د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):

الموقف العالمي من النظام الإيراني؛ هل يبقى أسيراً بين الحل المناورة؟

السياسة الجديدة المطلوبة مع النظام الإيراني في ظل الواقع الجديد في سوريا والمتغيرات الإقليمية والدولية..

لقد كان المجتمع الدولي بدعمه لنظام الملالي في جانب وتستره على جرائمه الإبادية داخل إيران وخارجها، وانتهاكاته لحقوق الإنسان، وتدخلاته الإقليمية التوسعية وخرقه للقوانين والأعراف الدولية؛ كان جزءا لا بل الجزء الأساس في كوارث المنطقة وتمادي ملالي إيران في غيهم وعدوانهم بالمنطقة، وسبباً في استمرار نظام الأسد في حكم سوريا قرابة الـ 54 سنة طحنت الشعب السوري طحناً وقتلت شعبه وشردت الملايين من أبنائه، ورغم تواجد قوى عسكرية غربية داخل سوريا بما في ذلك قوات للولايات المتحدة الأمريكية لم يتحركوا على نحو جاد لإسقاط نظام الأسد سواء من خلالهم بشكل مباشر أو من خلال دعم القوى الوطنية السورية، وبالإضافة إلى إهدائه العراق على طبق من ذهب لنظام ولاية الفقيه بقي الغرب على نفس موقفه من النظامين الاستبداديين في إيران وسوريا متفرجاً على محنة الإيرانيين والسوريين والعراقيين واللبنانيين واليمنيين والغزاويين حتى سقط الغرب نفسه وتعرت شعاراته عن حقيقتها وأصبحوا جزءا وعاملا مسبباً لتلك الجرائم والكوارث.. وبدا للقاصي والداني كم هي غير منصفة وغير عادلة مؤسسات الغرب عندما يتعلق الأمر بكوارث في إيران أو العراق أو سوريا أو غزة، ولولا ما تلقاه ويلقاه نظام الملالي من دعم كبير من قِبل تيار المهادنة والاسترضاء العالمي ما كان ليستمر هذا النظام على سدة الحكم في إيران ويقوم بمجازر الإبادة الجماعية التي قامها بها بحق مدنيين أبرياء لأسباب سياسية، ولم يتغاضى الغرب المهادن مع نظام ولاية الفقيه في إيران فيما بجرائم الإبادة الجماعية فحسب بل تغاضى أيضا عن قمع الأقليات العرقية والدينية والمذهبية ونشر الفكر المتطرف الذي امتد من إيران إلى خارجها ووصل إلى أوروبا المهادنة، وكان زرع خلايا متطرفة ونقل أسلحة ومتفجرات نوعية داخل أوروبا من خلال سفارات النظام أمراً مثبتاً، وقد أدان القضاء البلجيكي دبلوماسي تابع لنظام الملالي بنقل أسلحة ومتفجرات وأموال والقيام بتنفيذ عملية إرهابية ضد المقاومة الإيرانية في مؤتمرٍ حاشدٍ لها في باريس، ورغم إدانة هذا الدبلوماسي والحكم عليه بـ 20 سنة سجن إلا أن الغرب المهادن مع النظام الإيراني قام بصفقات مشبوهة مع هذا النظام لمبادلة إرهابيين مجرمين برهائن أبرياء، ولم تُك هذه أول الصفقات ولا آخرها ولن تكون لطالما بقي نظام الملالي متسلطا على إيران، ومروضاً للمنطقة باتجاه خدمة مصالح الغرب مقابل دعم بقائه في الحكم.

واليوم بعد أن سقط نظام الأسد في سوريا وأصبح الأمر في سوريا واقعاً يفرض نفسه على الجميع.. واقعا يغيب قوى ويستحضر أخرى والغلبة فيه للإنسان المواطن الذي استعاد بلاده ركاماً لكنه سعيداً باستعادتها ومستعداً لإعادة إعمارها من الصفر فكرا وعمراناً.. وهنا نتساءل هل سيبقى الموقف العالمي من النظام الإيراني أسيراً بين الحل المناورة؟ أليس من الأفضل أن يُقدِم هذا المجتمع الدولي على إصلاح ما أفسده طوال القرون المنصرمة قبل فقدانه أخر نقاط تواجده بالمنطقة بما لا يستطيع استعادته؟ هذا السؤال أجابت عليه المقاومة الإيرانية مراراً وتكراراً خاصة في مؤتمراتها الأخيرة بعد سقوط نظام الأسد في سوريا وقطع أذرع الملالي من لبنان وسوريا وانتخاب أول رئيس لـ لبنان بشكل حر دون تدخل سوريا، ودون تدخل قوي للملالي كما كان في السابق.. وما قالته المقاومة الإيرانية وما وجهته من رسائل يدركها الغرب ويفهم مضمون محتواها وهو أن واقع الحال اليوم ليس كما كان بالأمس ولم تعد أدواتكم صالحة للقيام بواجباتها وأفضل الحلول هي الوقوف إلى جانب الشعب الإيراني والاعتراف بمحنته والاعتراف بحق وحدات المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق بالحق المشروع في مواجهة كافة قوى الملالي القمعية وبشتى الأساليب والقدرات وصولا إلى إسقاط النظام وتحرير إيران والمنطقة منه ومن ميليشياته وآثاره.. هذا هو الحل الوحيد ضرب الحديد بالحديد والرد بالنار على النار.. 

في عالم السياسة لكل مساره ورؤيته وطريقة تفكيره، وقد لا يتفق البعض مع وجهة نظرنا لكننا في الشرق الأوسط ندرك أكثر من الجميع حجم مآسينا ومسبباتها ونُقِر بأننا جزءا من هذه المآسي بصمتنا وتراخينا مع إدراكنا لما يحيط بنا ويدور حولنا من مؤامرات ومكائد، وترتكز وجهة نظرنا هذه على تاريخ من الحقائق والمحن والمواجهات العدوانية من قِبل نظام الملالي التوسعي الحاكم منذ قيامه في إيران؛ راح ضحيتها ملايين القتلى والضحايا والمشردين والمعوقين بالإضافة حالة الهدم الاجتماعي التي أصابت شعوب المنطقة في إيران والعراق ولبنان وسوريا واليمن ودمار غزة وتشريد أهلها، وزعزعة أمن واستقرار المنطقة.

واليوم يجب أن يتماشى الواقع السياسي الجديد الواجب اتباعه مع نظام الولي الفقيه الحاكم في إيران مع الواقع القائم والمطلوب الذي هو مطالب الدول والشعوب بالمنطقة.. دول وشعوب المنطقة الذين طُحِنوا على يد نظام ولاية الفقيه بمباركة غربية يوم أتت فرنسا بخميني على طائرتها إلى مطار طهران وفرضه الغرب سلطاناً على إيران والمنطقة.. وكذلك يوم أن سلموا له العراق كهدية، وتغاضوا عن دوره في سوريا كي يجعلها مساحة لإدارة الصراع... 

انتهى ذلك العصر واليوم يوم التغيير في إيران شاء من شاء وأبى من أبى.. غيروا من سياساتكم وكونوا إلى جانب الشعوب وأصلحوا سوء السمعة الذي يعصف بكم وبمؤسساتكم.. وأملنا أن يستمع الغرب مدركاً ما تضمنته الرسائل التي أرسلتها المقاومة الإيرانية في مؤتمريها بحضور بومبيو وزير الخارجية الأمريكي السابق وقادة وشخصيات عالمية حرة أقرت بحق الشعب الإيراني ووحدات المقاومة في التصدي لقوات الملالي القمعية.. فهل سنصبح قريباً على صيحات النصر والحرية في إيران كما حدث في سورياً..، ربما يراجع الغرب نفسه ويصحو ويُصلح من سياساته، ونصحو أيضاً برؤية جديدة رشيدة تُصلِح واقعنا المتهرئ وتصون هويتنا وتحفظ كرامتنا المهدورة.. ونبقى في ضعفنا هذا على أمل أن نكون.. وما ذلك على الله ببعيد، ولكن لا يُغير الله ما بقومٍ حتى يُغيروا من أنفسهم إن الله قويٌ عزيز.. وما النصر إلا صبر ساعة.

د. محمد الموسوي/ كاتب عراقي