محمد خلفان يكتب:

التحولات العالمية تؤكد قوة رؤية الإمارات في مواجهة التحديات

مع اقتراب عام 2024 من نهايته، ستبدأ المراكز البحثية في العالم إجراء تقييم لتحركات بعض الدول المعروفة بنشاطها الدبلوماسي خلال العام..

وكذلك تقديم قراءات استشرافية للمرحلة المقبلة والسياسات التي يمكن أن تنتهجها تجاه المستجدات على الساحة الدولية خاصة بعد وصول دونالد ترامب لرئاسة البيت الأبيض.

وفي قراءة للتحركات الإماراتية الخارجية سنجد أن المستجدات التي حصلت في العالم خاصة في الربع الأخير من العام الجاري أكدت على بعد نظر وحكمة سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة تحت قيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة خاصة في تطورين مهمين؛ هما التطور الأول: مخرجات مجموعة "بريكس"، ففي الأسابيع الماضية، استضافت مدينة قازان الروسية قمة مجموعة "بريكس" بعد توسيع عضويتها بانضمام الإمارات وأربع دول أخرى من بداية العام الجاري.

وقد أثبت ما تضمنته فعالياتها من خطط مستقبلية وآليات مستحدثة، قيمة وقوة ذلك التكتل في عالم يحفل بالعديد من المنظمات والتكتلات المتنوعة بين اقتصادية وسياسية وعسكرية وثقافية. فقد بدأت مجموعة "بريكس" عملياً في تنفيذ الأهداف التي وضعتها عند تأسيسها، فتم تأسيس بنك للتنمية وأقر القيام بالتبادل التجاري بالعملات المحلية، فضلاً عن دراسة إصدار عملة جديدة موحدة لدول المجموعة.

ولا شك أن في ذلك إثبات عملي لصحة رهان دولة الإمارات على تكتل "بريكس"، وتطبيق سياسة الانفتاح الشامل والمتوازن على كل القوى العالمية بحثاً عن الاستقرار والتنمية والازدهار، وكسر حلقة الدوران في فلك القوى الغربية دون غيرها.

أما التطور أو المستجد الثاني: فوز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بفترة رئاسية ثانية في الانتخابات التي جرت في الولايات المتحدة الأمريكية في الخامس من الشهر الجاري. فعودة ترامب إلى البيت الأبيض، تعني تصاعد احتمالات تحسين العلاقات الأمريكية-الروسية، بل وتسوية ملف الحرب الروسية-الأوكرانية. وقد أكد الرئيس المنتخب دونالد ترامب عزمه إنهاء تلك الحرب بشكل عاجل. ومن جانبها، استقبلت موسكو فوز ترامب بترحاب وتفاؤل بنقلة إيجابية في العلاقات بين البلدين.

ولا شك في أن ذلك التطور على مستوى العلاقات الأمريكية-الروسية، يؤكد صحة التقديرات الإماراتية، ليس فقط بشأن التوازن والشمول في العلاقة مع القوى الكبرى في العالم، لكن أيضاً في استشراف المستقبل وقراءة تطورات الأحداث والتوجهات في مراكز القرار في العالم. بمعنى أن فتح آفاق جديدة في العلاقة مع روسيا والصين وغيرهما من القوى العالمية غير الغربية، ليس إلا استباقاً لتوجه عالمي بل وغربي أيضاً، فقد أثبتت الحرب الروسية-الأوكرانية أن العداء بين موسكو والغرب سياسي وليس مصلحيا.

في الواقع، الفجوة بين الشرق والغرب، لم تختلف كثيراً عما كانت عليه في فترة الحرب الباردة، حيث كان أساس تلك الفجوة فكريا وسياسيا ثم انعكس في الأمن والاقتصاد والمجالات الأخرى. وبعد انهيار المعسكر الشرقي وتفكك الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة، نشأت علاقات وروابط شرقية غربية عديدة ومتنوعة ولكنها كانت علاقات اضطرارية من باب المصلحة البراغماتية وليس من أجل أبعاد إنسانية أو تبادل المنفعة وليس أدل على ذلك من الترابط العضوي بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين في كثير من سلاسل التوريد والتبادلات التجارية المتعلقة بالمكونات والمواد اللازمة لصناعة التكنولوجيا الدقيقة والإلكترونيات.

لقد استشرفت دولة الإمارات هذه المعادلات الجديدة مُبكراً، وبالتالي فبينما تتعامل واشنطن والعواصم الأوروبية والغرب مع موسكو وبكين والشرق اضطراراً وتحت ضغط الحاجة، فإن الإمارات فعلت ذلك عن رؤية ثاقبة واضحة وتقديرات موضوعية ومنطلقات مختلفة.

الغرب يتحرك بدوافع مصلحية فقط، فيما يظل للفجوة السياسية والعداء الفكري والموروثات التاريخية بصمتها السلبية الحاضرة دائماً. أما السياسة الإماراتية فليست مقيدة بأي من تلك العوامل السلبية. بل على العكس؛ فقد وضعت الإمارات خياراً استراتيجياً لمنظومة علاقاتها الخارجية، يتمثل في الانفتاح على الإنسانية دون شروط أو معايير إقصائية. وهو ما يعني العمل على إقامة علاقات وتفاعل إنساني يُشكل ملامح جديدة للبيئة الدولية، لتكون بيئة أكثر جماعية وتعاونية وتشاركية. وهي المبادئ والمفاهيم التي تسعى دولة الإمارات بقيادتها الحكيمة إلى تطبيقها في علاقاتها الخارجية، وتعميمها ونشرها بين مختلف الشعوب في أنحاء الكرة الأرضية.