مكاسب أولية لصناعة السيارات الأميركية
الشركات الكبرى في مرمى نيران ترامب العشوائية
يثير سيل التهديدات والانتقادات الخارجة عن جميع المعايير الاقتصادية، التي أطلقها الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب مخاوف رؤساء الشركات المتعددة الجنسيات الذين يدفعهم الخوف لتأكيد حسن نواياهم وتقديم تعهدات بخلق وظائف في الولايات المتحدة.
وهذه الاستراتيجية الهجومية جدا تؤثر في بلد يحمي فيه قانون السوق الشركات من أي تدخلات حكومية مباشرة إلى هذا الحد. لكن يبدو أن تهديدات ترامب تؤتي ثمارها.
فقد انضمت مجموعة صناعة السيارات جنرال موتورز ومجموعة “وول مارت” لمتاجر التجزئة إلى اللائحة الطويلة للشركات التي وعدت بتعزيز نشاطاتها في الولايات المتحدة منذ فوز ترامب، الذي يشن حربا على نقل الوظائف إلى الخارج.
ووجدت تلك المجموعات نفسها مجبرة على مراجعة استثمارات مقررة منذ فترة طويلة، تحت ضغط التغريدات المتوعدة على تويتر بفرض رسوم جمركية ضد الشركات، الأمر الذي يثير شعبوية ضد سياسات الشركات ويؤثر على أسعار أسهمها في البورصة.
وكتب ترامب ملخصا الوضع في تغريدة يوم الأحد قائلا إن “شركات صناعة السيارات وغيرها عليها، إذا أرادت أن تواصل نشاطها في الولايات المتحدة، أن تستأنف الإنتاج هنا”.
وفي هذا الإطار، تخلت مجموعة فورد في بداية الشهر الحالي عن إقامة مصنع في المكسيك لتستثمر في الولايات المتحدة، بينما قررت مجموعة فيات كرايسلر أن تعيد إلى الأرض الأميركية مشروع إنتاج أحد أنواع سياراتها وأعلنت إحداث ألفي وظيفة.
واتبعت مجموعات أخرى خطوات مماثلة وخاصة شركة تويوتا اليابانية. أما مجموعة أمازون فقد أعلنت عن إحداث 100 ألف وظيفة جديدة في الولايات المتحدة دفعة واحدة.
وشكر ترامب، وهو رئيس شركة أيضا، نظراءه بدون أن ينسى تهنئة نفسه. وكتب في تغريدات يوم الثلاثاء “مع كل الوظائف التي أعيدها إلى الولايات المتحدة، اعتقد أن الناس يرون أمورا عظيمة”.
ميشائيل أوسوليفان: عهد ترامب يمكن أن يكون إيذانا بانتهاء عصر العولمة الذي نعرفه حاليا
وترى الشركات أن الفائدة رمزية قبل كل شيء وهي تجنب دعاية سيئة وتقديم صورة الوطني الصالح وإقامة علاقة جيدة مع الإدارة الجديدة.
وكانت المجموعة المنتجة للمكيفات “كاريير” أول من بدأ هذه الخطوات في ديسمبر وحققت مكاسب من ذلك، إذ أنها حصلت على تخفيض بقيمة 7 ملايين دولار من الضرائب مقابل تخليها عن عملية نقل إلى المكسيك.
وتوجه الكثير من رؤساء المجموعات إلى برج ترامب في نيويورك، لتفادي انتقادات الرئيس الجديد. وحاول رئيس شركة بوينغ التي انتقدها ترامب بسبب كلفة الطائرة الرئاسية، حل هذه المشكلة. وقال “نحن متفقون على صنع الأفضل بالكلفة الأقل”.
وجاء أرباب شركات آخرون لتحيته وبينهم برتران آرنو رئيس مجموعة الصناعات الفاخرة الفرنسية أل.في.أم.أتش، الذي لم يستبعد توسيع وجوده على الأراضي الأميركية.
وقبل فوزه في الانتخابات، لم يكن قطب العقارات المرشح المفضل لأوساط الأعمال. ووقفت معظم المجموعات في وادي السيليكون، مركز الصناعات التقنية ضده، وبينها رئيس أمازون، جيف بيزوس، الذي عرض عليه بسخرية الذهاب بلا عودة إلى الفضاء، بينما كانت الأسواق تخشى فوز مرشح لا يمكن التكهن بقراراته.
وقالت أبارنا ماتور من معهد أميركان انتربراز لوكالة الصحافة الفرنسية إنه “قبل أن يكون لترامب أي فرصة في الفوز، لم يكن أحد يولي أي أهمية لبرنامجه المثير للجدل”.
وأثار وجود الجمهوريين في الرئاسة والكونغرس معا للمرة الأولى منذ عام 2010، ارتياح أوساط الأعمال التي سئمت منذ سنوات من الشلل السياسي في واشنطن.
لكن نقطة أساسية في برنامج تـرامب يمكـن أن تضر بعلاقاته مع الشركات الكبرى وهي الإجراءات الجمركية الانتقامية ضد المكسيك والصين، التي يمكن أن تكلف المجموعات الأميركية الكبرى مبالغ كبيرة.
وحذر توماس دوناهو رئيس غرفة التجارة الأميركية، وهي مجموعة الضغط التي يشكلها أرباب العمل من أنه “إذا أردنا التوظيف في أميركا فسيكون علينا بيع سلعنا وخدماتنا لنحو 95 بالمئة من الزبائن الذين لا يعيشون في الولايات المتحدة”.
وأظهر استطلاع أجرته رويترز أن ترامب إذا التزم بتعهداته المتعلقة بسياسة الحماية التجارية فسيكون ذلك أكبر خطر يهدد نمو الاقتصاد الأميركي. وقال المحلل الاقتصادي جيم أوسوليفان “مما لا شك فيه أن المخاطر السلبية لعهد ترامب هي استمرار النبرة المعادية للتجارة الحرة”.
ولا يقف القلق عند حدود الولايات المتحدة. فقد أظهرت دراسة سويسرية نشرت يوم الخميس، أن فترة رئاسة ترامب ستعني بدء مرحلة جديدة بالنسبة لاقتصاد العالم.
وقال ميشائيل أوسوليفان المشارك في الدراسة التي أجراها مصرف كريدي سويس، إن بدء عهد ترامب يمكن أن يكون إيذانا بانتهاء عصر العولمة بالشكل الذي يعرفه العالم “وبذلك يصبح الطريق مفتوحا أمام الانتقال إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب”.
وأوضح الباحثون أن مراكز ذات مكانة راسخة في الاقتصاد العالمي مثل الولايات المتحدة والصين قد تواصل لعب دور سيادي في المرحلة المقبلة ولكن “أقطابا” أخرى مثل الدول الناشئة الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ستزداد نفوذا في هذا النظام الجديد.
ورأى أصحاب الدراسة أن مؤسسات دولية مثل البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية ستصبح محل نقاش في المرحلة المقبلة وأن العالم متعدد الأقطاب يعني أيضا تضاؤل النمو الاقتصادي العالمي مقارنة بما كان عليه في عصر العولمة.