محمد فيصل الدوسري يكتب:
ساكن البيت الأبيض الجديد
مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بصفته الرئيس الـ47، تتجه الأنظار إلى قرب سيطرة الحزب الجمهوري على مجلس الشيوخ وتحقيق الأغلبية في مجلس النواب، ما يعني تحولاً كبيراً في السياسة الأميركية الداخلية والخارجية بشكل منسجم ومتناسق، تسوده الموجة الحمراء.
لقد شهدت الانتخابات انقساماً عميقاً في المجتمع الأميركي، حيث يرى العديد من أنصار ترامب أن فوزه “تصحيح للتاريخ”، خصوصًا بعد انتخابات عام 2020 التي وصفها ترامب بأنها شهدت “تزويراً” أدّى لخسارته حينها.
ومع قرب سيطرة الجمهوريين على الكونغرس، يصبح أمام ترامب فرصة قوية لإعادة تشكيل الإدارة الأميركية بما يتماشى مع رؤيته وسياساته الصارمة، خاصة في ما يتعلق بالهجرة وأمن الحدود.
وقد يركز ترامب على قضايا السياسة الداخلية كإصلاح النظام القضائي ومحاولة كسب المزيد من الدعم الشعبي من خلال وعود بتوفير الوظائف وتعزيز الاقتصاد، إلا أن هذه الوعود ستواجه تحديات كبيرة، حيث أن الولايات المتحدة لا تزال تعاني من تداعيات جائحة كوفيد-19، ومن أزمات اقتصادية تسببت بارتفاع معدلات البطالة والتضخم.
ويحمل فوز ترامب دلالات تتجاوز حدود الولايات المتحدة، حيث يمثل الانتصار صعود التيار اليميني ليس في أميركا فقط، بل عالميًا، ومن المرجح أن نشهد في المستقبل القريب تصاعداً في حظوظ التيارات اليمينية في أوروبا، ما قد يدفع الاتحاد الأوروبي إلى التكيف مع توجهات أميركا الجديدة بقيادة ترامب، واحتمالية تكرار الضغوط الأميركية على دول الاتحاد الأوروبي لزيادة الإنفاق العسكري في حلف الناتو، كما حصل في ولايته الأولى، مما قد يضيف عبئاً إضافياً على الاقتصادات الأوروبية.
فوز ترامب يشكّل فرصة سانحة لإعادة النظر في الدور الأميركي على الساحة الدولية، لكنه أيضاً يمثل تحدياً كبيراً للعالم الذي بات أقل استقراراً وأكثر انقساماً
وترى روسيا في عودة ترامب فرصة لحسم ملف الحرب مع أوكرانيا، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يأمل أن يتبنى ترامب نهجاً أكثر مرونة، يتفهم من خلاله أن مسببات الحرب كانت بسبب أخطاء الإدارة الأميركية السابقة. وعليه، لن يتحمل ترامب أوزارها. ما يعني إيقاف الحرب والوصول لتفاهمات عاجلة، ومع احتمالية تراجع الالتزام الأميركي بالناتو، قد تجد روسيا نفسها في وضع أفضل لفرض هيمنتها على دول جوارها الاستراتيجي.
أما الصين، فلا يبدو أنها سترحب بعودة ترامب، فسياساته السابقة كانت شديدة العدوانية في الجانب الاقتصادي، وفي ولايته الجديدة قد نشهد تصاعداً في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ما قد يخلق توترات تؤثر على الاقتصاد العالمي، فترامب يفضل التركيز على فرض عقوبات اقتصادية وتشديد الرقابة على التكنولوجيا الحساسة.
وفي منطقة الشرق الأوسط، يعتبر ترامب رجل الصفقات، ما يجعله شخصية غير قابلة للتوقع في تعاملاته، ومن المتوقع أن يسعى لتعزيز علاقاته مع حلفائه التقليديين في المنطقة، خصوصاً دول الاعتدال العربي.
كما ستشهد المنطقة عودة إلى الاتفاقيات الإبراهيمية مع إسرائيل، ما سيضع حدا للأزمات العالقة في المنطقة في لبنان وسوريا وغزة واليمن وغيرها، وستكون إيران في موقف صعب، حيث يدرك قادتها أن عودة ترامب قد تعني المزيد من الضغوط والعقوبات، وربما تهديدات عسكرية تضع برنامجها النووي في مرمى الخطر، لكنها ستبقى محكومة باعتبارات القوة العسكرية والاقتصادية المتاحة، ما قد يجبر إيران على المناورة بتقديم بعض التنازلات التكتيكية، لكن دون المساس بجوهر مشروعها الإقليمي، لاسيما دعم وكلائها المحليين في العراق وسوريا ولبنان.
عودة ترامب للبيت الأبيض قد تدفع العديد من الدول إلى إعادة النظر في تحالفاتها الإقليمية، وقد تشهد المرحلة القادمة بروز تكتلات وتحالفات جديدة تهدف إلى مواجهة القلق المتزايد حول استقرار النظام العالمي، وسيواجه ترامب تحدي الحفاظ على توازن دقيق بين مصالح أميركا وتوجهات حلفائه في الشرق الأوسط وأوروبا، ومن المتوقع أن ينحو ترامب نحو سياسات تعتمد على الصفقات والتحالفات التكتيكية، ما يعزز من حالة عدم اليقين في الساحة الدولية.
ويشكّل فوز ترامب فرصة سانحة لإعادة النظر في الدور الأميركي على الساحة الدولية، لكنه أيضاً يمثل تحدياً كبيراً للعالم الذي بات أقل استقراراً وأكثر انقساماً، والمشهد الدولي في حالة من الاستقطاب والتغير. ترامب، برؤيته المتفردة وأسلوبه غير التقليدي، قد يكون قادراً على تحقيق العديد من الإنجازات الفعالة، وإن كان قادراً على إعادة الولايات المتحدة إلى “عظمتها” كما يروج، فإن هذه العظمة ستأتي حتماً بثمن باهظ على الساحة العالمية، حيث سيترك بصمته في تحول العلاقات والتحالفات بشكل يصعب التحكم بها.