د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):

الغرب المهادن للنظام الإيراني مع بقاء نظام الملالي في إيران

سياسة المجتمع الدولي الجديدة تجاه إيران: تفترض في حالة الرشد دعم الشعب والمقاومة الإيرانية من أجل الديمقراطية والسلام والاستقرار الإقليمي والعالمي..

قراءة ُ في مؤتمرٍ هامٍ للبرلمان الأوروبي عقِد في بروكسل في الـ 20 من نوفمبر 2024 تحت عنوان "السياسة الجديدة تجاه إيران- التركيز على الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية"

  يُبرز تراكم الأحداث والمواقف الأوروبية وحتى الأمريكية مدى الهوة الشاسعة بين التوجهين في السلطتين التشريعية والتنفيذية خاصة فيما يتعلق بالشأن الإيراني والشرق الأوسطي.. في حينها أعلنت أغلبية برلمانية أوروبية مصادقتها على وضع حرس الملالي ما يسمى بـ الحرس الثوري على لائحة المنظمات الإرهابية لدى الاتحاد الأوروبي إلا السلطات التنفيذية في دول الاتحاد الأوروبي حالت دون تنفيذ ذلك وراحت إلى ما هو أبعد حيث أتمت صفقات تبادل مجرمين إرهابيين مُدانين بموجب القضاء الأوروبي برهائن مختطفين لدى النظام الإيراني، ومواقف أخرى كثيرة تتعلق بانتهاكات نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران لحقوق الإنسان ونشره للتطرف، والمخدرات، ودعمه للإرهاب وتدخله في شؤون دول الشرق الأوسط وأماكن أخرى في هذا العالم، بالإضافة إلى ملف البرنامج النووي؛ كل تلك الملفات قد تغاضى عنها الغرب غير مباليا بعواقب سياسة الاسترضاء التي ينتهجها مع النظام الإيراني ولا بمعاناة الشعب الإيراني وشعوب المنطقة.

تمادى الغرب ولا زال في مهادنته لملالي إيران على الرغم من تصريح الملالي بين حين وآخر بأنهم فرضوا رغباتهم وتوجههم على دول الاستكبار العالمي ولم يعقب أحدا من دول الاستكبار هذه على تلك التصريحات، وبدلا من الرد عليها وضعوا قيودا على المقاومة الإيرانية، وأياً كانت القيود فهي جائرة وتلبية لمطالب نظام دكتاتوري رجعي مارق على القيم والأعراف الدولية والإنسانية.. لكن المهم في الأمر اليوم أن المقاومة الإيرانية قد بدأت بمصارحة أكبر من ذي قبل لتعيد وبوضوح من خلال كلمة السيدة مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية كرئيسة للمرحلة الانتقالية مرحلة ما قبل تسليم السلطة للشعب وهي أشهر معدودة وفق البرنامج المطروح؛ حمل خطاب السيدة مريم رجوي رسالتين الأولى كانت النقد المباشر والصريح للغرب على مهادنته وهو أمر دأبت عليه منذ بعيد لكنه كان أكثر وضوحا ومباشرة هذه المرة، والرسالة الثانية هي دعوة الغرب إلى الوقوف إلى جانب الشعب والمقاومة الإيرانيين والكف عن سياسة المهادنة والاسترضاء،

تأتي أهمية المؤتمر أنه عُقِد بشأن مستقبل إيران بحضور السيدة مريم رجوي التي تقود أقدم وأكبر ائتلاف وطني إيراني معارض، وبحضور العديد من أعضاء البرلمان الأوروبي من تيارات سياسية مختلفة، وفي هذا المؤتمر من خلال خطابها سلطت السيدة رجوي الضوء على قضايا أساسية أبرزها انتهاكات النظام الإيراني لحقوق الإنسان، وقد أشارت إلى موجة الإعدامات غير المسبوقة حيث تم تنفيذ حوالي 800 عملية إعدام منذ بداية 2024 فقط، كما سلطت الضوء على السجل الأسود للنظام الإيراني الذي شمل أكثر من 100 ألف إعدام سياسي، ومئات الآلاف من المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب، وسعيه لتصدير الأزمات إقليمياً حيث يستخدم النظام الحروب الخارجية كأداة لحماية نفسه من السقوط داخليا مشيرة إلى اعتراف خامنئي بأن الانخراط في الصراعات الإقليمية كتلك التي تجري في سوريا والعراق واليمن هو وسيلة لتجنب مواجهة الاحتجاجات الشعبية داخل إيران، وأكدت على قدرة الشعب الإيراني والمقاومة على إحداث التغيير الديمقراطي في إيران.

الإرهاب والبرنامج النووي تهديدا مزدوجاً؛ والبديل إيران غير نووية

يواصل النظام الإيراني المضي قدما ببرنامجه النووي في خرقٍ واضحٍ للاتفاقيات الدولية، ويمثل السلاح النووي ضمانة لبقاء هذا النظام، وضمن تأكيدها على ضرورة إتباع سياسة حقيقية حازمة تجاه نظام الملالي طالبت بتفعيل آلية الزناد وتنفيذ القرارات الأممية الستة التي لم تُطبق حتى الآن معتبرة أن الحل الأمثل هو إسقاط النظام عبر دعم الشعب والمقاومة الإيرانية، وأكدت على ضرورة تصحيح الأخطاء الغربية خلال العقود الماضية وسياسة تجاهل الحقائق وإنكار وجود بديل للنظام موضحة أن المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية هو البديل الديمقراطي الذي يملك رؤية وخطة متكاملة لقيادة إيران نحو الحرية، وإن عملية إسقاط النظام الإيراني وإقامة جمهورية ديمقراطية غير نووية ليست مجرد أمل بل هي هدفٌ قابلٌ للتحقيق في ظل ثورة الشعب الإيراني الوطنية واستعداده للتغيير في ظل قيام "وحدات الانتفاضة" داخل إيران بقيادة الحراك الشعبي وكسر حاجز الخوف.

 

البرنامج السياسي للمقاومة واضح، والدعم الدولي ضرورة من أجل التغيير

حمل الخطاب بوضوح في مضمونه رسالة تحدٍ لتيار المهادنة الذي يستجيب لمطالب النظام الإيراني إذ أكدت على 

الدور المحوري لمنظمة مجاهدي خلق كحركة معارضة تمتلك تاريخاً من النضال ضد دكتاتورية الشاه ونظام الملالي، مشيرة إلى دور "أشرف 3" في ألبانيا كمركز للمقاومة، وأن المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية يقدم برنامجاً شاملاً يشمل الحريات، حقوق المرأة، المساواة الدينية، إلغاء عقوبة الإعدام، وبناء إيران غير نووية، وأشارت إلى الدعم الدولي الواسع الذي حظيت به المقاومة من بين ذلك تأييد 34 أغلبية برلمانية في أوروبا وأمريكا، وبيانات دعم من قادة دول وشخصيات دولية بارزة، ويعكس هذا الدعم إيماناً بقدرة الشعب الإيراني على بناء جمهورية ديمقراطية مستقرة مشيرة إلى أن الهدف ليس السيطرة على السلطة بل تسليمها للشعب الإيراني مع ضمان تمثيل كافة القوميات والطوائف، وأن عملية انتقال السلطة بعد إسقاط النظام ستكون سريعة حيث سيتم تشكيل حكومة مؤقتة لمدة 6 أشهر لتنظيم انتخابات مجلس تأسيسي، ووفقاً لذلك وفي هذا السياق فأن إتباع الاتحاد الأوروبي لسياسة حازمة وموقف فعلي تجاه نظام الملالي باتجاه دعم الشعب الإيراني في سعيه لتحقيق الحرية والديمقراطية فإن ذلك سيكون الطريق إلى السلام والاستقرار في المنطقة الذي يبدأ بتغيير النظام في إيران، ومن هنا فإن الدعم الدولي الفعلي هو ضرورة مُلحة من أجل تغيير النظام الإيراني وإعادة الأمن والاستقرار للمنطقة.

بعد هذه القراءة أرى أنه قد وضعت المقاومة الإيرانية الكرة في ملعب الغرب بشكل خاص والمجتمع الدولي بشكل عام ولا حل أمام الجميع سوى الوقوف إلى جانب الشعب الإيراني ومقاومته.. فهل سيتراجع هذا النظام العالمي ومتنفذيه عن سياسة المهادنة واسترضاء نظام الملالي على الأقل لحفظ ماء الوجه واستعادة هيبة المنظومة الدولية التي استخف بها نظام الملالي وأقرانه من الأنظمة المارقة؟ عندها "إن" استعادت المنظومة الدولية هيبتها فإنها ستكون جديرة بالاحترام والاتباع!!! وكوجهة نظر شخصية بعد مطالعات وقراءات أرى أن الغرب المهادن للنظام الإيراني وفقا لما ينتهجه لا يقترب من خيار تغيير النظام في إيران فحسب بل يدعم أيضا عملية بقاء النظام معينا إياه على مناوراته متغاضيا على جرائمه في الداخل والخارج.

د. محمد الموسوي