محمد فيصل الدوسري يكتب:
قمة الكويت.. المستقبل خليجي
مع اقتراب موعد انعقاد القمة الخليجية الخامسة والأربعين في الكويت، تتجه الأنظار إلى حدث يحمل في طياته أهمية خاصة على المستويات الخليجية والإقليمية والدولية.
تنعقد القمة في الأول من كانون الأول – ديسمبر تحت عنوان “المستقبل.. خليجي”، في توقيت حرج تواجه فيه المنطقة تحديات جسيمة ومتشابكة، ما يجعلها قمة استثنائية في توقيتها، وتتميز كذلك بأنها تُعقد للمرة الأولى في عهد أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، والسابعة التي تستضيفها الكويت منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1981.
وخصوصية القمة تتجاوز كونها اجتماعا دوريا، فهي تأتي في مرحلة إقليمية مضطربة، مع تصاعد الأزمات في غزة ولبنان، واشتداد التوترات بين إسرائيل وإيران، فضلا عن تغييرات كبرى في العلاقات الدولية، في مقدمتها عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
من المتوقع أن تناقش القمة مجموعة من الملفات التي تشكل تحديات وتوازنات المنطقة، بالإضافة إلى ملفات تنظر إلى مستقبل دول الخليج وتنميتها وازدهارها، فلا يزال أمن الخليج يشكل الهاجس الأول لدول المجلس، خاصة مع استمرار التهديدات المرتبطة بأمن الممرات المائية في مضيق هرمز وباب المندب، إلى جانب التدخلات الإيرانية في شؤون المنطقة، وعلى الرغم من الإشارات الإيجابية الأخيرة في العلاقات الخليجية – الإيرانية، إلا أن دول الخليج تدرك أن تحسين العلاقات يحتاج إلى خطوات ملموسة، مثل حل القضايا العالقة كحقل الدرة، الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة ووقف دعم الميليشيات المسلحة.
ومتوقع أن يناقش قادة الخليج ملف اليوم التالي ما بعد الحرب في غزة ولبنان، فدول الخليج تُعد الركيزة الأساسية لإعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع، إلا أن هذه المرة تختلف عن سابقاتها، حيث تتطلب المشاركة في الإعمار ضمانات سياسية واضحة، مثل الالتزام بحل الدولتين بشأن القضية الفلسطينية، وإعادة بناء الدولة اللبنانية الوطنية بعيدا عن النفوذ الإيراني.
وفي ظل المتغيرات العالمية ستسعى دول الخليج إلى تعزيز شراكاتها مع القوى الكبرى، واستمرار سياسة إدارة التوازنات الدولية، بما فيها العلاقة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومن جانب آخر روسيا والصين، ولا شك أن تجربة نموذجي الإمارات والسعودية في الانخراط بشكل فاعل في تكتلات بريكس ومجموعة السبع والعشرين، تشكل حافزا مهما لباقي دول الخليج في استمرار التوازنات الحالية، ورغم عودة ترامب في عهده الثاني، إلا أن دول الخليج تدرك أنه سيعود بنسخة أكثر تجربة وتوازنا، وسيظل استقرار العلاقات مع واشنطن أولوية، مع استمرار تنويع شراكاتها مع القوى الأخرى.
وسيكون الملف الاقتصادي حاضرا خاصة مع التوقعات بانخفاض أسعار النفط في عهد ترامب الثاني، ما يتطلب توحيد الرؤى ودفع عجلة التنويع الاقتصادي، والاستثمار في المستقبل في القطاعات غير التقليدية، وهناك فرصة كبيرة لوضع رؤية خليجية موحدة للمستقبل على أن تكون تكاملية وإستراتيجية على المدى الطويل، عبر تنسيق الرؤى التنموية لدول الخليج الست، فمن الممكن ربط المشتركات ما بين رؤى دول المجلس، ما سيصب في صالح مستقبل شعوب دول الخليج، وسيعزز من قدرة دول المجلس على مواجهة التحديات العالمية.
مرّ مجلس التعاون عبر تاريخه بمحطات رئيسية وتحديات واسعة، ساهمت في تشكيل هويته، واليوم تتطلب التحديات الراهنة رؤية مستقبلية تعزز من الكيان الخليجي، وهنا أستذكر زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات الأخيرة إلى الكويت في زيارة دولة، حيث سلط الضوء خلال كلمته على ثلاث نقاط رئيسية: التعاون الاقتصادي بين دول المجلس، ترسيخ فكرة الوحدة الخليجية، وأن منظومة العمل الخليجي تعد ضمانة أساسية لحماية المصالح المشتركة ودعم الأمن والاستقرار، في رسائل ملهمة للشيخ محمد بن زايد قبل أسابيع قليلة على قمة الخليج في الكويت، تضع أطرا واضحة لمفاهيم التكامل والتعاون والوحدة، ما قد يشكل إطارا جديدا لتعزيز التكامل.
تأتي القمة في الكويت لتؤكد مجددا أن مصير دول الخليج واحد، ورغم تعدد التحديات، يبقى العمل المشترك هو السبيل الوحيد لمواجهتها، وكما أظهرت التجارب السابقة، فإن دول الخليج قادرة على تحقيق إنجازات كبيرة طالما توحدت رؤاها وجهودها، وتبقى قمة الكويت فرصة ذهبية لرسم ملامح المستقبل الخليجي، حيث تستدعي الظروف الإقليمية والدولية التحرك بفاعلية لضمان استدامة الأمن والاستقرار في المنطقة، وبناء شراكات اقتصادية وسياسية تضمن مكانة الخليج كفاعل أساسي في النظام العالمي.