عبدالرحمن كوركي مهابادي يكتب لـ(اليوم الثامن):

نظام إيران: التفاوض لكسب الوقت

النظام الديني الحاكم في إيران، منذ أيامه الأولى في السلطة، لم يؤمن يومًا بالسلام، أو الحرية، أو الديمقراطية، أو التعايش السلمي، بل إن هيكله وأسسه قائمان على نزعة الحرب، والقمع الداخلي، وتصدير الإرهاب، والعنف الأيديولوجي. سجل هذا النظام على مدى أربعة عقود حافل بالاغتيالات، والتفجيرات، وإشعال الحروب خارج حدود إيران، وبالأخص ضد القوة الرئيسية للمقاومة الإيرانية، أي منظمة مجاهدي خلق الإيرانية والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية. بالنسبة لهكذا نظام، لا يُعد التفاوض أداة لحل النزاعات، بل وسيلة لتعزيز السلطة وكسب الوقت؛ وقت للتسلح، وتوسيع النفوذ، وإضعاف الخصم، وتغيير موازين القوى لصالحه، وفي النهاية، ضمان بقاء الديكتاتورية الدينية في إيران. 

تجربة مفاوضات هذا النظام مع الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، أظهرت بوضوح أن سلطات إيران لم تأتِ إلى طاولة المفاوضات بنية صادقة لحل المشكلات. فعندما تكون القوة بيده ويستطيع فرض هيمنته، يوافق على التفاوض. لكن إذا شعر أن الطرف الآخر يتحدث بثبات ومن موقع قوة، فإنه إما يتراجع أو يلجأ إلى مناورات خادعة. ويُعد مسار المفاوضات النووية مثالًا واضحًا لهذه التكتيكات. فقد كانت هذه المفاوضات، منذ البداية، تهدف إلى كسب الوقت لتطوير برامج سرية للأسلحة النووية. 

لم يتخلَ هذا النظام قط عن سعيه لامتلاك القنبلة النووية. فقد حاول مرات عديدة، بالغش والتستر والخداع، إخفاء مشروعاته التسليحية عن أعين المؤسسات الدولية. لكن المقاومة الإيرانية لعبت دورًا رائدًا وحاسمًا في كشف المراكز السرية لتطوير البرامج النووية. المعلومات الدقيقة التي نشرتها منظمة مجاهدي خلق شكلت أساسًا للعديد من التحقيقات وتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقد أشاد مسؤولون غربيون، وحتى رؤساء الولايات المتحدة، صراحةً، ودون ذكر اسمها، بدور المقاومة الإيرانية في كشف الأنشطة النووية السرية للنظام. 

اليوم، تغيرت الظروف الدولية والإقليمية بشكل كبير لصالح مواجهة نظام إيران. سقوط نظام بشار الأسد الديكتاتوري في سوريا، والتدهور الحاد لنفوذ حزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن، وتهميش الحشد الشعبي في العراق، تُظهر بوضوح أن أذرع النظام الوكيلة تتهاوى واحدًا تلو الآخر. يقبع النظام الآن في أضعف موقف تاريخي له. فقدان النفوذ الإقليمي، مقرونًا بالضغوط الداخلية، يُضيّق خناق الحصار السياسي والاجتماعي على النظام.

لكن الأزمة الأعمق التي يواجهها النظام ليست في الخارج، بل في الداخل. أثبتت الانتفاضات الشعبية الواسعة في أعوام 2017 و2019 و2022 أن غالبية الشعب الإيراني ترفض هذا النظام. هتافات "الموت للديكتاتور" لم تستهدف فردًا بعينه، بل نظام الملالي بأكمله ومبدأ ولاية الفقيه. في هذه الظروف، تبرز القوة الرئيسية التي تمثل هذه الانتفاضات وتنظمها، وهي المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وبالأخص "وحدات الانتفاضة" التي باتت نشطة في جميع أنحاء البلاد. هذه الشبكة المقاومة داخل إيران تؤدي دور "القوة الميدانية"، وهو عنصر حاسم يفتقر إليه العديد من معارضي النظام في الخارج.

أدرك الشعب الإيراني جيدًا أن مستقبل بلادهم مرهون بالإطاحة بهذا النظام. إنهم يطالبون بجمهورية ديمقراطية غير دينية. ومن هنا، يبرز المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بخطته المكونة من عشر نقاط، والتي تشمل فصل الدين عن الدولة، وتكافؤ الحقوق بين النساء والأقليات والقوميات المضطهدة، وسيادة القانون، والانتخابات الحرة، كالبديل الجاد والشعبي والشرعي الوحيد في الساحة السياسية الإيرانية.

من ناحية أخرى، وصلت "سياسة المهادنة" التي اتبعتها الدول الغربية لسنوات إلى طريق مسدود تمامًا. أجمع الجميع على أن هذا النظام لا يمكن إصلاحه ولا ترويضه. لقد حان الوقت لكي يتخلى الغرب عن الرهان على مفاوضات عقيمة، ويدعم الشعب الإيراني ومقاومته. إدراج قوات الحرس التابعة لخامنئي في قوائم المنظمات الإرهابية، والاعتراف بحق الشعب الإيراني في المقاومة الشرعية، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع نظام إرهابي حتى النخاع، هي خطوات حيوية لدعم إرادة الشعب الإيراني بصدق.

الكلمة الأخيرة
في النهاية، سواء استسلم نظام إيران للتسوية أو اختار طريق الحرب، فإن أفق المستقبل في إيران واضح: هذا النظام سيسقط، وسيحل محله حكم قائم على الحرية وحقوق الإنسان وإرادة الشعب. قد يكون عام 2025 عامًا حاسمًا في تحديد مصير إيران، عامًا يضع فيه الشعب الإيراني، بمقاومته، نقطة النهاية لكل أشكال الديكتاتورية في بلادهم.