مصطفى عبدالقادر يكتب لـ(اليوم الثامن):

سوريا الجديدة لكل السوريين؛ ولا مكان فيها للفتن وباعة الكذب

إن المتتبع لمسيرة الدكتاتورية الحاكمة في إيران بما تحمل من خبث وشيطنة وحقد دفين، يعثر على كم هائل من الذرائع الواهية غير المقنعة التي يتم الاتكاء عليها للتدخل في الشؤون الإقليمية العربية، وبث روح الانقسام، والضعف، والتناحر في هذه الدولة أو تلك، وما ذلك إلا تسخيرا لخدمة مصالح عمائم السلطة التي يختفي تحت كل منها أكثر من شيطان وشيطان، فمنذ استلام جماعة( الخميني) مقاليد الحكم وهم يسعون للتمدد والسيطرة على مقدرات جيرانهم العرب، ولم يدخروا جهدا في التخطيط والتنسيق مع أذرعهم المزروعة هنا وهناك، والعمل على غسل أدمغة شعوب المنطقة عقديا، والتأثير عليها روحيا ونفسيا، وتوظيف ذلك للوصول إلى تحقيق مطامعهم العدائية الشريرة الموصوفة بـ ( الميكيافيلية) المقيتة، فالقيادة السلطوية في طهران تختبئ خلف شعارات كاذبة ليس لها أية مصداقية على أرض الواقع، أطلقوها عبر إعلامهم المسوق، ورددها أذنابهم كغطاء وتمهيد لتغلغلهم ،ونفث سمومهم، وتحقيق مآربهم العدوانية الراسخة في عقولهم المتكلسة، المشبعة بالأضغان التاريخية، حيث باتوا يستحضرون كل ما عفا عنه الزمن، وأكل الدهر عليه وشرب، في سياساتهم الموتورة التي لا تخفى على عاقل حصيف.

  اليوم قطعت حكومة سوريا الجديدة الطريق على ملالي إيران وشعاراتهم واستبقت مؤامراتهم عندما تعهدت بحماية الأماكن الدينية في سوريا ولم تُبقي لهم ذريعة بهذا الشأن يبررون بها جرائمهم في سوريا ويتدخلون من خلالها في الشأن السوري الداخلي لإعلان الوصاية على سورية أو فئة معينة من السوريين، هكذا هو حال سوريا الجديدة سوريا ذات سيادة لكل السوريين ولا مكان فيها لملالي إيران أو غيرهم ممن يعادون سورية وشعبها، ومع ذلك لا يؤتمن جانب الملالي ونزعتهم العدوانية ولن تتوقف مؤامراتهم في سوريا والعالم العربي عند أي حد.

  وفقاً لما ينتهجه نظام الملالي فإن تكرار رفع الشعارات الدينية عن (مقتل الحسين رضي الله عنه، وزينب لن تسبى مرتين) أمرٌ اعتدنا عليه وقد يستمر طويلا، وكذلك الادعاء بأن المراقد المقدسة في سوريا معرضة لخطر الاعتداء والإزالة ويجب حمايتها شعارات وما إلى ذلك من أباطيل وأوهام لن تتوقف عند نظامٍ قائم على الشعارات ولم تعد تجدي نفعاً، فالقيادة في سوريا الجديدة قامت بقطع الطريق على ادعاءات الملالي المزيفة، حيث تعدت علنا بالحفاظ على جميع المراقد وصونها، ولا يستطيع أحد أن يمسها بسوء، والدليل استمرار زوار هذه الأماكن بالذهاب إليها، وممارسة شعائرهم الدينية بكل تؤدة ورحابة صدر من القائمين عليها، فتلك الفود الآتية من الدول العربية وغيرها لم تنقطع عن زياراتها لتلك المراقد، وهي من شهد بحسن المعاملة التي يلقونها، والاهتمام بنظافة تلك الأماكن وما تحتاجه من خدمات لصالح زوارها، لكن هذا الأمر لم يرق لساسة إيران لأنه يسد عليها ذريعتها، ولا يتوافق مع ما تخطط من أهداف خبيثة تسعى لتحقيقها لاسيما بعد دحرها، وخروجها المذل من سوريا على يد هيئة تحرير الشام ، ومع ذلك تحاول العودة ورد الاعتبار من خلال النوافذ العالية محكمة الإغلاق، العصية على المنال عبر تحريض ذيولها في الداخل السوري، والعمل على إثارة الفتن والقلاقل، والادعاء بأن عناصر هيئة تحرير الشام اتبعوا أسلوب الانتقام والتنكيل بالأقليات التي طالبت عبر بعض الوقفات الاحتجاجية بإصدار عفو عام شامل تتساوى فيه الضحية بالجلاد؟!. ورغم ما أبدته القيادة السورية الحالية من تساهل وتسامح، وعدم التعرض إلا لمن ساهم بإراقة الدماء السورية، تصر العقلية المتعفنة لملالي إيران على تحين الفرص، والتربص للتسلل ثانية إلى سوريا بأية طريقة كانت، لكن هيهات أن (يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين).

   يعلم كل ذي بصيرة ورشد في عالمنا العربي أنه إن أردنا الأمن والأمان والاستقرار في المنطقة فإنه لا خيار أمامنا سوى الوقوف إلى جانب الشعب الإيراني والاعتراف بحقه المشروع في الدفاع عن نفسه وشرعية كفاحه المسلح ودعم مقاومته الوطنية ووحدات المقاومة التي أذلت نظام ولاية الفقيه ورموزه، وكما نجحت المقاومة المسلحة في سوريا في إحقاق التغيير على الأرض لدى المقاومة الإيرانية الخبرة والقدرة والتنظيم الكافي لإزالة الملالي من الوجود، وهنا على العالم أن يتقدم إلى جانب الشعب الإيراني بخطوة إلى الأمام من خلال الاعتراف بحقه المشروع في المقاومة بشتى الطرق الممكنة واللازمة لإسقاط نظام الملالي وإقامة جمهورية ديمقراطية غير نووية وفق برنامج المواد العشر الذي تتبناه السيدة مريم رجوي زعيمة المقاومة الإيرانية.

  يبدو أن حكام إيران لم يتعظوا، ولم يعتبروا على الرغم من إدراكهم بأن الأمور لم تعد كما كانت بالأمس القريب، ناهيك عن الأخطار التي تحيق بهم داخليا وعالميا، ففي الداخل يستحيل أن يستكين الشعب الإيراني بعد انتفاضته الكبرى ضد القمع الذي مورس بحقه ومازال منذ عقود من الزمن، وعالميا تبدو الأخطار أكبر وأوسع بسبب السياسات المتعنتة المتخذة ضد (مصالح الغرب بحرا وبرا وجوا )عن طريق وكلائها في المنطقة، وأيضا إصرارها على امتلاك السلاح النووي بعيدا عن الرؤية السياسية الصائبة ضمن توازنات عالمية لا تسمح لإيران بتهديد مصالحها وأمنها القومي مهما كلف الثمن. لقد ضاقت خيارات حكام إيران في محيطهم العربي، وبدأت بالتراجع والانكماش، ففي لبنان يكاد حزب الله (الذراع الأقوى لإيران في لبنان) أن يلفظ أنفاسه بعد هجمات إسرائيلية متتالية أحرقت الأخضر واليابس، وغيبت خيرة قيادات الصف الأول المعول عليهم. 

   نعم نعلم أن ملالي إيران يمتلكون خيارات وأوراق كثيرة في سوريا لطالما أموالهم ونواياهم الفاسدة قائمة حاضرة؛ ولطالما هناك قوى من المارقين على السيادة الوطنية والقانون وخلايا نائمة ممن لديهم الاستعداد لإن يكونوا بنادق للإيجار بيد الملالي، ونعلم أنهم لن يرتدعوا إلا بسحق رؤوسهم، وسيتم سحق كل باغٍ ومعتد مستبيح لأراضي وسيادة الدولة السورية، وها هم أحرار سوريا يزرعون الرعب في قلوب حكام إيران وأتباعهم بعد انتصارهم المشرف المفاجئ الذي أبهر العالم، وجعل (خامنئي) وأذنابه في حالة ذهول صادمة لم يستفيقوا إلى الآن منها مهما لطموا وتلاطموا.

  يُقر أحرار سوريا والعالم العربي والعالم بحقوق الشعب الإيراني المشروعة في إقامة جمهورية ديمقراطية تمثل الجميع وتلبي طموحاتهم وتلتزم بالمعايير الإنسانية والأعراف الدولية، وننتظر جميعا اليوم الذي سنرى فيه إيران ديمقراطية وحرة مستقرة بدون ملالي ولا شعوذة ولا شعارات باطلة.

د. مصطفى عبدالقادر/ أستاذ جامعي سوري - ألمانيا