أحمد الجعشاني يكتب لـ(اليوم الثامن):
العشق الصوفي في قواعد العشق ألاربعون
تميزت الكاتبة أيلف شافاق في رواية قواعد العشق الاربعون في موضوع مهما جدا متصلا بالفكر الثقافي والادبي وهو عن أهمية الفكر الصوفي وتأثيره الانساني على الادب والفكر الثقافي والمجتمعي عموما . حيث ان أستلهام الشخصية الصوفيه من الثرات الاسلامي الغني بالعوالم الخفيه والموضوعية التى استحوذت على مشاعر الناس المختلفة . وماتعرض له من ظلم و أقصاء في ظل الصراعات والنزاعات الدينيه للمذاهب المختلفة . الاستدالة التاريخيه في الرواية و اعادة إظهار الرؤيه الصوفيه بعمقها الفكري والإنساني . جعل للعمل الروائي ( قواعد العشق الاربعون) حضورا مميزا واضفى حيويه متقده ما بين الموروث الصوفي وتجلياته المعاصرة في فن كتابة الرواية الحداثية عند الكاتبه أيلف شافاق.
اوردت الكاتبه أيلف شافاق رواية مبنيه من قصتين متداخلتين مزجتهما في رواية واحده بلغة سرديه جميله ممتعة وسهلة . بحيث أسهمت فيه مابين الموروث التاريخي وأثار دلالاتها المعاصرة في بناء النص الروائي عند أيلف شافاق. ما بين قصة شمس الدين التربيزي ولقائه لجلال الدين الشاعر الصوفي المعروف في القرن الثالث عشر و القصة اخرى ثانية قصة معاصرة عن بطلة الرواية أيلا روبنشتاين أمرأة أربعينيه تعيش في أمريكا وتكتشف نفسها من جديد بأنها تعيش حياة مملة و غير سعيدة في زواجها . تحصل على عمل كناقدة في وكالة أدبية يطلب منها كتابة تقريرا ونقدا عن كتاب أسمه ( الكفر الحلو) لكاتب غير معروف أسمه ( عزيز زاهارا) فتفتن هي بالقصة وحكاية شمس الدين التربيزي ورحلتة الطويله من سمرقند وبغداد ودمشق وجونية في تركيا حتى لقائه بجلال الدين الرومي . فتتحول الى عاشقة لكاتب الرواية عزيز زاهارا وتحاول أن تلتقية و تضحي بكل شئ في سبيل لقائه .
ولعل مايميز هذه الرواية أنها اتخذت منحى التصوف . والدخول الى عوالم الصوفيه الخفي من خلال قصة قديمه تنشأ بين شمس الدين التربيزي الاستاذ المعلم الزاهد الصوفي . وبين جلال الدين الرومي الشخصية الدينيه الفقيه العالم الاسلامي الجليل . الذي أستحوذ على مشاعر الناس وكيف تغير بعد لقائه بشمس الدين التربيزي الصوفي وتعلم منه دروس قواعد العشق الاربعون .
تستهل الكاتبة بكلمة شمس عن نفسه ( عندما كنت طفلا رأيت الله ورأيت الملائكه ورأيت أسرار العالمين السفلى والعلوى . حتى ظننت أن جميع الرجال رؤا ما رأيته . لكن سرعان ماأدركت أنهم لم يروا ..)
مقدمة قصيرة تكشف فيه عن عوالم هذه الشخصية الصوفيه التى تمتلك حدسا مميزا عن بقية الرجال ومن الاحداث المبشرة والمثيرة لشمس الدين التربيزي التى تتكون منها الشخصية العجائبيه المتفردة وهي بداية موفقة في بداية رسم عوالم الشخصية الصوفيه .
وأيضا تستطرد مقدمة اخرى عند بداية قرأتها لمخطوط كتاب (عزيز زاهارا الكفر الحلو) حيث تقول (ان أحداث هذه الرواية تدور في القرن الثالث عشر الهجري وهو لايختلف عن القرن الواحد وعشرين ميلادي . أذ ان هذين القرنين كانا عصر صراعات دينيه مذهبيه . الى حد لم يسبق له مثيل عصر ساد فيه السوء والتفاهم الثقافي والشعور بعدم الامان والخوف من الاخر . وفي اوقات كهذه . تكون الحاجه الى الحب أشد من اي وقت مضى) .
وهو تصور واضح الى الحنين الى دين يتسم بالسماحة والحب الى دين بعيدا عن التطرف دون تعصب . او صراعات دينيه مذهبيه دعوة الى الحب والتفاهم دون الحاجه الى العنف . امام الحاضر المتأزم بالصراعات الدينيه للمذاهب المختلفة الذي لا يختلف عن القرن الثالث عشرالهجري. توحي لنا في رسالة موضوعيه ومهمه الى أن الصوفيه مذهب أمن و سلام ومحبه ومتعايش مع الاديان ألاخرى .
لاشك أن كاتبة الروايه عملت على أستحضار الرموز الصوفيه من الذاكرة التاريخيه لموروث الثقافي الاسلامي مع الاتصال بالواقع المعاصر . محاولة جيدة في أحياء فرضية الثقافة والفكر الصوفي وتأثيره الانساني . منذوا ظهوره في بداياته في القرن الرابع الهجري . في الادب الشعري ذوا النزعة الفلسفيه لذات الالهيه كما صوره لنا ( الحلاج وابن العربي ) في شعرهما . فهي ايضا تعد محاوله أحياء العودة الى الماضي لمذهب الصوفي الذي ركن الى الجمود والانزواء في الظل . في ظل واقع كان متأزم بالصراعات الدينيه المذهبيه في القرن الثالث والرابع عشر الهجري وحتى قرننا المعاصر . ولعل ما يميز الروايه أنها أستهلمت من التاريخ الاسلامي بصفة خاصة . المذاهب الصوفيه تستثمر فيه جماليات الشخصيه الصوفيه. من خلال هذين الشخصيتين جلال الدين الرومي وشمس الدين التربيزي في أثراء النص االروائي. ونبش الذاكرة التاريخيه والسياسيه للموروث الثقافة والفكر الصوفي عنهما وعن الصوفيه بشكل عام. والصراع والاختلافات المذهبيه السائدة وأثرها وتأثيرها للحياة العامه والمشهد الثقافي ومارصده التاريخ . من تحولات سياسيه وثقافيه واجتماعية الى يومنا هذا .