مصطفى عبدالقادر يكتب لـ(اليوم الثامن):
من طهران إلى باريس إلى ميونيخ متظاهرون يقضون مضاجع الطغاة
ما يراه القارئ والمشاهد والمعني من حراكٍ للمقاومة الإيرانية وأنصارها ليس بجديد أو عجيب على المتابع للشأن الإيراني بل هو مسيرٌ عقد المقاومة الإيرانية وأنصارها العزم على إكماله حتى بلوغ الأهداف وتحرير الشعب الإيراني من الطغاة وفكر الطغيان.. وما نراه من رفض ومواجهات لنظام الملالي داخل إيران أو خارجها هو نتاجٌ لمسيرة الدكتاتورية والظلم والقمع والتعسف التي عانى منها الشعب الإيراني لعقودٍ طوال سواء في حقبة الشاهنشاهية المخلوعة أو حقبة ملالي البغي القائمة التي أكملت مسيرة الشاهنشاهية بإخلاص ومن خلع السلف سيخلع الخلف؛ وقد يكون ذلك قريبا.
نظامان تعاقبا على ظلم الشعب الإيراني وقهره لفترات طويلة، فأذاقاه ويلات الاستعباد، وجرعاه مرارة الإيلام والتنكيل بوحشية سافرة.
الأول. هو الشاه بتعسفه ودكتاتوريته المشهودان من القاصي والداني، إذ كان يعتقد بأنه وصي على الشعب الإيراني بأمر إلهي، وهو الذي اعتبر نفسه نصف إله، وما على الجماهير الإيرانية إلا الركوع أمامه، والخضوع لأوامره ونواهيه إجلالا، وتعظيما، وتقديسا، ناسيا، أو متناسيا أن هذا الشعب حين يطفح به الكيل، وتسد أمامه سبل العيش الكريم سوف ينتفض انتفاضة غضب مزمجر، تتساوى معه الحياة والموت، ولا تقف في وجهه أعتى أسلحة البطش والقمع مهما كلفه ذلك من تضحيات.
لقد قارعت موجات المد البشري الإيراني الثائر الرصاص الشاهنشاهي بصدور عارية، موجة إثر موجة، يدفعها تصميم قوي على إزالة نظام البغي بكل إيمان وإرادة على محق الظلم، وسحقه مهما بالغ الشاه في تصعيد إجرامه، وفتكه بالشعب، فكان الانتصار حليفا لثورة ٨ فبراير ١٩٧٩، التي ضربت مثلا حيا ودرسا بليغا في كيفية التصدي للظلم وإسقاط رموزه رغم امتلاكهم لكل صنوف أسلحة الترويع والقتل.
أما الثاني.. فمع سقوط نظام الشاه، وحلول خلفائه (ملالي إيران) أُسقِط في يد الشعب الإيراني الذي خاب ظنه كلما اتضحت له الصورة الجديدة أكثر، وازدادت قوة القبضة القمعية للسيطرة عليه وهو (صاحب الثورة)، ومصادرة حقه في نيل حريته المرتجاة.
لقد حظي الحكمان الظالمان بدعم الغرب ومؤازرته، بل هو من زرعهما ورعاهما لتمرير مخططاته سواء في عهد الشاه المقبور، أو في عهد نظام ولاية الفقيه الذي عمد من حين لآخر إلى خداع الشعب بشعاراته الجوفاء المعادية للغرب ظاهريا بمصطلحات مثل ( قوى الاستكبار العالمي، الموت لأمريكا، الشيطان الأكبر...إلخ)، بينما على أرض الواقع نجد الجماهير الإيرانية بأطيافها كافة تزأر، وترعد بانتفاضاتها المتعاقبة كسيل جارف لا تستطع كل عوائق الردع والاعتقال والإعدام إيقافه، فبعد التجمع الباريسي في ٨ فبراير بمناسبة الذكرى ٤٦ لانتصار الثورة على حكم الشاه تأتي المظاهرة الحاشدة من أنصار المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، ومنظمة مجاهدي خلق في ساحة ( أوديو نبلاتز) ميونيخ لحث المجتمع الدولي على تبني سياسة حازمة ضد النظام الإيراني، حيث نوه التجمع إلى تصعيد النظام القمعي سعيه المتواتر للحصول على السلاح النووي، مؤكدين على وجوب اتخاذ إجراءات دولية صارمة بهذا الخصوص، وقد شارك الكثير من الشخصيات السياسية المهمة بهذا التجمع، حيث وقعوا على بيان دعوا فيه مؤتمر ميونيخ للأمن إلى الوقوف بحزم إلى جانب الشعب الإيراني في نضاله المشروع ضد الديكتاتورية الدينية في إيران، وإقامة جمهورية ديمقراطية علمانية، كما أعرب الموقعون عن دعمهم المطلق لخطة النقاط العشر للسيدة مريم رجوي الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية(NCRI)، والتي حظيت بدعم أكثر من ٤٠٠٠ برلماني، و ١٣٧ من قادة العالم السابقين في عام/ ٢٠٢٤/.
لقد وصل نظام ولاية الفقيه في السنوات الأخيرة إلى أضعف نقطة له منذ عقود، وذلك بسبب الانتفاضات الشعبية المتتالية، والضربات الموجعة التي تعرضت لها استراتيجية النظام الإقليمية، لاسيما بعد سقوط نظام بشار الأسد، لذا نجد أن نظام الملالي قد عمد مؤخرا إلى رفع وتيرة مساعيه لأجل الحصول على السلاح النووي، مما يهدد وبشكل خطير الأمن والسلم الدوليين. لقد كانت من بين المطالب التي نادت بها مظاهرة ميونيخ إعادة تفعيل قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، كما تضمنت المظاهرة مسرحا أقيم في أحد الشوارع، جسد مأساة حقوق الإنسان التي يعيشها الشعب الإيراني، وأيضا مما تضمنته المطالبات التأكيد على تصنيف ميليشيا الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، والاعتراف الصريح بحق الشعب الإيراني في مقاومة هذا الحرس لأنه يشكل الدعامة الأساسية، والركيزة الأولى في القمع الجائر وإثارة الحروب الإقليمية في عالم باتت نظرته أوسع ازدراءا من ذي قبل لنظام متهالك؛ متعفن في فكره وتفكيره، يحمل عقلية القرون الغابرة تعاليا وإدعاءا؛ معتقدا بأنه سوف يجني مكاسب أحلامه التوسعية من خلال إذلاله لشعبه، وحرمانه من أبسط مقومات العيش الكريم، والتدخلات السافرة في شؤون جواره الإقليمي الذي أدرك أبعاد اللعبة القذرة التي يمارسها نظام ولاية الفقيه هنا وهناك، حيث أضحت ترسل إشارات تهاويه وسقوطه بعد استهلاكه لأغلب مقومات بقائه من خلال تعرية مشروعه القمعي داخليا، والعدواني إقليميا، ناهيك عن استثارة روح الاستعداء العالمي بإصراره على امتلاك السلاح النووي الذي من سابع المستحيلات أن يسمح له بامتلاكه رغم كل مراوغته، وتحايله، وكذبه المفضوح.
د. مصطفى عبدالقادر/ أكاديمي وأستاذ جامعي - ألمانيا