صنعاء والحراك النسوي!

الأكبر الشيخ صادق مرابطا وحيدا في بيت أبيه في الحصبة , البيت الذي كنا نمرق من امامه كالسهم مخافة من حراسة شيخ مشايخ اليمن من أبناء حاشد ذوي الرؤوس المسربلة بالشعور الطويلة, الحراسة التي لطالما اشتبكت مع قوات النجدة ووزارة الداخلية اليمنية وقتلت جنودها فجأة هرب أولئك المتوحشين ذوات الشعور الطويلة وهربت حاشد بجلالة قدرها وانفضت رجالها من حول أولاد الشيخ الراحل عبدالله الأحمر.. ليقمن فيما بعد مجموعة من النسوة الصنعانيان بواجب التضامن مع الشيخ صادق الذي ظهر حينها وهو يتوسط صورة الوقفة النسائية التضامنية معه , وقفة نسائية تضامنية مجانية نيابة عن حاشد ورجالها.. وفجأة اصبح الكل في صنعاء يدعوهم ب"جهال الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر" كما كان يحلو لصالح ان يدعوهم!.. بعد الوقفة النسائية التضامنية مع الشيخ صادق بن عبدالله الأحمر أقصى ما استطاعت صنعاء ان تفعله تجاه غطرسة وظلم واستبداد الحوثيين وتنكيلهم بصنعاء وأهلها واختطافهم لشبابها والزج بهم في السجون ان شكلت "رابطة أمهات المختطفين"! لاحظوا ان هذه الرابطة نسوية أيضا!.. أين هم الرجال اذن؟! اين اخوان وآباء هؤلاء المختطفين المخفيين قسريا من قبل المليشيات الحوثية؟!

بالتأكيد انهم ليسوا حتى في تباب مأرب ونهم في أضعف الإيمان!.

وكأن كل هذا التضامن النسوي لم يكن دليلا كافيا يبصرنا حالة الضعف والخنوع التي وصلت إليها صنعاء بحاشدها وبكيلها وبقضها وقضيضها, حالة ضعف وخنوع للجماعة السلالية الحوثية لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيل إلا فيما كتبه عنها المؤلف ضابط الاستخبارات البريطاني الجنسية "جون وايمان بيوري" الذي ادعى اسلامه ومنح نفسه اسم " عبدالله منصور" في أوائل القرن العشرين عندما مر بها ومكث فيها في العام 1914م, إليكم هذا الاقتباس من كتابه ترجمة : د. سيد مصطفى سالم:-

 

وحتى الان لم تستطع صنعاء أبدا ان تحدد سياسة ، أو تتخذ موقفا حازما إلى جانب مثلها العليا، لكنها بالأحرى قد استسلمت للقوى الخارجية بدون مقاومة، وهي مستعدة أبدا للتودد لصاحب السلطة العليا لتنقذ نفسها.

والان قد بدأت تشعر بالقبضة القوية للشريعة التي استخدمها الإمام للسيطرة عليها . وقد رحبت صنعاء بالاتفاقية دعان وأكدت تسلط الإمام عليها بإيقاد المشاعل فوق المنازل وبالحشود ذات الهتافات العالية. أما الضباط الأتراك الذين قدموا مع عزت باشا لفك حصارها منذ سنوات مضت فهم الان يُسبون ويلُعنون من قبل التجار الكبار الذين يتقربون إلى الإمام الان ويفهمونهُ بأن موقفهم من الأتراك إنما كان من الأمور السياسية فقط، رغم أن التاريخ قد علمهم ماهي الكوارث التي جرها عليهم الإمام.

إنهم يجدون الان أنهُ من المناسب أن ينسوا كيف كانوا يبكون ويفركون أيديهم ألماً عندما كشف الفجر الرمادي عن أتباع الإمام يندفعون في حشد كبير بين أشجار الأثل في سهل صنعاء، بينما تدوي مدافع الأتراك من فوق أسوارهم لحماية المدينة.

والان تسخر صنعاء من حكم الأتراك ، وتضع الإمام على قمة الوطنية التي لم تكن من صفاته أبداً.

وهي في زهوها هذا ، فإنها تعتقد أنها محرمة لا تنتهك( هجرة) فهي دائما تتضاءل في قبضة عدوها ، لذلك تضمن لنفسها علاقات طيبة. وحتى الان مع وسائل دفاعها غير المناسبة، فإنها لم تكن أبداً أكثر تعرضا للهجوم مثل هذه الأيام ، حيث قامت المؤسسة التجارية الجديدة بتسليح رجال القبائل البعيدة بالأسلحة الحديثة.

لقد تذمرت صنعاء من الترك، وفشلت في أن تفهم بوضوح أن فرق الترك العسكرية هم حماتها الوحيدون لأن الإمام بدون المساندة العثمانية العثمانية سوف يكون مثل العود المكسور يوم تقوم الاضطرابات القبلية .

وأهالي صنعاء لا يميلون إلى الحرب، وأيضا يتسمون بالحقد، وهم مستعدون دائما للفتنة والعصيان ، ومع ذاك فهم ينكمشون أمام عواقبها الدموية.

هناك تقف المدينة في عزلتها وتكبرها مثل بقرة سمينة وسط الذئاب ، ترقبها بحدة من بعيد القبائل السنية المولعة بالحرب من أجل سلبها ونهبها ، بينما تنظر إلى عظمة صنعاء القديمة وكأنه مجرد زهو أجوف ، وإلى سكانها بأنهم ليسوا أخسن حالاً من الملاحدة. انتهى الاقتباس.

 

ويأتي اليوم من يتفاجأ منا بالتظاهرة النسوية التي أقيمت في ميدان السبعين للمطالبة بجثمان صالح والمتضامنة مع ذويه !.

لا لا تتفاجؤوا فالحقيقة ان كل هذا التضامن والحراك النسوي في صنعاء ظهر من وقت مبكر لم نكن فيه نتفحص أعيننا ونراه, وهو الحراك الذي لم يكن له ان يكون لو ان هناك حراكا رجاليا في صنعاء بحق وحقيق يرفض الظلم والاستبداد الحوثي. ولم يكن له ان يكون ايضا لولا انه يتكئ على حرمة المساس بالمرأة في الثقافة المجتمعية اليمنية حيث كنا سنشهد حادثة خنوعا مجتمعيا كليا بدلا عن هذا الخنوع الرجالي النصفي.