رئيس التحرير يكتب:
دعاية إخوانية مضللة في مواجهة تسامح "الإمارات"
قبل أسابيع، كنت أشاهد تسجيلات مرئية على شبكة الإنترنت، فلفت انتباهي فيديو يظهر فيه يوتيوبر يمني يحاور فتاة هندية، ويسألها عما إذا كانت تستطيع تخمين بلده.
جاءت توقعاتها بين كراتشي، باكستان، ودبي، وعندما أوضح لها أنه من دولة تقع في الشرق الأوسط، عادت لتسأله: "هل أنت من أبوظبي؟" مما يعكس أن دبي وأبوظبي أصبحتا من أشهر المدن عالميًا، حتى باتتا تمثلان رموزًا للمنطقة.
وفي موقف آخر، صرّحت فنانة كويتية بأنها عندما تسافر إلى الخارج وتُسأل عن بلدها، تجيب بأنها من دبي، لأنها المدينة الأكثر شهرة عالميًا، خاصة لدى من لا يعرف الكثير عن الشرق الأوسط سوى دبي وأبوظبي.
لقد حصلت دولة الإمارات العربية المتحدة على هذه السمعة الطيبة بفضل قيمها القائمة على التسامح، واحتضانها للناس من جميع أنحاء العالم، إضافة إلى قوة اقتصادها، وقيادتها الحكيمة التي جعلت من أبوظبي ودبي قبلة للعالم أجمع، يأتي إليها قادة العالم للمصالحة وحل الخلافات والتباينات، هذه العوامل مجتمعة جعلت الإمارات نموذجًا عالميًا في التعايش والتقدم، ورسخت مكانتها كوجهة مفضلة للعيش والعمل والاستثمار.
وما يمكن الإشارة إليه في هذا السياق، الدور البارز الذي لعبه رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في إنهاء النزاع بين إثيوبيا وإريتريا، عبر وساطة قادتها أبوظبي، وأفضت إلى اتفاق السلام التاريخي عام 2018، وقد أسهم هذا الاتفاق في تعزيز الاستقرار بمنطقة القرن الإفريقي، مما انعكس إيجابياً على العلاقات الثنائية بين البلدين، وأثر بشكل ملموس على الأمن الإقليمي.
ولا شك أن أبوظبي تنتهج دبلوماسية ترتكز على مبادئ السلام والحوار، وتحرص على إنهاء النزاعات عبر الوساطات السلمية، ومن يزور أديس أبابا يلمس بوضوح حجم التطور والنهضة الاقتصادية التي تشهدها المدينة، وهو ما يحمل بصمة إماراتية بارزة، فقد أسهمت الإمارات، إلى جانب جهودها في تحقيق السلام، في دعم الاقتصاد الإثيوبي عبر استثمارات متنوعة.
تمتلك أبوظبي في إثيوبيا نحو مائة مشروع استثماري واقتصادي، أسهمت هذه المشاريع في توفير آلاف فرص العمل وتعزيز النمو الاقتصادي الإثيوبي، ولم تقتصر المساهمة الإماراتية على الاستثمارات فقط، بل شملت دعماً مالياً مباشراً؛ حيث قدمت الإمارات في عام 2018 دعماً مالياً لإثيوبيا بقيمة ثلاثة مليارات دولار، منها مليارا دولار كاستثمارات مباشرة، ومليار دولار كوديعة لدعم احتياطي النقد الأجنبي.
وإذا ما أخذنا مصر كنموذج أخر على الدور الإماراتي، فأن الحديث عن نصف قرن من العلاقة الوطيدة بين القاهرة وأبوظبي، قد يطول، ولكن تظل هذه العلاقة الأخوية قائمة على التفاهم المشترك والتنسيق المستمر لمواجهة التحديات الإقليمية وتحقيق الأمن والاستقرار، وقد أرسى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان دعائم هذه العلاقات، حيث دعم مصر في أوقات الأزمات مثل حرب أكتوبر 1973، واستمرت الإمارات في مساندة مصر سياسياً واقتصادياً حتى اليوم، وتمثل صفقة رأس الحكمة أكبر استثمار إماراتي في مصر بقيمة 35 مليار دولار، رفع إجمالي الاستثمارات الإماراتية إلى حوالي 65 مليار دولار، وتوقعات باستثمارات تفوق 150 مليار دولار على مدار عمر المشروع.
وتعمل أكثر من 2000 شركة إماراتية في مصر في قطاعات متنوعة تشمل العقارات، الطاقة المتجددة، التكنولوجيا، والسياحة، ما يجعل الإمارات أكبر مستثمر عربي في مصر. كما تساهم هذه الشراكة في دعم النمو الاقتصادي وتخفيف الأعباء عن الموازنة المصرية من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص.
ثقافياً وتعليمياً، دعمت الإمارات قطاع الثقافة المصري، وموّلت مشروعات عديدة في الأزهر الشريف، بما في ذلك ترميم المكتبة وإنشاء مساكن للطلاب، ما يعكس تقديرها لدور الأزهر كمرجع ديني معتدل.
سياسياً، تتعاون الدولتان عبر آلية للتشاور السياسي تجتمع كل 6 أشهر لتبادل وجهات النظر وتنسيق المواقف تجاه القضايا الإقليمية والدولية.
في اليمن، لعبت الإمارات دوراً محورياً كشريك فاعل في التحالف العربي الذي قادته المملكة العربية السعودية، حيث أسهمت القوات الإماراتية الباسلة بفاعلية في تحرير مدينة عدن، التي تُعد العاصمة المؤقتة، من قبضة ميليشيا الحوثيين الموالية لإيران.
وقد شكّلت القوات الخاصة الإماراتية، التي نزلت على الأرض في عدن، تحالفاً عسكرياً قوياً مع المقاومة الجنوبية، ما أدى إلى تحقيق تقدم ميداني كبير، حيث بات هذا التحالف قاب قوسين أو أدنى من تحرير ميناء الحديدة في عام 2018، وهو الميناء الذي يُعد شرياناً حيوياً لدعم الأذرع الإيرانية في اليمن.
إلا أن التدخلات الدولية والإقليمية حالت دون استكمال تحرير الميناء، مانحةً الانقلابيين طوق نجاة، حال دون القضاء على أحد أهم مصادر تمويلهم ودعمهم اللوجستي في البلاد.
ورغم انسحاب القوات الإماراتية من اليمن في العام 2019، لتتيح الفرصة لتحقيق تسوية سياسية بين الفرقاء اليمنيين، إلا ان أبوظبي أستمرت في تقديم الدعم المالي والاقتصادي والإغاثي للشعب اليمني، ومولت مشاريع استراتيجية في عدن وحضرموت وأبين وشبوة، ومنها مشروع الطاقة الشمسية في عدن وشبوة، ومشروع سد حسان الاستراتيجي في أبين، وإعادة تأهيل مطار عدن الدولي ومطار الريان، بالإضافة الى إنشاء وترميم مئات المدارس وغيرها من المشاريع الكثيرة.
وفي فلسطين، تتبنى دولة الإمارات العربية المتحدة موقفًا ثابتًا وداعمًا للقضية الفلسطينية، مؤكدةً حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، إذ ترى أبوظبي أن حل القضية الفلسطينية يمثل مفتاح تحقيق الأمن والسلام في المنطقة.
في 13 أغسطس 2020، أعلنت الإمارات عن اتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بهدف تعزيز السلام والاستقرار الإقليمي، مشددةً على أن هذه الخطوة لن تؤثر على التزامها الراسخ بالقضية الفلسطينية، بل جاءت لوقف خطط ضم الأراضي الفلسطينية، وتعزيز فرص تحقيق حل الدولتين.
وخلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر 2023، لعبت الإمارات دورًا فاعلًا في المحافل الدولية لدعم القضية الفلسطينية، حيث دعت خلال جلسة لمجلس الأمن إلى تحقيق سلام مستدام، وإنهاء الحرب في غزة، وحماية المدنيين.
وفي استجابة إنسانية عاجلة، أطلقت أبوظبي بعد شهر من اندلاع الحرب مشروعًا إغاثيًا شاملاً تحت اسم "عملية شهاب 3"، شمل تقديم عشرات الآلاف من الأطنان من المساعدات الغذائية والملابس والخيام، كما نسّقت مع مصر لنقل أكثر من ألفي طفل فلسطيني مع أسرهم لتلقي العلاج في مستشفيات أبوظبي، قبل أن تواصل جهودها الإنسانية بإنشاء مستشفى ميداني في قطاع غزة، وآخر في مدينة العريش المصرية، مما يعكس التزام الإمارات المستمر بدعم الشعب الفلسطيني، وتخفيف معاناته، وتعزيز أواصر التضامن الإنساني والأخوي.
لطالما كانت الإمارات رائدة في ترسيخ قيم التسامح عبر مبادراتها المتعددة، مثل إنشاء وزارة للتسامح وتنظيم فعاليات عالمية كمؤتمر الأخوة الإنسانية، الذي جمع قادة دينيين من مختلف العقائد لتعزيز الحوار والتعايش، وتعد هذه الجهود امتداداً لرؤية القيادة الإماراتية في تعزيز السلام العالمي والتقارب بين الشعوب.
وقد أكدت دولة الإمارات، خلال المناقشة المفتوحة لمجلس الأمن الدولي في العام 2021م، حول بناء السلام، على أهمية تعزيز التعايش السلمي والتسامح لتحقيق مجتمعات مستقرة ومزدهرة، مشددةً على ضرورة إدماج المجتمعات المتنوعة في السياسات الوطنية.
استعرضت حينها ابوظبي مبادراتها لترسيخ التسامح والتعايش بين الثقافات والأديان على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، مستشهدةً بتجربتها الناجحة في استضافة أكثر من 200 جنسية في بيئة يسودها الأمن والسلام.
تمضي أبوظبي بثبات في مشروعها لترسيخ قيم التسامح والتعايش، غير مكترثة بالحملات الإعلامية الممنهجة التي تشنها منصات إخوانية ممولة من بعض الدول، والتي تعجز عن تبني مشاريع إنسانية حقيقية لمواجهة خطاب التطرف والإرهاب.
لقد نجح هذا الخطاب المتطرف، الذي تبنّته جماعة الإخوان المسلمين، في تقديم صورة مشوهة عن الإسلام، محاولًا طمس هويته كدين للتسامح والسلام، وهو ما تسعى بعض الدول العربية، وعلى رأسها الإمارات، إلى تصحيحه من خلال مبادرات رائدة، مثل وثيقة "الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك"، التي أصبحت مناسبة سنوية يحتفى بها في الرابع من فبراير من كل عام.
تزعم جماعة الإخوان وداعموها أن هناك مشاريع تستهدف الإسلام، لكن الحقيقة أن أكبر تهديد للإسلام اليوم هو الفكر المتطرف نفسه، الذي يحاول احتكاره وتأويله وفق نهج "الولاء للجماعة".
وكما قال الإمام ابن باز (رحمه الله): "ليس لجماعة الإخوان المسلمين نشاط واضح في بيان التوحيد وعقيدة أهل السنة والجماعة"، ما يعكس طبيعة منهجها القائم على التحريف والتوظيف السياسي للدين.
تستغل الجماعة منصات التواصل الاجتماعي لنشر خطاب تحريضي ومضلل، يهدف إلى التشكيك في جهود الإمارات لتعزيز التسامح، متبعةً أساليب التهويل وتزييف الحقائق. لكن الإمارات لم تكتفِ بمواجهة هذا التحريض الإعلامي، بل عملت على تحصين مجتمعها من الفكر المتطرف عبر برامج تعليمية وتوعوية تعزز قيم الوسطية والاعتدال. كما عززت منظومتها القانونية لمحاربة خطاب الكراهية والتطرف، مما أسهم في ترسيخ الأمن والسلم المجتمعي.
يبقى التسامح الإماراتي نهجًا ثابتًا يواجه حملات التحريض بخطوات عملية تعزز قيم التعايش والسلام. ورغم محاولات التشويه المستمرة، تظل الإمارات نموذجًا عالميًا في التسامح والانفتاح، ماضيةً في ترسيخ ثقافة السلام، متجاوزةً كل التحديات التي تفرضها الحملات المضللة.