طفولتي وذكريات جدتي
كل يوم جمعة بالذات تأسرني ذكرياتي مع جدتي لأمي ( رحمها الله) ، كنا أطفالاً نجتمع حولها نتلو القرآن، وبعد أن ننتهي تأخذ منا المصاحف تقبلها وتحتفظ بها في ركن خاص من غرفتها ثم تُقبل أيدينا الصغيرة وتضع فيها نقود كثيرة وشكليت.
كنت أحب أن اغلق عيناي طويلاً عندما أحتضنها، أبقى مغمضة العينين وهي تحكي لي قصص كثيرة حول تاريخ لحج والسلاطين وعادات الناس وقصصهم حتى أنام.
منذ وفاة جدي هي لم تفارق اللون الاسود إلا أنه كم كان يبدو ساحرًا عليها، لملابسها رائحة مميزة جدًا ، مزيح من عطر ( ابوهندة) مع رائحة العود ممزوجة ببخور لحجي مدهش كانت تصنعه بنفسها بطريقة احترافية جدًا . أحاول أن أصنع رائحة مشابهة لملابسي وأفشل دومًا .
سر تلك الرائحة لاتكمن فقط في مزيج تلك العطور اللحجية المهمة بل في تلك الروح اللحجية الطيبة الأصيلة التي تمتعت بها جدتي وورثتها عن أجدادها وأورثتها أحفادها.
للأرواح الدافئة الطيبة رائحة خاصة جدًا تغدو معها لكل الأشياء حولنا رائحة مميزة ما أن تغيب تلك الأرواح حتى يغدو كل شيء عادي مفتقدًا ألقه وسحره الماضي .
من قصص الطفولة المحفوظة في ذاكرتي ماكانت تحكيه جدتي عن اليهود الذين سكنوا مدينة الحوطة قديمًا في حارة لاتزال محتفظة حتى اليوم بتسميتها القديمة (حارة اليهود).
حكت لي مرة عن جدها من جهة الأم (يوسف شاكر) كان رجلاً صاحب أراضي وكريم جدًا من الحبيلين قدِم للحوطة وامتلك تجارة فيها واراضي ، كان إذا سمع عن إمرأة ولدت في مدينة الحوطة أو خارجها سرعان ما يرسل لها اللبن والعسل والسمن. في حين عندما تلد إحدى اليهوديات كان يرسل لها ضعفين ما يرسله للمرأة المسلمة. ياللعظمة.. يا للتعايش، ياللجمال الذي نفتقده وبشدة في واقعنا اليوم.
كان اليهود في مدينة الحوطة يشتغلون في بيع الذهب والتجارة، ومن الطريف ما حكته لي جدتي عنهم أنهم كانوا يضحكون عندما يأتي اللحوج المسلمين يشتروا منهم وزف بينما يشترون هم منهم البيض. كانوا يقولون لهم : "انتم تبيعون لنا نظركم وتشتروا عماكم" في اعتقاد منهم أن البيض يُجلي النظر بينما الوزف يُذهبه.
عاش اليهود في لحج سنوات طويلة في سلام وتعايش، يمارسون طقوسهم، يرتدون ملابسهم ويحتفلون باعيادهم لا بل يشاركهم المسلمين أفراحهم وأتراحهم بكل انسانية ومحبة.
جدتي والتي كانت والدتها من آل شاكر كان والدها من الأعبوس تعز. قدِم طفلاً يتيمًا فاحتضنه اللحوج وربوه وزوجوه ابنتهم فأنجبوا جدتي لأمي والتي تزوجت بدورها تاجر حضرمي متصوف من تريم سآتي على حكايته يومًا ما.
هذه الفسيفساء البشرية العظيمة شكلّت هويتي ببراعة وعلى نحو متين جدًا، سفر التكوين الأول لم تتمكن بشاعة واقع اليوم من النيل منه. قد أنكسر واُحبط كثيرًا كغيري لابل قد أعيش لحظات يأس خانقة ، وحين يحدث كل ذلك أهرع إلى حكايات جدتي ودولابها أدسُ أنفي وسط ملابسها، لتلك الرائحة قدرة خارقة على مدي بالقوة لأصمد وألملم شتات روحي وسط كل هذا الواقع المجنون.
شيماء باسيد
كل يوم جمعة بالذات تأسرني ذكرياتي مع جدتي لأمي ( رحمها الله) ، كنا أطفالاً نجتمع حولها نتلو القرآن، وبعد أن ننتهي تأخذ منا المصاحف تقبلها وتحتفظ بها في ركن خاص من غرفتها ثم تُقبل أيدينا الصغيرة وتضع فيها نقود كثيرة وشكليت.
كنت أحب أن اغلق عيناي طويلاً عندما أحتضنها، أبقى مغمضة العينين وهي تحكي لي قصص كثيرة حول تاريخ لحج والسلاطين وعادات الناس وقصصهم حتى أنام.
منذ وفاة جدي هي لم تفارق اللون الاسود إلا أنه كم كان يبدو ساحرًا عليها، لملابسها رائحة مميزة جدًا ، مزيح من عطر ( ابوهندة) مع رائحة العود ممزوجة ببخور لحجي مدهش كانت تصنعه بنفسها بطريقة احترافية جدًا . أحاول أن أصنع رائحة مشابهة لملابسي وأفشل دومًا .
سر تلك الرائحة لاتكمن فقط في مزيج تلك العطور اللحجية المهمة بل في تلك الروح اللحجية الطيبة الأصيلة التي تمتعت بها جدتي وورثتها عن أجدادها وأورثتها أحفادها.
للأرواح الدافئة الطيبة رائحة خاصة جدًا تغدو معها لكل الأشياء حولنا رائحة مميزة ما أن تغيب تلك الأرواح حتى يغدو كل شيء عادي مفتقدًا ألقه وسحره الماضي .
من قصص الطفولة المحفوظة في ذاكرتي ماكانت تحكيه جدتي عن اليهود الذين سكنوا مدينة الحوطة قديمًا في حارة لاتزال محتفظة حتى اليوم بتسميتها القديمة (حارة اليهود).
حكت لي مرة عن جدها من جهة الأم (يوسف شاكر) كان رجلاً صاحب أراضي وكريم جدًا من الحبيلين قدِم للحوطة وامتلك تجارة فيها واراضي ، كان إذا سمع عن إمرأة ولدت في مدينة الحوطة أو خارجها سرعان ما يرسل لها اللبن والعسل والسمن. في حين عندما تلد إحدى اليهوديات كان يرسل لها ضعفين ما يرسله للمرأة المسلمة. ياللعظمة.. يا للتعايش، ياللجمال الذي نفتقده وبشدة في واقعنا اليوم.
كان اليهود في مدينة الحوطة يشتغلون في بيع الذهب والتجارة، ومن الطريف ما حكته لي جدتي عنهم أنهم كانوا يضحكون عندما يأتي اللحوج المسلمين يشتروا منهم وزف بينما يشترون هم منهم البيض. كانوا يقولون لهم : "انتم تبيعون لنا نظركم وتشتروا عماكم" في اعتقاد منهم أن البيض يُجلي النظر بينما الوزف يُذهبه.
عاش اليهود في لحج سنوات طويلة في سلام وتعايش، يمارسون طقوسهم، يرتدون ملابسهم ويحتفلون باعيادهم لا بل يشاركهم المسلمين أفراحهم وأتراحهم بكل انسانية ومحبة.
جدتي والتي كانت والدتها من آل شاكر كان والدها من الأعبوس تعز. قدِم طفلاً يتيمًا فاحتضنه اللحوج وربوه وزوجوه ابنتهم فأنجبوا جدتي لأمي والتي تزوجت بدورها تاجر حضرمي متصوف من تريم سآتي على حكايته يومًا ما.
هذه الفسيفساء البشرية العظيمة شكلّت هويتي ببراعة وعلى نحو متين جدًا، سفر التكوين الأول لم تتمكن بشاعة واقع اليوم من النيل منه. قد أنكسر واُحبط كثيرًا كغيري لابل قد أعيش لحظات يأس خانقة ، وحين يحدث كل ذلك أهرع إلى حكايات جدتي ودولابها أدسُ أنفي وسط ملابسها، لتلك الرائحة قدرة خارقة على مدي بالقوة لأصمد وألملم شتات روحي وسط كل هذا الواقع المجنون.
شيماء باسيد