أ. أحمد مراد يكتب لـ(اليوم الثامن):

خطة مريم رجوي ذات العشر مواد باتت البوصلة الدولية لإيران المستقبل من بروكسل

هناك لحظات في التاريخ تتغير فيها معادلات القوة بشكل جذري.. لحظات يتوقف فيها العالم عن النظر إلى الطغاة كحقيقة أبدية ويبدأ في رؤية البديل الديمقراطي كحقيقة حتمية.. وإن ما نشهده اليوم على الساحة الدولية هو إحدى هذه اللحظات بالضبط؛ فالنظام الإيراني الذي استثمر لعقود في بناء جدار من الخوف والعزلة حول معارضته، وها هو يرى اليوم هذا الجدار ينهار تحت مطرقة الإجماع الدولي.

إن سيل البيانات والتصريحات الصادرة عن قادة سياسيين وبرلمانيين ورؤساء دول سابقين من مختلف أنحاء العالم لدعم مظاهرة السادس من سبتمبر في بروكسل ليس مجرد تعبير عن التضامن بل إعلان سياسي استراتيجي بأن العالم بدأ ينقل رهاناته من نظام يحتضر إلى حركة مقاومة حية ونابضة بالحياة تمتلك رؤية واضحة وناضجة للمستقبل.

من جريمة إلى استراتيجية: فهم عمق الدعم الدولي

لفهم حجم هذا التحول يجب عدم النظر إلى هذه التصريحات كأجزاء منفصلة؛ بل كفصول متكاملة في رواية واحدة.. الفصل الأول هو الإدانة المطلقة لجرائم النظام التي لم تعد مجرد "انتهاكات لحقوق الإنسان" بل أصبحت تشكل تهديدًا وجوديًا للاستقرار العالمي، وعندما يتحدث سياسيون مثل مارك وليامز وديفيد جونز عن تنفيذ أكثر من 1500 إعدام فهم لا يقدمون إحصائية بل يرسمون صورة لنظام لا يمكنه البقاء إلا بسفك الدماء الأمر الذي يجعله شريكًا مستحيلًا في أي سلام دائم، وعندما يطالب قادة مثل اللورد ماغابينس وهرمان - يوزف شارف بتصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية فهم لا يدعون إلى عقوبة بل إلى استراتيجية دفاعية ضرورية لحماية أوروبا والشرق الأوسط من إرهاب الدولة المنظم؛ لقد أدرك هؤلاء القادة أن وحشية النظام داخليًا هي نفسها التي تغذي عدوانه خارجيًا.

التحول من الرفض إلى القبول: خطة العشر نقاط كبوصلة للمستقبل

الفصل الأكثر أهمية في هذه الرواية هو الانتقال من مجرد رفض النظام إلى احتضان البديل بشكل عملي.. فالمجتمع الدولي لم يعد يرى فراغًا سياسيًا في إيران بل أصبح يرى حلاً منظّمًا ومقنعًا، وهنا يبرز الدور المحوري لخطة السيدة مريم رجوي ذات العشر نقاط التي تحولت من مجرد برنامج للمعارضة إلى بوصلة يعتمد عليها السياسيون الدوليون لرسم ملامح إيران المستقبل، وعندما يؤيد ستروان ستيفنسون هذه الخطة مؤكّدًا أن "مستقبل إيران يعود لشعبها"، أو عندما يصفها هينك دي هان بأنها "أساس إيران الحرة" فهذا يعني أن المجتمع الدولي لم يعد يتعامل مع المقاومة الإيرانية كحركة احتجاجية بل كحكومة في المنفى تمتلك برنامجًا جاهزًا للتنفيذ.. ويكتسب هذا الدعم زخمه الخاص عندما يأتي من شخصيات مثل آنا هيلينا شاكون نائبة رئيس كوستاريكا السابقة التي تسلط الضوء على الدور القيادي للمرأة في الحركة مما يمنح البديل بعدًا تقدمياً وإنسانياً يفتقر إليه النظام الحاكم بالكامل.

تظاهرة بروكسل.. ليست احتجاجًا بل إعلانًا

في هذا السياق تكتسب مظاهرة السادس من سبتمبر في بروكسل معنى أعمق.. فهي لم تعد مجرد "احتجاج" ضد النظام بل "إعلان" رسمي عن هذا التحول في معادلة القوة.. إنها اللحظة التي تتقاطع فيها ثلاثة مسارات حاسمة: أولًا.. نضال الشعب الإيراني ووحدات المقاومة في الداخل التي أرهقت النظام وأوصلته إلى أضعف حالاته، وثانيًا وجود قيادة وبديل سياسي منظّم في الخارج متمثل في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية الذي يقدم رؤية وبرنامجًا متكاملًا، وثالثًا إجماع دولي متنامٍ بأن هذا البديل ليس مرغوبًا فحسب بل ضروري وقابل للتطبيق.

لهذا السبب فإن كلمات باولو كاساكا الذي يصف المقاومة بأنهم "أبطال يواجهون الأكاذيب بإرادة لا تُكسر" أو دعوة أنطونيو رازي السيناتور الإيطالي السابق للأوروبيين للانضمام إلى هذا الحدث هي أكثر من مجرد دعم؛ إنها شهادة على أن المقاومة الإيرانية نجحت في كسب معركة الشرعية على الساحة العالمية.

إن رسالة بروكسل ستكون بمثابة نقطة اللاعودة: لقد انتهى زمن المهادنة والاسترضاء والتعامل مع نظام الملالي كأمر واقع، وبدأ زمن الاستثمار في مستقبل إيران الديمقراطي كضرورة استراتيجية.

أحمد مراد - كاتب وإعلامي فلسطيني