د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):
إيران بين البلاط الأبيض.. هل تُمهِد المعارض في باريس لمرحلة ما بعد النظام؟
في خطوةٍ جريئةٍ تعكس استمرارية النضال من أجل الحرية والعدالة، شهدت باريس تجمعًا حاشدًا ضمّ آلاف الإيرانيين والمتعاطفين مع قضيتهم، حيث اجتمعوا لنقل رسالةٍ واضحةٍ إلى العالم: إنهم عازمون على إسقاط نظام الملالي في إيران. هذا التجمع، الذي يُعتبر أحد أكبر الفعاليات المناهضة للنظام الإيراني خارج البلاد، جاء ليعكس الإصرار المتجدد على تحقيق التغيير وإنهاء عقودٍ من القمع والفساد.
شهد التجمع حضور شخصيات سياسية بارزة من مختلف الدول، بينهم نواب وبرلمانيون، ومسؤولون سابقون، وخبراء في الشأن الإيراني، الذين أكدوا دعمهم لمطالب الشعب الإيراني في إسقاط النظام القائم وإقامة نظام ديمقراطي قائم على فصل الدين عن الدولة. ومن بين أبرز المتحدثين في الحدث، مريم رجوي، رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، التي أكدت على ضرورة استمرار الضغط الدولي على طهران ودعم الانتفاضات الشعبية المتصاعدة في البلاد.
رفع المشاركون في التجمع شعارات مناهضة للنظام الإيراني، وأكدوا على جرائمه المستمرة ضد الشعب، بما في ذلك القمع الوحشي للمتظاهرين، والاعتقالات التعسفية، والإعدامات المتزايدة. كما شددوا على ضرورة إدراج قوات حرس نظام الملالي في قوائم الإرهاب الدولية، باعتبار هذه القوات الأداة الرئيسية للقمع الداخلي والتدخلات الخارجية.
لم يكن التجمع في باريس مجرد فعالية رمزية، بل كان رسالة قوية موجهة إلى المجتمع الدولي، تؤكد أن الشعب الإيراني لن يتراجع عن نضاله من أجل الحرية، وأن هناك حركة معارضة منظمة وقوية قادرة على قيادة المرحلة الانتقالية بعد سقوط النظام. وقد دعا المشاركون الحكومات الغربية إلى اتخاذ مواقف أكثر حزمًا تجاه النظام الإيراني، بما في ذلك فرض المزيد من العقوبات ودعم المعارضة الديمقراطية.
يأتي هذا الحدث في وقت تتصاعد فيه التوترات داخل إيران، حيث تستمر الاحتجاجات الشعبية في العديد من المدن، رغم القمع العنيف الذي تمارسه السلطات. وبالتزامن مع ذلك تتزايد عزلة النظام دوليًا بسبب سياساته القمعية ودعمه للإرهاب، ويعكس هذا التجمع إصرار المقاومة الإيرانية على تحقيق التغيير الجذري في إيران، ويؤكد أن نضال الشعب الإيراني من أجل الحرية والديمقراطية يحظى بدعم واسع النطاق من المجتمع الدولي، وأن سقوط نظام الملالي لم يعد مجرد حلم بل هدفًا قابلاً للتحقيق في ظل استمرار الضغط الشعبي والدولي المتزايد.
خلفية التجمع
تأتي خلفية التجمع امتداد للرفض الشعبي للدكتاتورية التي أسقطها الشعب عام 1979 من خلال ثورته الوطنية وتواصل الشعب الإيراني من أجل استعادة ثورته المسلوبة من قبل نظام الملالي الذي يحكم إيران منذ سرقة الثورة سنة 1979 وتأكيدا لرفضه كافة أشكال الدكتاتورية سواء كانت الشاهنشاهية أو دكتاتورية شاه بعمامة، وقد واجه الملالي ونظامهم على مدار العقود الماضية رفضاً قاطعا من قبل كافة فئات وطبقات الشعب بسبب عدم شرعية النظام وسياسته القمعية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وانتهاكات حقوق الإنسان، وقد كانت الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت في مختلف المدن الإيرانية، والتي قُمعت بعنفٍ من قبل القوات القمعية دليلًا واضحًا على أن الشعب الإيراني لم يعد يحتمّل بقاء هذا النظام.
تفاصيل التجمع
تجمّع في قلب باريس الآلاف من الإيرانيين المقيمين في أوروبا، بالإضافة إلى نشطاء حقوقيين وسياسيين، لإحياء هذا التجمع الكبير. حمل المشاركون الأعلام الإيرانية القديمة (ما قبل الثورة) ولافتاتٍ كتب عليها شعاراتٌ تدعو إلى الحرية والديمقراطية وإسقاط النظام الحالي. كما رُفعت صورٌ لشهداء الحرية الإيرانيين الذين سقطوا في الاحتجاجات الأخيرة ضد النظام، وقد تخلّلت الفعالية خطاباتٌ حماسيةٌ من قادة المقاومة الإيرانية، الذين أكّدوا على ضرورة توحيد الصفوف لتحقيق التغيير المنشود، ورددت الجموع كما هتافات تطالب بحقوق الإنسان وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإنهاء القمع.
رسائل التجمع
كان الهدف الرئيسي للتجمع هو إيصال رسالة واضحة إلى العالم مفادها أن الشعب الإيراني عازمٌ على إسقاط نظام الملالي. ومطالبة المتظاهرين بتحقيق الحرية والديمقراطية في إيران، وإقامة نظامٍ يحترم حقوق الإنسان. والتأكيد على ضرورة دعم المجتمع الدولي للشعب الإيراني في نضاله ضد النظام القمعي والاعتراف بحقه الشرعي في مواجهة قوات النظام القمعية دفاعا عن نفسه ونيلا لحريته.
أهمية التجمع
يُعتبر هذا التجمع حدثًا تاريخيًا يعكس الإصرار المتجدد للشعب الإيراني على تحقيق التغيير. كما أنه يُظهر أن صوت الحرية لا يمكن إسكاته، وأن الإيرانيين في الداخل والخارج سيواصلون النضال حتى تحقيق أهدافهم في الحرية والعدالة؛ إذ كان تجمع باريس تذكيرًا قويًا بأن النضال من أجل الحرية في إيران ما زال مستمرًا، وأن الشعب الإيراني لن يتراجع عن مطالبته بحقوقه المشروعة. هذا التجمع ليس مجرد فعاليةٍ احتجاجية، بل هو أيضًا إعلانٌ عن إصرار الشعب الإيراني على تحقيق مستقبلٍ أفضل، خالٍ من القمع والظلم.
شرعية المقاومة الإيرانية تستهدف نظام الملالي من باريس
في تجمع بالمنفى يعجز النظام الإيراني عن حشده داخل إيران تتعالى الأصوات المطالبة بإسقاط النظام وإحلال جمهورية ديمقراطية. في ظلِّ تصاعد وتيرة النضال ضد نظام الملالي في إيران، برزت المقاومة الإيرانية كقوةٍ شرعيةٍ تمثل تطلعات الشعب الإيراني في الحرية والعدالة. تجلّى هذا التمثيل الشرعي بوضوح في التجمع الحاشد الذي شهدته باريس، حيث اجتمع عشرات الآلاف من الإيرانيين في المنفى لنقل رسالةٍ واضحةٍ إلى العالم مفادها أنهم عازمون على إسقاط نظام الملالي، ولم يكن هذا الحدث مجرد فعاليةٍ احتجاجية، بل كان تأكيدًا على شرعية المقاومة الإيرانية ودورها المحوري في تحقيق التغيير.
منذ يومها عُرِفت المقاومة الإيرانية ومنظمتها المحورية منظمة مجاهدي خلق بالقدرة التنظيمية والسياسية الفائقة عبر مسير طويل من العمل النضالي المؤسسي والثوابت الفكرية والأخلاقية التي تحلت بها وبثبات منذ حقبة المواجهة مع الدكتاتورية الشاهنشاهية وحتى المواجهة مع نظام ولاية الفقيه خليفة الشاه، وهنا لا تقتصر شرعية المقاومة الإيرانية وتاريخ منظمة مجاهدي خلق على القدرة على حشد جماهيرها وأنصارها في المنفى بل أيضا على التعبئة داخل إيران وإلحاق ضربات موجعة بمراكز النظام القمعية. لذا فإن المقاومة الإيرانية هي الممثل الشرعي لتطلعات الشعب الإيراني، ويمثل ميثاقها العام وبرنامجها برنامج المواد خلاصا للجميع داخل إيران وخارجها.
د.سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي