اسكتشات كوميدية متفرقة هدفها انتزاع الضحكات لا غير..

"سبع البرمبة" فرض أسلوب على إيرادات شباك التذاكر

حبكات فنية جانبها التوفيق

محمد عبدالهادي

حافظ فيلم “سبع البرمبة”، الذي اختير له هذا الاسم من العامية المصرية كدليل على الشجاعة، على مركز متقدم في قائمة إيرادات أفلام العيد طوال أسبوعين، ليؤكد استمرار سيادة سيناريو “الاسكتش” القصير القائم على النكات والتعليقات الساخرة، وانزواء عصر الكوميديا القائمة على مواقف غير مفتعلة ومرتبطة بالسياق العام للفيلم ومضمونه.

وتعتمد الاسكتشات على مشاهد قصيرة ذات صبغة كوميدية قد لا تزيد مدتها الزمنية على دقيقة واحدة، وارتبطت بمسارح الملهى الليلي وعروض المنوعات للهواة في الشوارع، قبل أن تجد طريقها إلى السينما والدراما بظهور فرقة “مسرح مصر” القائمة على الارتجال وتصدر أعضاؤها واجهة الوسط الفني.

ولا يختلف “سبع البرمبة”، من تأليف لؤى السيد وإخراج محمود كريم، كثيرا عن أعمال رامز جلال السابقة التي يقدم فيها كوميديا خفيفة لا تتطلب ميزانية كبيرة أو قدرات عالية في الإخراج والتمثيل، وتناسب الجمهور العائلي الباحث عن السينما النظيفة البعيدة عن مشاهد الإغراء أو لغة الإثارة.

إيقاعات مختلفة

يدور الفيلم حول “نسمة” الفتاة مرهفة الحس (الفنانة جميلة عوض) التي تنتمي إلى عائلة الحجار المشهورة بمزاولتها الرياضات العنيفة، وتتزوج مهندس ديكور يدعى عمر الشرقاوي (رامز جلال) لا يرضي مواصفات والدها وأعمامها من ناحية القدرات البدنية، لكنهم يرضخون في النهاية، ويتعرضان معا لسلسة من المواقف، يفشل فيها الزوج في الدفاع عن زوجته، ما يصيبها بصدمة نفسية.

ويعتبر العمل اختبارا لقدرات رامز جلال كفنان كوميدي وإثبات مؤهلاته في مجال عمله الأصلي، بعيدا عن برامج المقالب الرمضانية المثيرة للجدل، فالنقاد يتهمونه بافتقاد ملكات التمثيل والظهور في أعماله بشخصيته في الحياة الحقيقية، والتخلف عن ممثلي دفعته في معهد الفنون المسرحية التي ضمت أحمد السقا وأحمد حلمي ومحمد سعد.

ويمثل “سبع البرمبة” رهانا على فرض رامز أسلوبه على إيرادات شباك التذاكر بعد نجاح  فيلمه “رغدة متوحشة” الذي تصدر إيرادات موسم الشتاء الماضي بنحو 1.1 مليون دولار، ليصادف النجاح الجماهيري السينمائي بعد سلسلة من الأعمال غير الناجحة مثل “كنغر حبنا” و”حد سامع حاجة” و”شبه منحرف”.

ويبدو الصراع في العمل شبيها بالقط والفأر بين عمر ووالد زوجته الفنان بيومي فؤاد، الذي يطالبه في كل موقف بتطليق ابنته نسمة، ومع فشله المستمر في حمايتها تتعرض لحالة من الهوس والعشق وتتخيل زوجها في شخصيات الأعمال السينمائية، فتناديه بـ”منصور الحفناوي” (أحمد السقا في فيلم الجزيرة)، و”رحيم” (ياسر جلال في مسلسل رحيم)، والضابط سليم الأنصاري (أمير كرارة في مسلسل كلبش).

وتميز فيلم “سبع البرمبة” بإيقاع سريع في نصفه الأول حتى ظهور أحمد السقا، بصفته الحقيقية كفنان معروف، لمساعدة عمر في حل مشكلة زوجته، وتباطأ في النصف الثاني مع تكرار الفكرة ذاتها مع أمير كرارة وياسر جلال، وإن اختلفت المواقف التي ساعداه فيها، مع إفراط المؤلف في منحهم صورة ذهنية كاريكاتورية في حياتهم تجعلهم أشبه بالأبطال الخارقين.

ومثّل الفنانون الثلاثة إضافة قوية لجماهيرية الفيلم بعدم مشاركتهم في الموسم الدرامي الرمضاني المنقضي، لكن حيثيات إقحامهم كانت ضعيفة فأمير كرارة أبدى رغبته الشديدة في مساعدة عمر لمجرد إبعاد الأخير إحدى المعجبات، وياسر جلال لم يتردد في إشعال النيران بمنزل أسرة نسمة كي يكتشف عمر البطل الذي يعيش داخله دون خشية للعقبات القانونية وإمكانية تعرض القاطنين للإيذاء.

ويمثل العمل استمرارا لظاهرة الاستعانة بنجوم الصف الأول في لقطات قصيرة داخل العمل الفني تم استحداثها في الموسم الرمضاني الماضي واستمرت في أفلام العيد في غالبية الأفلام، وغيرت مفهوم ضيف الشرف كفنان كبير في السن أو بعيد عن الأضواء، في ظاهرة مرتبطة بحشر أكبر عدد من النجوم وجذب جمهورهم إلى شباك التذاكر.

فكرة مستهلكة

تبدو فكرة العمل قريبة من فيلم قدمه الفنان محمد صبحي قبل 42 عاما بعنوان “أونكل زيزو حبيبي” عن شاب ضعيف تسبب في إصابة نجل شقيقته بصدمة عصبية بعدما شاهده يتلقى الضرب من أحد الجزارين، ويفشل طوال التسعين دقيقة في التحوّل إلى بطل في نظره، على الرغم من تناوله أعشابا سحرية تمنحه قوى خارقة.

وبدت نهاية الفيلمين متشابهة، فعمر يكتشف في النهاية مواطن الشجاعة داخله ويخوض النيران المشتعلة في منزل أسرة زوجته لإنقاذها، و”كابتن زيزو” يخوض نزالا مع ملاكم قوي دون تناول المزيد من الأعشاب السحرية لإنقاذ نجل شقيقته، وكلاهما ينتصر في النهاية بفضل العزيمة والإصرار الذاتي.

ولا يخلو العمل من أخطاء إخراجية معتادة، فنسمة تعرضت لحادث سيارة في أول مشاهد الفيلم وظهرت بشريط لاصق على جبهتها في المستشفى، قبل أن يختفي في المشهد التالي، وحتى خروج عمر من السجن في انتحال صفة ضابط شرطة وحمل سلاح دون ترخيص، جاء دون مبررات منطقية لقضية لا يقل فيها الحكم عن 15 عاما.

واجه العمل نقدا لتفشي هوس الشباب بالتقاط السيلفي، فالسبب في الحوادث التي تعرضت لها نسمة طوال العمل مرتبط بالتقاطها صورا من أماكن خطيرة على سور مركب سريع في عرض البحر دون معرفتها فن السباحة أو أمام باب التليفريك في الهواء رغم اقتناعها بإمكانية السقوط.

وعلى مستوى الأداء التمثيلي، كان أداء جميلة عوض رتيبا شبيها بالطفلة الصغيرة الساذجة التي تعيش في حدوتة خيالية، لتواصل نمطا من الأداء غير المتوقع منذ مشاركتها القوية في مسلسل “تحت السيطرة” قبل أربع سنوات، ودفعت الكثير من النقاد للرهان عليها كنجمة شباك في المستقبل القريب.

وتكرر الأمر مع محمد ثروت (الطبيب النفسي شبراوي عظيمة) الذي جاء مشابها تماما لأداء الفنان عبدالله إسماعيل الذي لعب الدور ذاته في “أونكل زيزو حبيبي” حتى في طبيعة الملابس وغليون التدخين الذي لا يفارق فمه، وحتى في إدراج العديد من المصطلحات الغريبة التي تثير الضحك كنظرية النفسية الزجاجية الهشة أو الزج بمفاهيم لاهوتية كتحطيم الأيقونات في سياقات مضحكة.

أمير كرارة وياسر جلال وأحمد السقا مثلوا إضافة قوية لجماهيرية الفيلم بعدم مشاركتهم في الموسم الدرامي الرمضاني

وربما كان الفنان محمد عبدالرحمن، المستفيد الأول من فيلم “سبع البرمبة” بمساحة أكبر من الظهور في شخصية صديق البطل التي يجيدها، ومجموعة من المواقف التي علقت مع الجمهور، كتعبيره عن الانتعاش بعد غسل وجهه بدلو مليء ببول المساجين وتشبيهه الأمر بمياه الساحل الشمالي، أو الافيهات المضحكة التي يحب الشباب تداولها مثل “أنا واحد مش باقي على أي حاجة” (لا أعبأ بأي شيء).

ونجح كاتب السيناريو لؤي سعيد في إكساب شخصية عمر سمات الشخص التافه الضعيف الذي يعتمد دائما على استجداء مساعدة الغير في مواقف حياته الصعبة، والدعاء لمن يتطوعون لنجدته بلغة  قريبة من العجائز في المناطق الفقيرة، وإظهار الاختلافات الجسدية الظاهرة بين عمر وعائلة زوجته في غالبية المناسبات بأسلوب يعتمد على المبالغة الشديدة.

ولعبت الموسيقى التصويرية للملحن عمرو إسماعيل دورا مكملا في إكساب الفيلم إيقاعا سريعا خفيفا يتماشى مع مضمون الفيلم، وجاءت مغايرة للأعمال الكثيرة التي قدمها خلال العام الحالي على مستوى الدراما مثل “الواد سيد الشحات” و”بركة” و”شقة فيصل” و”أبوجبل” و”فكرة بمليون جنيه” و”ابن أصول”، أو في السينما والممثلة في فيلم “نادي الرجال السري”.

ربما لا يبالي جمهور رامز جلال بالحبكات الفنية وسياقاتها، فأعماله تبدو لهم وقتا مسليا يمكن للعائلة أن تقضيه في مكان مشترك خارج المنزل بعيدا عن الابتذال والإيحاءات الجنسية التي تتضمنها أعمال المنافسين والتي لا تخلو أيضا من التشعب السردي، والانتقال من مشهد مهم إلى آخر لا يمثل أهمية في السياق ولا يرتبط بسابقيه، من أجل إقحام نكته فقط.