبر هذا السلوك إجراءً دفاعيًا لمنع سقوط النظام. فخسارة ما يسمى بـ “العمق الاستراتيجي” تعني تراجع هيمنة خامنئي وإضعاف موقفه أمام أتباعه وتغيير موازين القوى لصالح المعارضة.

وقد اعترف خامنئي بهذا الأمر صراحةً في لقاء مع عائلات ما يسمى بـ “شهداء مدافعي الحرم” في خطاب ألقاه في 25 يناير 2016، قائلاً: “هؤلاء الأفراد قاتلوا عدواً، لو لم يُوقفوه لكان قد دخل بلدنا… لو لم يتم التصدي له، لكنا نقاتله في كرمانشاه وهمدان وغيرها من المحافظات. في الواقع، هؤلاء الشهداء ضحّوا بحياتهم في سبيل الدفاع عن الوطن والدين والثورة الإسلامية.” هذا الاعتراف يعكس خوف النظام من أن يواجه مقاومة داخلية إذا لم يتدخل في الصراعات الخارجية.

الأحداث الأخيرة كشفت ضعف النظام، الذي كان يبدو في السابق أكثر ثباتاً. إذ أظهرت سلسلة الانتفاضات الوطنية وعمليات وحدات الانتفاضة أن النظام أضعف بكثير مما يبدو. ورغم أن السياسة الدولية المتساهلة حاولت التغطية على هذا الضعف، فإن هشاشة الفاشية الدينية الإيرانية أصبحت واضحة.

هذا الضعف أدى إلى انقسامات داخلية واشتباكات بين أجنحة النظام، خاصة مع تزايد التورط في حروب خارجية. علي مطهري، المسؤول الإيراني السابق، كتب مؤخراً على منصة إكس قائلاً: “تردد إيران في الرد على اغتيال هنية في طهران بينما كان العالم ينتظر رد إيران، شجع النظام الصهيوني على اغتيال حسن نصر الله أيضاً. لقد خُدعنا من قبل الولايات المتحدة التي أرسلت رسائل متكررة تطلب منا عدم الرد وتعدنا بوقف إطلاق النار في الأسبوع التالي.”

لمواجهة الانشقاقات الداخلية وتراجع الروح المعنوية، لجأ خامنئي إلى استراتيجية الصواريخ، مع قلقه من أن يقع في الفخ الذي صنعه بنفسه. التحضيرات لجمع حشود كبيرة لصلاة الجمعة، مثل ما حدث في جنازة  الهالك قاسم سليماني، تهدف إلى رفع الروح المعنوية ومنع الانشقاقات. هذه المرة أيضاً، كانت الحشود هدفها تعزيز معنويات النظام وجذب المنشقين. لكن الخوف الحقيقي للنظام يأتي من تصاعد الاحتجاجات في الداخل.

كتبت صحيفة هم‌ميهن الحكومية  في 5 أكتوبر 2024 بوضوح: “كان المجتمع الإيراني [اقرأ: أتباع النظام] بحاجة إلى إعلان رسمي من قائد الثورة لتعزيز الروح المعنوية وكسر حالة القلق والحرب القائمة.”

وأما صحيفة كيهان، الناطقة باسم خامنئي، فقد وصفت هذه الصلاة بأنها “إحدى أكثر صلوات الجمعة التاريخية، وربما الأكثر تاريخية، التي أقيمت منذ الثورة، ومعجزة أخرى في تاريخ الثورة الإسلامية”. ورغم هذه الادعاءات، كشفت الصحيفة نفسها عن التلاعب في الحشود عندما قالت: “كثير من المشاركين المتحمسين لم يتمكنوا من الحضور بسبب نقص وسائل النقل العامة” (كيهان، 5 أكتوبر 2024).

بعيداً عن المصطلحات مثل “تاريخي” و”معجزة”، يبقى الأهم أن بروباغندا رفع الروح المعنوية من خلال جمع أتباع النظام من مدن مختلفة لا يمكنها إخفاء الخوف الحقيقي من السقوط. الشعب الإيراني يدرك هذه التكتيكات جيداً. النظام الذي تفاخر سابقاً بمشاركة “ملايين” في جنازة سليماني، لم تمضِ فترة طويلة حتى اندلعت احتجاجات الطلاب الغاضبة مطالبة بالقصاص لأكثر من 1500 شهيد من أبناء إيران الذين قتلوا في انتفاضة نوفمبر 2019.

لا الصواريخ، ولا الطائرات المسيرة، ولا الحروب الخارجية، ولا الاستعراضات المكررة في صلاة الجمعة المزيفة وادعاءات الدعم الشعبي المليوني، ستنقذ هذا النظام المتهالك من السقوط على أيدي الشعب والمقاومة الإيرانية. كل المؤشرات تتجه نحو نفس النتيجة: نظام على شفا الانهيار، وشعب مصمم على الإطاحة به.