رولا القط تكتب لـ(اليوم الثامن):
إيران وإعادة النظر في سلاحها النووي
مع تسارع الأحداث وتزايد التوترات في منطقة الشرق الأوسط، تبرز مسألة مراجعة العقيدة النووية الإيرانية كأحد أهم القضايا الاستراتيجية في الوقت الراهن. فالأوضاع الأمنية الإقليمية تتطلب من طهران إعادة النظر في سياساتها الدفاعية، خاصة في ظل التهديدات المتكررة التي تمثلها إسرائيل، ما يجعل تعزيز الردع النووي أمرًا ملحًّا وضروريًّا.
التحديات الأمنية ومسألة الردع النووي وفقًا للمحلل في الشؤون الدولية، أحمد بخشایش أردستاني، فإن امتلاك إيران لقدرات ردع نووي من شأنه أن يخفف من المخاوف السائدة داخل المجتمع الإيراني. فالقلق الشعبي من الهجمات المحتملة، سواء من إسرائيل أو غيرها من الأطراف الإقليمية، ينبع من غياب قدرة إيران على تحقيق الردع النووي الكامل. ويرى بخشایش أن الحل الأمثل يكمن في إعادة صياغة العقيدة الدفاعية والمضي قدمًا نحو تطوير الأسلحة النووية، بما يتماشى مع مستجدات البيئة الأمنية المحيطة.
بالتوازي، شدد بخشایش على أن التحديات والتهديدات الإقليمية، لا سيما التوترات مع إسرائيل، تفرض على إيران ضرورة إعادة تقييم سياساتها العسكرية والنووية. فمن وجهة نظره، لو كانت إيران قد امتلكت السلاح النووي في وقت مبكر، لما تجرأت إسرائيل على تنفيذ عمليات مثل اغتيال العلماء النوويين أو استهداف شخصيات بارزة ضمن محور المقاومة. وعليه، يرى المحللون أن تغيير العقيدة النووية الإيرانية بات أمرًا ضروريًّا يتجاوز مجرد الرد على الضغوط الإقليمية.
فتوى خامنئي: الحاجة إلى إعادة التقييم أحد أبرز العناصر في هذا النقاش هو الفتوى التي أصدرها المرشد الأعلى، علي خامنئي، والتي تحرم استخدام السلاح النووي. ولكن بخشایش أردستاني يشير إلى أن هذه الفتوى جاءت في ظروف معينة، ويمكن أن تخضع لإعادة تقييم إذا تغيرت البيئة الأمنية للبلاد. الفتوى تحظر “استخدام” السلاح النووي، إلا أن إنتاجه وتخزينه يمكن أن يُنظر إليه كإجراء ردعي بحت، خاصة في ظل تصاعد التهديدات الإسرائيلية وتزايد التوترات في المنطقة. وتبرز هنا ضرورة إعادة النظر في السياسات النووية الإيرانية، وفقًا لمقتضيات الردع والأمن القومي.
الأهمية الاستراتيجية لموقع إيران تلعب الجغرافيا السياسية دورًا محوريًّا في تحديد أهمية إيران الاستراتيجية، حيث إن موقعها في قلب الشرق الأوسط يجعلها قريبة من مناطق ذات أهمية كبرى مثل القوقاز وآسيا الوسطى وشبه القارة الهندية. ولهذا، فإن امتلاك إيران لقدرات ردعية متقدمة قد يعزز من توازن القوى الإقليمي. ويشير بخشایش إلى أنه حتى في حال تغيرت الحكومة في طهران، فإن القوى العالمية، بما في ذلك الولايات المتحدة، قد ترى في امتلاك إيران للسلاح النووي وسيلة لتحقيق توازن استراتيجي في المنطقة.
منظومة الدفاع الصاروخي “ثاد” وعجزها أمام الصواريخ الإيرانية في هذا السياق، نجد أن منظومة الدفاع الصاروخي “ثاد” التي نشرتها الولايات المتحدة في إسرائيل كجزء من مساعيها لتعزيز دفاعاتها أمام الصواريخ الإيرانية، قد أظهرت محدودية كفاءتها. فقد أشارت صحيفة “كيهان” إلى أن “ثاد” غير فعالة بشكل كافٍ في مواجهة الصواريخ الباليستية الإيرانية، معتبرة نشرها جزءًا من الحرب النفسية التي تشنها إسرائيل على إيران.
ورغم أن “ثاد” لديها قدرة على اعتراض الصواريخ الباليستية خلال المرحلة المتوسطة من مسارها، إلا أنها تعجز عن التصدي للصواريخ الفرط صوتية، مثل صاروخ “فتاح” الإيراني. بفضل السرعة العالية وقدرة هذه الصواريخ على تغيير مسارها، تظل منظومة الدفاع الإسرائيلية غير فعالة في توفير حماية كاملة ضد التهديدات الصاروخية الإيرانية.
تعزيز الردع الإيراني: مطلب استراتيجي ومع تزايد التهديدات الإقليمية والضغوط الأمنية، يتفق المحللون والمسؤولون الإيرانيون على أن تعزيز قدرات الردع الإيرانية بات أمرًا لا بد منه. ويرى الكثيرون أن إنتاج وتخزين السلاح النووي كجزء من استراتيجية دفاعية متكاملة يمكن أن يسهم في طمأنة الداخل الإيراني، كما قد يشكل رادعًا ضد أي هجمات محتملة من إسرائيل أو غيرها من أعداء إيران. وفي هذا السياق، أعلنت لجنة الأبحاث الدفاعية والاستراتيجية في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، في بيان صدر بتاريخ 14 أكتوبر، أن “خامنئي أصدر أوامر للحرس الثوري باستكمال وتسريع مشروع صناعة القنبلة الذرية، في مسعى لضمان بقاء النظام”. ويأتي هذا الإعلان متزامنًا مع تحركات على الأرض، سواء في مجلس الشورى الإسلامي أو من خلال التصريحات والخطابات التي تُلقى من على منابر الجمعة.
تظل مسألة السلاح النووي في إيران محل جدل داخلي وإقليمي ودولي، فبينما ترى طهران أن تعزيز قدراتها الردعية ضروري لضمان الأمن الوطني، لا تزال الأطراف الإقليمية والدولية تراقب الوضع عن كثب، خوفًا من تحول سباق التسلح في المنطقة إلى واقع ملموس. إعادة النظر في العقيدة النووية والدفاعية الإيرانية ستظل من القضايا الشائكة، وسط بيئة تتسم بالصراعات والتهديدات المستمرة، ما يدفع طهران إلى المضي قدمًا في تحصين موقعها الاستراتيجي وتدعيم موقفها على الساحة الإقليمية.