المواجهة الجادة مع انفسنا نحن كجنوبيين

قواعد الاشتباك مع القاعدة!

 تعتبر التنظيمات الارهابية من وجهة نظري الشخصية واحدة من أهم أدوات اجهزة المخابرات الدولية التي تستخدم من قبلها بطريقة مباشرة او غير مباشرة في هذه البقعة من العالم او تلك لغرض تحقيق " اهداف سياسية " بطرق غير تقليدية . ولعل التاريخ يؤكد لنا حقيقة ان " الدين " غالبا ما كان اداة للسياسة على مختلف العصور اما للتبرير واما لصناعة الحدث . ولن احتاج هنا الى سرد العديد من الأمثلة التي تؤكد هذا الشأن في سياق تاريخنا العربي القديم والحديث حتى .

 

     وربما يتبادر الى ذهن القارئ الكريم للوهلة الاولى انني امهد الى التأكيد على ما يسمى ب" نظرية المؤامرة " ودورها في الفعل في عالمنا عالمنا العربي امام ارادة سياسية شبه معدومة على المستويين القيادي والشعبي , لكنني هنا وعلى الرغم من امكانية الحديث عن هذه النظرية لن انحو في هذا الاتجاه " التبريري " وانما سوف اتجه الى الحديث بواقعية شديدة تستند الى رصد أحداث من الواقع الذي نعيشه واخضاعها لفحص منطقي عقلاني من شأنه ان يضع هذه الوقائع امام مجموعة من الاسئلة التي يمكن ان تقودنا في نهاية المطاف الى معرفة من أين اتى هذا الداء الذي نسميه " الارهاب " وما يحيط به من عوامل كثيرة تتسبب في تواجده بيننا بهذه الكيفية المخيفة التي باتت تهدد حتى مصيرنا الوطني.

 

    وقبل ان الحديث فيما نود الخوض فيه على مستوى وجود القاعدة والتنظيمات الارهابية في الجنوب وامكانياتها ودورها التخريبي المشبوه , نود ان نطرح السؤال التالي : هل هذه التنظيمات الارهابية المتواجدة بيينا اليوم بهذه الكثافة  في اصل نشأتها " صنيعة " مخابرات دولية ام انها تشكلت من رحم ثقافة دينية ذات سمات محددة دون وجود لأي تأثير كان لأجهزة المخابرات عليها ؟! .. على اعتبار ان هذا السؤال المحوري سيربط ذهنية اي شخص عادي بتلك الحملة الكثيفة جدا التي " نظمتها " ورعتها ومولتها واشرفت عليها اجهزة مخابرات اقليمية ودولية في ثمنينيات القرن الماضي حينما دعي حينها ب " حي على الجهاد " في افغانستان لاخراج الشيوعيين الملحدين من ديار الاسلام ! وحينها تبنت " المخابرات الامريكية " الخطاب الاسلامي الجهادي بنفس الدرجة التي تبنته الدول الاسلامية المشاركة في حملة الجهاد ضد الوجود السوفييتي في كابول . ما يؤكد ان " علاقة " التنظيمات " الجهادية " التي سميت بعد ذلك بالتنظيمات " الارهابية " هي علاقة وثيقة وعضوية ولا تقبل الجدل !

 

   والملاحظ انه حتى مع تحول الخطاب الرسمي الدولي تجاه هذه التنظيمات الى خطاب عدائي  ذا طابع مواجهة دموي بعد انتهاء مهمتها في أفغانستان , الا ان امكانية " الاستفادة " منها في هذه الحالة او تلك بقيت كما هي لم تتغير حتى بالنسبة للمخابرات الامريكية التي تكبدت خسائر جمة في احداث 11 سيبتمبر ! فشاهدنا جميعا ان شعار حي على " الجهاد " لم يتوقف عند تجربة افغانستان وانما تجاوزها بعد الى ذلك الى مناطق اخرى في عديد من الدول التي شهدت ما سمي ب " الربيع العربي " !! ... وربما ان السيد الأمريكي / جيفري فيلتمان  واحدا من القلائل جدا الذين يعلمون " علم اليقين " العلاقة الوثيقة جدا ما بين هذه " التنظيمات الارهابية " واجهزة المخابرات بشكل عام !

 

    لن استرسل في تقديم وقائع كثيرة تثبت بالدليل ان القاعدة وداعش وغيرها من التنظيمات الارهابية كانت ولازالت ذات علاقة وثيقة باجهزة المخابرات الدولية وانها اداة رئيسية من ضمن اداوتها ؟ وهذه حقيقة اعتقد انه ينبغي ان تكون القاعدة رقم واحد ضمن قواعد الاشتباك لنا كجنوبيين مع هذه التنظيمات الخطيرة ! كما ان هذه القاعدة الاولى تشترط ان تكون ثابتة الى حد اليقين لدى من يريد فعلا ان يحارب الارهاب او حتى يتعرف على هويته والظروف المحيطة به , لأن ما سوى ذلك يعني " السذاجة " بعينها ! على اعتبار أن " الارهابي " الذي اراد أن يفجر نفسه في المنطقة ( أ ) يستطيع ايضا ان يقوم بالعمل نفسه في المنطقة ( ب ) . ولكن اختياره للمنطقة ( أ ) لم يأتي لسبب او لمبرر ديني وانما اتى لضرورة او لهدف سياسي قد يكون الانتحاري المعتقد انه سيذهب بعد التفجير  الى الجنة غير مدرك له ولكن الذي وجهه من قياداته العليا لديه وحده من بينهم الخبر اليقين بذلك .

 

   في هذا الشأن وكما اسلفت يمكن الاسترسال بتقديم حزمة كبيرة من الأدلة والبراهين التي تثبت وجود " علاقة نفعية " مابين هذه التنظيمات واجهزة المخابرات او بالحد الأدنى نوع من تبادل الصالح وتقديم الخدمات ! ... ساعدني في هذه المنطقة او في هذه الدولة وسوف اساعدك بما تحتاج اليه من مال وعتاد ودعم لوجستي وربما " حماية " اوعلى الأقل غض الطرف عن نشاطاتك ! وعلى ان تتم هذه العلاقة في مسارات شيطانية عديدة تدخل فيها " الشركات " والاموال والاجهزة والمخبرين وحتى المسؤلين , وتبدو العملية في ظاهرها عادية او كأنما هي نوع من الحرب مابين الطرفين في حين انها في جزء كبير منها ليست كذلك وقلة قليلة من هذه الجيوش الموظفة من يدركون حقيقة الأمر ... القضية برمتها تعتمد على السرية وهل يمكن القول ان " السرية " ليست الا الشرط رقم واحد لأي جهاز مخابراتي في العالم .. اليست السرية هي هواء اجهزة المخابرات ومائها وسر بقائها ومكمن نجاحها ؟!

 

     نكتب هذا الكلام في ظل وجود هذه " الآفة " اليوم كواحدة من ابرز العوامل الخطيرة التي تجابه مشروعنا الوطني في الجنوب الرامي الى تحقيق الاستقلال واقامة الدولة الجنوبية الحرة كاملة السيادة على ارضنا المعروفة بحدود 21 مايو 1990 م ! نقول هذا الحديث ونحن نعلم يقينا ان السياسة الاقليمية والدولية التي لم تحدد بعد مستقبل الجنوب , تعمل على ان لا يتحدد " ذاتيا " من خلال أبناءه فلا تجد وسيلة ل " تأجيل " ذلك الا من خلال تفعيل دور هذه الافة الخطيرة التي تلتقي في مصالحها مع مختلف الاطراف التي كانت تحتل الجنوب سواء تلك التي تحكم صنعاء اليوم او تلك التي تتخذ لها مقرات في خارجها , وهنا علينا ان نلاحظ بسهولة ان هذه الجماعات الارهابية كانت قد تلاشت تماما اثناء ما كانت قوات المخلوع والحوثي تسيطر على مختلف الاراضي الجنوبية بما فيها العاصمة عدن , فلم يسجل لنا التاريخ القريب حادثة واحدة تقدم فيها انتحاري واحد ممن يرجون ملاقاة الحور العين الى نقطة تفتيش امنية واحدة للحوثيين في عدن او في اي منطقة اخرى في اي محافظة جنوبية في تلك الفترة  كما يفعلون كل يوم تقريبا في مواجهة من يصفوهم ب" المرتدين " عن الدين بحسب تعريفهم من الجيش اليمني من الجنوبيين ! كما ان هذا الجهاد ضد المرتدين , والذي يضرب نقاط التفتيش الجنوبية والتجمعات العسكرية لم يخطى مرة واحد بالذهاب الى تجمع في الشمال او حتى الى نقطة تفتيش حتى في محطة السليم  ببيحان ! لكن هذه المحطة يمكن ان يتحول القائمون عليها الى هدف انتحاري في حال تحررت وباتت تحتكم لنقطة تفتيش جنوبية !.

 

     يأتي التساؤل في سر عدم مواجهة " القاعدة " والتنظيمات الارهابية في معقلها بمثابة " القاعدة الثانية " من قواعد الاشتباك ! على اعتبار ان مراكز التدريب الخاصة بهذه التنظيمات خاصة في ابين معروفة للجميع ! وهي متاحة للتعامل العسكري بسهولة جدا , كما ان العناصر التي تتواجد فيها تظهر جهارا نهارا وامام الملأ .. تتحرك كما تريد , وتحصل على الدعم المادي الذي تريد من خلال " تحويلات مالية " معروفه مصادرها , وتتدرب بالكيفية التي تريد , وتحكم سيطرتها على المناطق التي تريد , وتضرب من تريد وفي الوقت الذي تريد ؟ ثم يأتي من يلقي باللوم كل اللوم على قائد الحزام الأمني المسكين في ابين وحده !!! في حين انه كان الأحرى بهؤلاء ان يسألوا الرئيس هادي وحتى قوات التحالف لماذا لا تقوم طائرات عسكرية بدك هذه المعسكرات في طلعات قليلة كما حدث ذات يوم حينما أخطأت القوات الامريكية في ضرب قرية المعجلة  ؟! فلماذا " لا تخطىء " اليوم ايضا وتقوم بضرب المعسكرات المعروفة بدلا من ضرب قرى السكان طبقا لمعلومات مغلوطة ؟! .. أو لماذا لا تقوم حملة عسكرية برية كبيرة مصحوبة بتغطية جوية من طائرات الاباتشي بضرب هذه المعسكرات كعملية الرمح الذهبي او الفضي او حتى الحلزوني ؟ ... ولماذا لا يجري الحديث الجدي المسئول مع القبائل المتورطة في ابين وشبوة مع هذه التنظيمات من حيث تقديم التسهيلات لها او من حيث السماح لابنائها بالانخراط فيها ؟! بدلا من عقد اتفاقيات هزيلة مع هذه القبائل لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تؤمن عسكري مسكين يقف وحيدا لا حول له ولا قوة هناك.. لماذا تتعامل الحكومة الشرعية مع هذه التنظيمات وكأنها " لا تعنيها " .. ولماذا تسمح لها كل يوم ان تقتل ابنائنا البواسل بطريقة جبانه تحت جنح الظلام من خلال مداهمات لسليلة خسيسة لهذه النقاط الأمنية ؟  .... من يستطيع اليوم من المسئولين الجنوبيين ان يخرج امام عامة الناس ليقدم لنا اجابات مقنعة عن هذه الاستفسارات التي طرحت ؟  لأن عدم تقديم اجابات مقنعة عن ذلك يطرح امامنا شكوك فعلية ان كانت هنالك فعلا جدية في محاربة الارهاب ام لا !

 

   القاعدة الثالثة ضمن قواعد الاشباك مع تنظيم القاعدة جنوبيا تتعلق بعدم امتلاكنا ك " كجنوبيين " مركز معلومات متكامل يستطيع ان يقدم لنا المعلومات الدقيقة جدا عن هذه التنظيمات الارهابية من حيث اماكن تواجدها ! عدد افرادها تقريبا ! نوعية تسليحها ! مصادر تمويلها ! من هي قياداتها ؟ ومن هي اصلا ؟ وماهو تاريخها ؟ .. والعديد من المعلومات التي يمكن للمسئول الجنوبي ان يمتلكها كقاعدة بيانات اولية يستطيع من خلالها ان يقدم نفسه " شريكا " في محاربة الارهاب للعالم الذي يقول انه يحارب الارهاب ! وهنا ربما يقول لي شخص ما ان لدينا في هذه المرحلة ما يكفي من معلومات عن هذه الجماعات ! لكن الحقيقة تقول ان " غيرنا " وليس نحن من يملك هذه المعلومات ! ومن العار والعيب الكبير الا نكون نحن ابناء الارض من يملك هذه المعلومات التي هي بحوزة آخرين في نفس الوقت !

 

   القاعدة الرابعة تتعلق بما يمكن ان نسميه بالمواجهة مع الذات .. المواجهة الجادة مع انفسنا نحن كجنوبيين من حيث علاقة قبائلنا وابنائها بهذه التنظيمات وانخراطهم فيها , خاصة ونحن نعلم ان القبائل ( س ) و ( ص ) و ( ع ) على سبيل المثال لها علاقة اكبر من القبائل ( أ ) و ( ب ) مثلا .. ! فان كانت هذه القضية واضحة ونحن نبحث عن امن واستقرار في جنوبنا الحبيب , فلماذا لا تحدث مواجهة مع هذه القبائل من خلال المجاهرة والمكاشفة والمناصحة من حيث تخييرهم اما  وقفوهم مع الامن ومع الدين الحقيقي او مع الارهاب والقتل والتخريب .. نحن بأمس الحاجة الى المواجهة القادرة على سبر عمق هذه العلاقة , وسر وجودها مع امكانية ايجاد البديل لها في حين تكشف ان " الحاجة " كانت ولا زالت هي السبب الرئيسي لهذه العلاقة المضرة ! ... هل شاهدنا في يوم ما وفدا جنوبيا من المسئولين والمثقفين يجري حوارا جديا .