د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):

ما التالي بعد الإبادة في غزة، وما من نصر في إبادة القطاع وتشريد أهله

هل يَعتبرون احتفالات بسطاء المواطنين الفلسطينيين احتفالاً بالنصر أم احتفالاً بانكشاف وزوال جزءاً من المؤامرة المُحاكة ضد الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع.. أو احتفالا باحتمالية ظهور أملٍ يُعيد الحياة ولو على نحو جزئي إلى أولئك الذين ظُلِموا وشُرِدوا من ديارهم وأُبِيحت دمائهم وكرامتهم.. احتفالا بانتهاء محنة وآلام أطفالهم ونسائهم أمام أعينهم؛ الاحتفال هو احتفال البسطاء الذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فسادا، ولا علاقة لهم بأي مخططات جرت وتجري خارج فلسطين وداخلها.

من المتفاوض اليوم حماس؟ أم من خطط لـ طوفان الأقصى وحدد مسارها هو من يُملي ويتفاوض اليوم بعد أن قتل القيادة ووضعها في مرمى نيران العدو...

مَن المستفيد مِن تسليم غزة لحماس وتقويض السلطة الفلسطينية، والقضاء على منظمة التحرير وحركة فتح، ومَن المستفيد من هدم الشرعية الفلسطينية والتفاوض على أطلال غزة بعد توفير أسباب إبادتها وتشريد أهلها لصالح من أبادها، ومن ثم أعلنوا الانتصار...

لمن الزرع ولمن الحصاد؟ على الجانب الآخر هل يتقبل المُحتل الذي أباد غزة وشرد شعبها إشاعة النصر هذه التي يروج لها نظام الملالي الحاكم في إيران.. خاصة عندما يقول اليمين الصهيوني المتطرف (لن نقبل بصفقة تبدد إنجازات الحرب، والصفقة الوحيدة المقبولة هي استسلام من بقي من حماس، وتحرير المختطفين)، وربطهم إنهاء الحرب باستسلام حماس وإلقاء السلاح وإعادة الأسرى.. فهل استسلم مدعي النصر فتفاوض بعد دمار غزة وتشريد أهلها بتوجيه ما؟ وهل سيعود المدعين بالنصر إلى ما كانوا عليه بعد اتفاقية أوسلو متوافقين مع المحتل معادين لبني جلدتهم وبناء مستقبل ينتهي بقيام دولة فلسطينية؟ أم أنهم سيعتبرون منظمة التحرير ومشروعها مشروعاً معادياً للشعب الفلسطيني؟ التخطيط والأدوات والزرع والحصاد يصب جميعه في مصلحة طرفين بالمنطقة ألا وهما الصهيوني التوسعي ونظام الملالي التوسعي وما الأطراف الفلسطينية إلا أدوات وعوامل مساعدة تخدم في هذا المسار.

هل ستعود إدارة غزة للسلطة الفلسطينية أم أنها ستبقى بيد صانع المسببات المعادي لأوسلو واتفاقيتها وما يترتب عليها؟ خاصة بعد الإشارة من قبل المُحتل إلى إمكانية تشكيل إدارة مدنية فلسطينية في غزة تكون بقيادة موالية لإسرائيل التي ترفض تسليم غزة للسلطة الفلسطينية بعد أن نجحت في هدم مشروع أوسلو على يد الملالي ومحورهم الذي أسسوه لغاية وهدموه للغاية نفسها، وتبقى الإدارة المدنية الفلسطينية التي سيكون من أصعب مسؤولياتها إعادة إعمار غزة مجرد أداة إدارية منزوعة الإرادة تحبو كالسلحفاة في مستنقع إعادة الإعمار.. الإعمار الذي ستتكفل بتنفيذه شركات الممولين الذين سيعتمدون خرائط أمنية وعسكرية إلى جانب الخرائط المدنية الأخرى في عملية الإعمار لتبقى غزة مستعمرة أسيرة خاضعة راكعة.. والفضل للمدعين الخاضعين الذين يحتفلون بنصر كاذب في حين أنهم صنعوا نصراً فعلياً للمُحتل.

التالي بعد غزة هو تفتيت الضفة الغربية وما عليها سياسياً واجتماعياً لينتهي الأمر ويُفضي إلى ما أراده اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي ساعده أفاعي السوء ملالي طهران على تحقيق ما لم يكونوا يحلموا به قبل طوفان الأقصى أي (عاصفة الأقصى) فكلمة طوفان كلمة فارسية تعني عاصفة باللغة العربية والأقصى هو الأقصى الذي يفتك به الجميع من كل جانب سواء كان المُدعي أو العدو، وأكبر نصر العدو هو أن غزة الغد لن تكون غزة الأمس.

اليمين المتطرف في سلطات الاحتلال اليوم لا يعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية كسلطة شرعية بخطاب يمتلك المبررات التي هي نتاج صنائعه ونتاج مشروع وخطاب الخديعة الذي تبناه نظام الولي الفقيه الحاكم في إيران وهدم به فلسطين والمنطقة، ويستعرض هذا اليمين في خطابه أنه ليس بالإمكان الاستمرار في أوسلو ومشروع حل الدولتين في ظل شرعية فلسطينية متطرفة ويقصد بها حماس ومن معها.. حماس التي تنكر كل شيء على منظمة التحرير وحركة فتح وتسير بمسارٍ مقوضٍ للحقوق الفلسطينية.. فهكذا تقول النتائج بعيداً عن الشعارات غير المنطقية؛ وصحيح أن واقع الحال لدى منظمة التحرير وحركة فتح اليوم ليس بالمثالي بل ومتردي أيضاً لكنهما في كل الأحوال ممثلين وطنيين شرعيين لكافة الفلسطينيين، وما أصابهما من ضررٍ وتردٍ نتاجٍ لمؤامرة أطرافها ملالي إيران والصهاينة وحماس، ونتاج مساعي هؤلاء الأطراف ينتهي في نهاية المطاف في حال استمراره بنهاية منظمة التحرير وحركة فتح ولن ينتهي بدولة فلسطينية تقودها حركة حماس ومحورها إذ لن يعترف بها الصهاينة في نهاية إلا كمنظومة إرهابية متطرفة ليقولوا أنهم مهددون من قبل قوى فلسطينية متطرفة تمثل الأغلبية الفلسطينية وبالتالي لا خيار أمام الفلسطينيين سوى العيش في كنف سلطة الاحتلال الصهيوني.

 كان باعة الكذب والشعارات ملالي إيران ينادون بالأمس بأنه لا تفاوض ولا استسلام.. والمتفاوض اليوم أو من يقف وراء التفاوض بشأن غزة هم ملالي إيران أنفسهم، واليوم يجب أن يتحمل الملالي وأدواتهم مسؤولية ما وقع على غزة المنكوبة وأهلها، ويجب أن نُقر بأننا كنا جزءا من صناعة كوارثنا بشكلٍ أو بآخر، والعمل على إسقاط نظام ولاية الفقيه في إيران سيكون جزءا هاما من مشروع صناعة النصر الحقيقي في إيران وفلسطين والمنطقة.

د. محمد الموسوي/ كاتب عراقي