د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):
تركيا تُسقِط الأسد؛ وتقطع أذرع الملالي في سوريا ولبنان...!!! وماذا بعدك يا سوريا؟
كأوراق خريف تتهاوى أوراق ملالي إيران في خريف 2024
بنادق الإيجار تحتضر في أوكارها.. وتساقط أحجار الدومينو؛ وتركيا العميقة ترجمهم بحجارة من سجيل بعد صبرٍ جميل ليصبحوا ماضياً.. وبعد احتراق الأدوات في أيدي العابثين يتملك الوجع ملالي إيران من الضربة التركية ما يدفع صحافتها إلى توجيه رسائل النظام على ألسنة الكتاب!!!
محصنٌ هو ذاك المُلِم بتفاصيل التاريخ القادر على قراءة مراحله وترابط الأحداث فيه ببعضها البعض ليكون قادرا على فهم سياسات النظام العالمي والمجتمع الدولي وتناقضات تلك السياسات العارية من المبادئ والثوابت العامة.
بمراجعة التاريخ المعاصر لمنطقة الشرق الأوسط وإيران المعاصرة نجد أن النظام العالمي قد أسقط الدولة القاجارية ووضع سلطة جديدة في إيران لتكون شوكة في خاصرة العرب ودول المنطقة وفي مقدمتهم العرب وتركيا.. وبعيدا عن إدراك خطيئتها وجدت روسيا التي ساهمت مع البريطانيين في إسقاط القاجاريين وجدت نفسها ضمن الذين تضرروا مرحلياً من وباء سلاطين إيران المعاصرين في حقبتي الشاهنشاهية المخلوعة والملالي القائمة، ومن ضمن الخطايا التي وجدها النظام العالمي في السلطان رضا شاه هو تقاربه مع تركيا فخلعوه ونفوه ونصبوا ابنه محمد رضا شاه على العرش، وكما تخلوا عن الشاه الأب تخلوا عن الشاه الإبن بعد نهوض الحركة الوطنية الإيرانية على يد الزعيم التاريخي الخالد الدكتور محمد مصدق..، وكذلك أحداث الطاحونة الفارغة في ستينيات القرن الميلادي الماضي عندما نزع أسلحة الحركة الكردية العراقية وتفاهم مع العراق وصولا إلى توقيع اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران عام 1975 برعاية الجزائر، وغير ذلك من المواقف، وبعد أربعة سنوات من هذه الاتفاقية ترك النظام العالمي شاه إيران ليواجه مصير الفَناء بمفرده في مواجهة اشتداد موجة المد الشعبي الرافض لسلطة الشاهنشاهية الاستبدادية؛ لكن الغرب ونظامه العالمي لم يكن ليسمح بنجاح الثورة الوطنية الإيرانية ثورة عام 1979 لتكون مكاسبها لصالح التيار الوطني تيار مدرسة مصدق فجاءوا بالمُلا وعمامته ليكون مكان الشاه خليفة لسلطانه مستمراً على نهجه وتستمر نفس تلك الشوكة بخاصرة المنطقة كلها لكنها لا تزال إلى اليوم برداء وعباءة الدين، وتتعاظم بعد إسهامها في إسقاط العراق وتفتيته ونشر الفوضى فيه كي لا تقوم له قائمة ويتهاوى من بعده المشرق العربي حجراً بعد حجر ويسود الملالي المنطقة من حدود أفغانستان والقوقاز إلى بحر العرب، والبحرين الأحمر والمتوسط، وتتصل طهران ببغداد ودمشق وبيروت على أمل الوصول إلى عمان عاصمة الأردن، ومن أجل الغايات كانت أقبح الوسائل والسبل مشروعة ومن بينها هدم البلدان كـ (العراق بنشر الفتنة الطائفية والهيمنة الكاملة عليه وتغييب مفهوم الدولة فيه – سوريا بالهيمنة الكاملة عليها وجعلها وكرا للعصابات وتهريب الأسلحة والمخدرات – اليمن بالحروب والفتن وتغييب الدولة وتهديد الجزيرة العربية من خلال الموالين للملالي فيه – فلسطين بنشر الفتن والفرقة بين أبنائها وها هي غزة قد أصبحت ركاما وعلى وشك الزوال من الوجود – لبنان بتغليب سلطان وسلاح الميليشيا على الدولة – الأردن بالمخدرات وتهريب الأسلحة وتهديد الحدود والأمن الوطني والاجتماعي فيه).. ومن ضمن الوسائل القبيحة التي استخدمها ملالي إيران كانت فصائل مسلحة تابعة لحزب العمال الكردستاني التركي الذي يرفع السلاح في وجه الدولة التركية منطلقا من الأراضي الإيرانية والعراقية ومن قبل من الأراضي السورية، وتهيمن هذه الفصائل اليوم على مساحة كبيرة من سوريا بدعم أمريكي وغربي دون مراعاة الشراكة السياسية والاستراتيجية بين تركيا والغرب ولم يمس نظام الأسد ولا ميليشيات ملالي إيران هذه الفصائل بسوء حريصين على إبقائها كشوكة بخاصرة تركيا وأداة من أدوات إدارة الصراع، وكما استخدم الملالي تنظيم القاعدة في يوم من الأيام استخدموا داعش أيضاً للقضاء على الحراك الوطني في العراق وخاصة في المناطق السُنية بعد أن ترك لهم نوري المالكي رجل إيران مليارات الدولارات وتسليحاً وتجهيزات ومعدات تكتفي لتجهيز وتسليح دولة صغيرة، وكذلك الحال لضرب المناطق الثائرة في سوريا فكانتا تلكما الأداتين فاعلتين في إدارة الصراع وتحقيق الأهداف، وبالنهاية وكما انتهى تنظيم القاعدة الموالي لملالي إيران في تسعينيات القرن الميلادي الماضي بشمال العراق في حينها.. ينتهي سيناريو داعش بعد تحقيق الأهداف المرجوة ويتم تركيع المناطق السنية والعملية السياسية بالعراق، وتجميد الأوضاع في سوريا وتشريد شعبها وإطالة عمر نظام الأسد وتواجد الملالي في سوريا لقرابة الـ 13 سنة قاسية لم تُنهِك سوريا فحسب بل أنهكت المنطقة بأسرها.
في عالم اليوم وانحطاط قيمه وسفاهة ما يجري فيه قد تبدو عملية مراعاة القوانين والمعايير الدولية ضرباً من ضروب الحماقة عندما يقوم النظام العالمي على معايير انتقائية بعيدة عن منطق العدل والشفافية والاتزان.. وهو ذات المنطق الذي قام على إنهاك وتهديد وتفتيت مجتمعات ودول المنطقة ومساومة تركيا وابتزازها وتهديدها وتمكين نظام الملالي من المنطقة وتحجيم الحراك الوطني الثوري في سوريا لصالح الأسد ونظامه المهلهل إذ حمى النظام العالمي الأسد ونظامه من السقوط، وتوافق مع نظام الملالي وحكمه في إيران وتوجهه التوسعي وهيمنته على دول المنطقة بما يخدم مصالح الغرب وسلطة الاحتلال في فلسطين المحتلة.
ازدادت التهديدات الإقليمية لتركيا منذ سنة 2003 وتعاظمت هذه التهديدات بعد قيام الثورة السورية.. وتُدرك تركيا التي لم يسمح لها الأمريكان بلعب دورها الهام والاستراتيجي في العراق على الرغم من أهمية ذلك لصالح التوازنات داخل وخارج الدولة العراقية وقواها الوطنية، وقد كان تغييب تركيا عن العراق لصالح تمكين ملالي إيران من العراق والمنطقة، وكلما سعت تركيا للتواجد الفاعل في العراق جوبهت بعراقيل غربية وإيرانية كل ذلك كان بسبب عدم مشاركتها في احتلال العراق سنة 2003..
وفقاً لهذا الإدراك التركي وفهم ما يجري حول تركيا خاصة في هذه المرحلة الهامة من تاريخها كان على تركيا القيام بخطوات استباقية لتفويت الفرص على الغرب ومخططاته الإقليمية وحماية أمنها وسيادتها مستعيدة مكانتها التاريخية بالمنطقة.. ولتدحرج كافة قطع الدومينو وتقلب السحر على الساحر وتضع أعدائها أهدافاً في مرمى نيرانها وتُضعِف خيارات خصومها، ويسقط نظام الأسد بأيدي الثوار السوريين، وتُقطع أذرع نظام الملالي من سوريا ولبنان ويضمحل ويتراجع نفوذه ليكون ذلك بداية نهايته منتظراً مصيره الأسود على يد قوى الشعب الثائر ووحدات المقاومة الإيرانية في داخل إيران... فهل هناك من سيقف إلى جانب الشعب الإيراني كمن وقفوا إلى جانب الشعب السوري، وهل سنرى ونسمع جديداً في العراق يأتي على حقبة الكهنة والجريمة...
لقد أربكت الضربة التركية كل الحسابات في سوريا وقطعت أذرع ملالي إيران عن شرق المتوسط، وكانت الضربة موجعة لنظام ولاية الفقيه في إيران ما دفع بأحد صحف الملالي كصحيفة هم ميهن الرسمية الإيرانية على لسان الكاتب الإيراني "غلام علي دهقان" إلى الكتابة تحت عنوان (عودةٌ إلى التاريخ) موجهة رسائلها إلى تركيا بـلغةٍ قاصرةٍ أقرب إلى لغة الخصومة واصفة الموقف التركي بالنهج العثماني التاريخي والسعي التركي إلى إعادة التاريخ من جديد.. وفي مقاله يتناسى الكاتب ما فعله نظامه بدول وشعوب المنطقة وبتركيا ذاتها، وما ذلك بجديد على ملالي إيران فحلالهم وحرامهم يختلفان عن حلال وحرام باقي المسلمين، والحديث حول ذلك كثير.. ويطول.
د. محمد الموسوي