تزاوج الصهيونية والإستبداد عند العرب (2)

لقد تحدثت في الجزء الأول عن تزاوج الصهيونية والاستبداد في البلاد العربية والتي زادت الشباب العربي إحساساً بالإغتراب داخل الوطن وزادته تشويشاً بين نظرية القيم والدين والأخلاق الواجب توافرها وبين قدرته علي التعايش مع واقع سياسي بالغ القبح يدمر بلادهم ويقدمها لأعدائهم علي سبيل العطايا واحدة تلو الأخرى .

ويتزامن مع ذلك واقع أقتصادي أفلاسي في معظم البلاد العربية لا يقل سوءاً عن الواقع السياسي بأتباع خطط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ولنا في تجارب البلدان عبرة حيث ( إعلان التقشف علي الفقراء لسداد الأقساط وفوائد الديون السابقة ، تخفيض ميزانية الصحه والتعليم والبحث العلمي ثُم خصخصة الصحة والتعليم والقطاع العام ، ورفع أسعار الوقود ، وتعويم العملات المحلية ، يتبعهم تسريح العمالة في القطاع الحكومي ، واخيراً إعادة هيكله البنوك المركزية لأبعاد سلطة الحكومات عنها ) وهذا واقع حالي تمضي فيه مصر وتونس الآن لا يبشر بخيروربما يقود إلي أنهيار وأفلاس أقتصادي يلحقه تعيين مندوب سامي من قبل البنك الدولي علي الدول التي نفذت سياساتة ، أو ترفض الشعوب فتخرج في ثورات تأكل الأخضر واليابس .

 وتزداد الأمور تعقيداً بأنخراط رجال الدين في العمل السياسي باتت واضحة بعد التغييرات السياسية العنيفة التي حدثت في العالم العربي منذ عام 2011 م فأسقطت الأقنعة عن كثير من رجال الدين بتوجهاتهم بل أسقطت الأقنعة عن مؤسسات فقدت قيمتها الوطنية والروحية بتوظيف كل الموبقات من أجل حماية أنظمة بالية ، واستخدموا المشايخ والقساوسة ليدافعوا عن واقع فاسد فتوالت الصدمات علي الشباب العربي من سلوكيات وأراء رجال الدين التي تتنافي وتتناقض مع القيم العفيفة الصحيحة للدين والأخلاق بل تتنافي وتتناقض مع أبسط قواعد الوطنية والقائمة علي المسائلة والمحاسبة والمكاشفة .

 ليطرحوا في الأذهان أسئلة عدة عن :- الأديان ورسالتها ، ومدي صلاحيتها للبقاء ، ومدي قدرتها علي الإصلاح ، ومدي احتياج الناس إليها ، وهل هي حقاً وسيلة وغاية لضبط وتقويم السلوك الإنساني أم أنها سبباً للتخلف والرجعية الحضارية ؟! وهذا نتاج لعمليات التشويش الشيطاني للفكر العربي واستهداف المؤسسات الدينية والتي حدثت من قبل أنظمة إستبدادية  تسعي للبقاء في السلطة حتي لو كان ذلك علي حساب الوطن والعباد والدين مدعمين ذلك بمكاسب سياسية واقتصادية لبعض رجال الدين ليصدق فيهم قول رسول الله صلي الله عليه وسلم :- " ويل لأمتي من علماء السوء يتخذون العلم تجارة يبيعونها لا أربح الله تجارتهم ".

وللأسف لم يستطع بعض الشباب العربي الفصل بين القيم الجوهرية والحضارية التي إكتسبتها مجتمعاتهم عبر تاريخها بالإضافة للقيم السامية المستمدة من الدين والأخلاق وبين سلوك ذلك الشخص أو تلك الجماعة الذي في أساسه سلوك بشري ناقص يحمل الخطأ والصواب وأن خطأ أو كذب أو نفاق أحداً من رجال الدين لا يعني أن الدين هو المخطئ وإنما يعني أن ذلك العالِم أو تلك الجماعة أخطأ أو ضل وعليه أن يتحمل هو وحدة ذلك الخطأ ، وأن كانت سلوكيات وأراء رجال الدين  في أوقات إضمحلال الأمم ومحنتها تمثل نوراً ونار ، نوراً إذا صدق القول الفعل ليكون سبيلاً قويماً للهداية والرشاد والإصلاح ، وناراً إذا تناقض القول والفعل لتمضي به وبغيرة إلي الضلال ، وللأسف بعض رجال الدين من متصدري المشهد في العالم العربي وبنفاقهم للحكام علي حساب الغالي والنفيس في هذه الأمة أودوا ببعض الشباب إلي الضياع  والضلال ليصدق فيهم قول رسول الله صلي الله عليه وسلم " أخوف ما أخاف علي أمتي بعد الدجال الأئمة المضلين " .

فبعد كل هذا لابد أن تظهر علي السطح حالة من الجهر بالرفض المجتمعي الكامل لكل ما يشكله هذا المجتمع وما يحمله من قيم وأراء ومورثات وصلت بهم إلي إنكار الخالق ونبذ المخلوق وانتهجوا سلوكيات دفعتهم إلي الخطيئة بأنواعها وتمادوا في إعلان ذلك كأحد صور العقاب للمجتمع الذي تصوروا أنه قد خدعهم ودمرهم وعليهم الآن أن يصفعوه ويصدموه ويعاقبوه كرد فعل معاكس لخداع المجتمع لهم .

ولم يصبح أمام هؤلاء الشباب إلا طريقين :-

الأول :- البحث عن طرق جديدة للتغيير وإصلاح ذلك الواقع المرير بإعادة أوطانهم المختطفة إليهم بالشكل الذي يحافظ علي الهوية الثقافية والدينية للمجتمع العربي والبحث عن سبل لإصلاح التعليم والعدل كأولي الخطوات التي يرتكز عليها وطنهم المأمول ، وعليهم في ذلك دفع كل غالي من تنكيل وتعذيب وتشريد من أنظمة إستبدادية لا تحترم أي قيم وتعمل علي خدمة الصهيونية بشكل علني .                                                          

 الثاني :- الإرتماء في سلوك نفاقي للأنظمة القائمة يزيده من تحقير نفسه لنفسه ومن تحقيرها بنظر الأخرين ، أو إتباع جماعات متطرفة سواء سياسية أو دينية المسلم منها والمسيحي  ، أو المضي مع جماعات منحرفة أخلاقية ، أو التقوقع بغلظة للدين أو القبيلة أو المهنة ، أو اللجوء الي القوة والعنف كأحد البدائل للتعايش ، أو الإنزواء بعيداً عن الواقع بعزله يؤانسه فيها المخدر أو المسكر .

و أصحاب الطريق الثاني هم الأخطر علي المجتمع العربي لأنهم يخدمون بوعي أو بغير وعي مخططات صهيونية إستبدادية تتحكم فيهم وتسيطر عليهم مستغله كل مشاكلهم الداخلية وتوظيفها لسلب  قدرتهم علي المقاومة والصمود والتغيير .   

  ومن هنا يأتي السؤال الأهم :- كيف يكون المخرج لهذه الأمة قبل السقوط في الهاوية ..؟ فتقفز الإجابة لمن أراد إصلاحاً حقيقياً  في كتاب الرائع عبد الرحمن الكواكبي ( طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد ) وقوله :- ( لقد جعل الله تعالي الإنسان خليفته في الأرض وجعل له مهمة إعمارها والسعي الدائم لحياة أفضل تتحقق فيها سعادة الجماعة لا نزوات الفرد ، وتحقيقاً لهذه الغاية كانت الإستقامة والإعتدال نقيض الظلم والطغيان اللذين يولدان التناحر بين الجماعة ويفسدان وحدتها ويورثاها التنازع والتغالب بشيء من الحيوانية التي تنحط كثيراً عن قدر السلوك الإنساني المفترض إتباعه ) .

وعليه فان التصالح مع النفس العربية ومكاشفتها بكل خطاياها هو مدخل الحل ، بالإضافة لفهم الإختلاف البشري بأنه سنه من سنن الله الكونية وهو دليل في حد ذاته علي وجود الله وعظمته لقوله تعالي :- " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين " سورة هود الآية 118 ، ومن ثم يصبح الحوار والنقاش مطلباً حيويا ًوجزءً هاماً للحل بلا أجبار من طرف علي طرف لإتباع رأي أو فكر أو معتقد واضعين في الإعتبار أنها إرادة الله في إختلاف الناس للطبائع والعادات والثقافات والموروثات والألسُن وطرق التفكير والإعتقاد والمذاهب وأن البحث عن نقاط الالتقاء والاشتراك بيننا كعرب أهم بكثير من البحث عن نقاط الخلاف فالأمر الآن متعلق ببقائنا ووجودنا ، وأن نجاح أي قيادة سياسية يكمن في فن إدارة هذا الإختلاف والتنوع بالشكل الذي يخدم القضية الأولي الملحة للوطن العربي وهي حتمية التنمية الجادة للقضاء علي الفقر والبطالة والجهل ، والتوسع في المشروعات الكبرى التي تجعل الإكتفاء الذاتي للعرب ممكناً من خلال الصناعة والزراعة ، وإعادة التوحد حول عدو هذه الأمة الأوحد والأخطر علي مستقبلها وهو إسرائيل ومن ورائها من قوي الإستعمار ، مع التوقف عن خلق الطبقية داخل المجتمعات العربية  وكذلك سيطرة وإحتكار فئات بعينها أو عائلات بأسمائها علي مقاليد الحكم والسلطة والمسئولية ، مع إعادة توجيه الفن بصوره لكونه أحد عناصر القوة الناعمة في التأثير علي المواطن بالشكل الذي يعزز السلوك الإنساني النبيل ، وإختيار الرموز الدينية والدفع بها علي أساس العلم والكفاءة وأتباعها الوسطية والإعتدال للبعد عن الفرقة والإنقسام ، والتخلي عن روح الإنهزام والإنكسار فنحن أمة إن وثقت بربها وطبقت العدل وتطورت في التعليم والبحث العلمي قادت وسادت ، مع  قبول الآخر من منطق المواطنة وعدم إهانة العقائد الأخرى أو الأقليات حتي لا تتحول الصرعات داخل الوطن العربي إلي صرعات عقائدية أو مذهبية أو قبلية ، وأن الإختلاف المقبول في الإسلام هو ذلك الإختلاف الذي يبتعد عن الرضا أو القبول بالمنكر والمحرم ، مع جعل التنوع السياسي والحزبي مشروعاً بلا إكراه من أحد علي أحد لإتباع نهج حزبي أو نظام سياسي بالقوة وبخاصة إذا كان ذلك النظام يتخذ من الإستبداد والبطش والقهر سبيلاً وحيداً لبقائه ، وعلينا تعليم أبنائنا أن إسرائيل هي عدو الأمة وأنها أداة استعمارية لن تتوقف عن تدمير العرب لتحقيق أحلامها كيفما قال مناحيم بيجين رئيس وزراء إسرائيل الأسبق : ( لن يكون هناك سلام لشعب إسرائيل ما دمنا لم نحرر وطننا بأجمعه من النيل إلي الفرات حتي ولو وقعنا معاهدة الصلح ) .