خير الله خير الله يكتب:

2024: عام النجاحات المغربية على مختلف الأصعدة

كانت السنة 2024 سنة نجاحات مغربيّة بامتياز. كانت هناك نجاحات على كلّ صعيد داخليا وخارجيا. لكن الأكيد أنّ أكبر النجاحات هو ذلك الذي تحقّق في مجال طي ملفّ الحرب التي يتعرّض لها المغرب منذ استعادته أقاليمه الصحراوية بطريقة سلميّة في تشرين الثاني – نوفمبر 1975. شهدت السنة 2024 خطوات مهمّة على طريق تكريس مغربية الصحراء في ضوء فشل محاولات الاعتداء على حقوق المغرب في ما يخص وحدة ترابه الوطني.

كان لافتا تركيز الملك محمّد السادس في خطابه السنوي لدى افتتاح دورة جديدة للبرلمان المغربي في تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي على موضوع واحد هو الصحراء المغربيّة التي ينظر المغرب إلى كلّ التطورات في المنطقة والعالم من خلالها.

لكنّ اللافت أيضا أن العاهل المغربي لم يكتف بتعداد النجاحات التي حقّقها المغرب منذ استعادته سيادته على أقاليمه الصحراويّة في تشرين الثاني – نوفمبر 1975. حرص في الوقت ذاته على الإشارة إلى ضرورة “اليقظة” لمواجهة ما يتعرّض له المغرب بسبب استعادة وحدته الترابيّة بطريقة سلميّة وحضاريّة من جهة وحرصه على المصالح الأفريقيّة وتعزيز عمقه الأفريقي من جهة أخرى.

ليس سهلا أن يحقّق بلد ما حقّقه المغرب في عهد محمّد السادس الذي لم يكتف بجعل بلده في مصاف الدول المتطورة على الضفّة الأخرى من البحر المتوسط

كان الحديث في الخطاب الملكي عن نجاحات أكيدة تثبتها الوقائع وعن ضرورة مواجهة التحديات المستقبلية. قال محمّد السادس في هذا المجال “إن المرحلة المقبلة تتطلب من الجميع، المزيد من التعبئة واليقظة، لمواصلة تعزيز موقف بلادنا، والتعريف بعدالة قضيتنا، والتصدي لمناورات الخصوم. وفي هذا الإطار، يجب شرح أسس الموقف المغربي، للدول القليلة، التي ما زالت تسير ضد منطق الحق والتاريخ، والعمل على إقناعها، بالحجج والأدلة القانونية والسياسية والتاريخية والروحية، التي تؤكد شرعية مغربية الصحراء. وهو ما يقتضي تضافر جهود كل المؤسسات والهيئات الوطنية، الرسمية والحزبية والمدنية، وتعزيز التنسيق بينها، بما يضفي النجاعة اللازمة على أدائها وتحركاتها. ولا يخفى عليكم، معشر البرلمانيين، الدور الفاعل للدبلوماسية الحزبية والبرلمانية، في كسب المزيد من الاعتراف بمغربية الصحراء، وتوسيع الدعم لمبادرة الحكم الذاتي، كحل وحيد لهذا النزاع الإقليمي. لذا، ندعو إلى المزيد من التنسيق بين مجلسي البرلمان بهذا الخصوص، ووضع هياكل داخلية ملائمة، بموارد بشرية مؤهلة، مع اعتماد معايير الكفاءة والاختصاص، في اختيار الوفود، سواء في اللقاءات الثنائية، أو في المحافل الدوليّة.”

لا شكّ أن الزيارة التي قام بها الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الرباط جاءت لتكريس قطيعة فرنسيّة، بل أوروبيّة، مع الماضي. لم يعد من مجال لأي تردّد من أي نوع في ما يخصّ مغربيّة الصحراء.

أعطى تركيز الملك محمّد السادس على أولويات المغرب فكرة عن مدى جدّية الرجل الذي صنع النهضة الحديثة للمملكة عن طريق وضع الإنسان المغربي في مقدّم اهتماماته وهمومه. أعطى فكرة أيضا عن أهمّية مغربيّة الصحراء. هذه الصحراء ما كانت لتعود إلى المغرب لولا الإنسان المغربي الذي شارك بحماسة ليس بعدها حماسة في “المسيرة الخضراء” في تشرين الثاني – نوفمبر من العام 1975.

من حق الملك محمّد السادس تذكير مواطنيه بالإنجازات التي تحققت بفضل روح التضامن التي تحلوا بها منذ تحقيق “المسيرة الخضراء” أهدافها. لذلك قال في افتتاح دورة مجلس النواب “لقد قلت، منذ اعتلائي العرش، أننا سنمرّ في قضية وحدتنا الترابية، من مرحلة التدبير، إلى مرحلة التغيير، داخليا وخارجيا، وفي كل أبعاد هذا الملف. ودعوت كذلك للانتقال من مقاربة رد الفعل، إلى أخذ المبادرة، والتحلي بالحزم والاستباقية. وعلى هذا الأساس، عملنا لسنوات، بكل عزم وتأنّ، وبرؤية واضحة، واستعملنا كل الوسائل والإمكانات المتاحة، للتعريف بعدالة موقف بلادنا، وبحقوقنا التاريخية والمشروعة في صحرائنا، وذلك رغم سياق دولي صعب ومعقد.”

تركيز الملك محمد السادس على أولويات المغرب أعطى فكرة عن مدى جدية الرجل الذي صنع النهضة الحديثة للمملكة عن طريق وضع الإنسان المغربي في مقدم اهتماماته وهمومه

أشاد محمّد السادس بالموقف الفرنسي الذي كان وراءه الرئيس إيمانويل ماكرون الذي جاء إلى المغرب كي يقول ببساطة إنّ لا خيار آخر غير خيار محمّد السادس. أشار العاهل المغربي أيضا إلي الموقف الإسباني المتطور من قضيّة الصحراء، خصوصا أن إسبانيا كانت القوة المستعمرة للصحراء قبل العام 1975، وهي تدرك الأبعاد التاريخيّة لقضيّة مفتعلة يقف خلفها النظام في الجزائر. كذلك، تطرق إلى الموقف الأميركي الذي اعترف بمغربيّة الصحراء وهو موقف اتخذته إدارة دونالد ترامب وتمسّكت به إدارة جو بايدن. يعني ذلك أن مغربيّة الصحراء موقف أميركي ثابت ودائم لا علاقة له بالحزب الذي ينتمي إليه المقيم في البيت الأبيض.

الأهم من ذلك كلّه، ما صار يمثله المغرب على الصعيدين الإقليمي والدولي. لعلّ أفضل ما يلخصّ ذلك قول محمّد السادس “يطيب لنا أن نعبر لكل هؤلاء الأصدقاء والشركاء، عن بالغ تقديرنا لمواقفهم المناصرة لقضية المغرب الأولى. كما نشكر أيضا، كل الدول التي تتعامل اقتصاديا واستثماريا، مع الأقاليم الجنوبية للمملكة، كجزء لا يتجزأ من التراب الوطني. وهي بذلك تواكب مسار التنمية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تشهدها الصحراء المغربية، وتعزز موقعها كمحور للتواصل والتبادل بين المغرب وعمقه الأفريقي. كما تضعها في صلب المبادرات القارية الإستراتيجية، التي أطلقناها، كمشروع أنبوب الغاز المغرب – نيجيريا، ومبادرة الدول الأفريقية الأطلسية، إضافة إلى مبادرة تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي.”

لا ينام المغرب على أمجاده. من يزور المغرب يدرك حجم التطور الذي شهدته المملكة، وهو تطور شمل كلّ مدينة فيها. كذلك يدرك أسباب الحسد من المغرب والحقد عليه. لا شيء ينجح مثل النجاح. لكن النجاح، بالنسبة إلى محمّد السادس، يعني في الوقت ذاته “اليقظة”. ليس سهلا أن يحقّق بلد ما حقّقه المغرب في عهد محمّد السادس الذي لم يكتف بجعل بلده في مصاف الدول المتطورة على الضفّة الأخرى من البحر المتوسط. سمح ذلك بأن تكون كأس العالم لكرة القدم في السنة 2030 بين المغرب وإسبانيا والبرتغال. هذا دليل على ثقة عالميّة ليس بعدها ثقة. هذا دليل على نجاحات حاضرة على أرض الواقع أكثر من أي وقت.