عبده النقيب يكتب لـ(اليوم الثامن):
شاي بطعم "العصملي"
في مشهد يكاد يصيبنا بالخبل والانشداه قام الرئيس التركي رجب طيب أردوجان بزيارة تاريخية غير مسبوقة إلى السودان في جو يشوبه توترا في العلاقات التركية الإماراتية السعودية. السودان الوحيدة التي قدمت اكثر من الف قتيل في معركة التحالف العربي جلها قضت بنيران صديقة مثلها مثل المقاتلين الجنوبيين وقياداتهم الذين تلقوا الطعنات من طيران الأصدقاء أثناء معركة تحرير الضالع وأثناء التقدم لتحرير العند ثم المجزرة التي تلتها في كرش والتي قضي فيها القائد عمر الصبيحي حياته وكذا القائد احمد سيف اليافعي وكثيرين في المخا وباب المندب وهلم جرا.
قبل عدة سنوات تخلت السودان عن علاقاتها بإيران وأنظمت للتحالف العربي تحت الوعود بمد يد العون المالي وتحت إلحاح الضائقة الاقتصادية له, لكن السودان رغم الدماء الغزيرة التي سكبها جنودها في جبهات القتال المختلفة في اليمن قوبلت بالجحود والتنصل لكل الوعود التي قدمتها لها دول التحالف العربي ليس هذا فحسب بل أن السودان تعرضت لضغوط كبير من خلال مد الحركات المسلحة في إقليم دارفور بالسلاح والأموال في غرب السودان والعبث بالأمن السوداني عبر البوابة الليبية مما دفع بالسودان إلى الاستنجاد ب روسيا في زيارة قام بها الرئيس السوداني في منتصف نوفمبر الماضي تلتها زيارة الرئيس اردوجان إلى السودان ثم انعقاد اجتماع امني ضم كلا من رؤساء أركان جيوش قطر والسودان وتركيا وتوقيع اتفاقيات امنيه وعسكرية ثنائية بين كل من السودان وقطر وبين تركيا والسودان قدمت خلاله السودان ميناء سواكن الهام على البحر الأحمر في تحول جذري له ما بعده.
مشهد جديد يتشكل مضمونه تفكك التحالف العربي وبروز تحالفات جديدة أساسها الكتلتين الإيرانية والتركية, القوتين الإقليميتين اللتان يسعيان إلى تقاسم المنطقة جنبا إلى جنب مع الدولة العبرية. دول كثيرة ستنضم بشكل أو بآخر إلى أي من الكتلتين هما سلطنة عمان والأردن والكويت وتونس والصومال وغيرهما وقد بدا التنسيق بين الكتلتين الإقليميتين اللتان سيصلان إلى تفاهمات فيما بينهما حول تحديد مصالحهما وتقاسم مناطق نفوذهما في المنطقة العربية والقارة السمراء. يأتي بروز دور جماعة الإخوان المسلمين في اليمن في هذا الظرف نتيجة لتصاعد دور العثمانيين الجدد الراعي الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين, حيث اجبر التحالف العربي مكرها على تمكينها من بسط هيمنتها السياسية والعسكرية على حساب مصالح الجنوبين في محاولة عبثية لإحتواء هذه الكتلة الشريرة التي تخيفهم وتبتزهم وتستغل التخبط السياسي لديهم أيما استغلال.
ستنتهي عاصفة الحزم إلى خراب اقتصادي وسياسي واجتماعي تاريخي غير مسبوق لليمن شماله بجنوبه ودول المنطقة أيضا وتفكك مجلس التعاون الخليجي وسقوط اليمن تحت نفوذ فارس والباب العالي وصعود المشروعين الإقليمين الفارسي والتركي وتبيان عدم وجود المشروع العربي الذي اعلن عنه هاني بن بريك وصعود أنين شعب الجنوب المكلوم المضرج بدمائه جراء الطعنات الغادرة للتحالف العربي له.
من الغباء أن لانقرأ ونستخلص ثم نبحث عن مكان بلدنا ومصالحها داخل هذه المعمعة ثم ننطلق في حراكنا السياسي نحو البحث عن تحالفات تخدم مستقبلنا بعيدا عن ترديد شعارات وبيانات الاستجداء والمظاهرات المليونية.
لاشك أن مستقبلنا مرهونا بالوحدة الوطنية الجنوبية التي تتحقق فقط عبر السير خلف قيادة سياسية قادرة على تحمل هم الجنوب وعلى توحيد مختلف قواه السياسية, توجهها نحو خوض المعركة الوطنية في الدفاع عن المصالح العليا للوطن, وهذا هو الذي دفعنا إلى تأييد فكرة قيام المجلس الوطني الانتقالي دون تحفظ. ولكن عندما يقف المجلس عند حدود إصدار البيانات وتشكيل الهيئات التي "لاتهش ولاتنش " والاحتماء خلف سياج "نحن الممثل الشرعي للجنوب والمفوّض الأوحد" بدلا من العودة السريعة للشارع الجنوبي وقواه السياسية ليضعه أمام المسؤولية قبل فوات الأوان, فإننا لن نكتف بالإعلان عن أن المجلس لا يمثلنا ولكن سنسعى لمحاسبة من تصدوا للمسؤولية دون كفاءة تحت طائلة خيانة الأمانة قبل أن يتحول من يدعوا تمثيلنا وخدمتنا إلى راحلة تحمل مستقبلنا على ظهرها إلى سوق النخاسة وسوط يسومنا سوء العذاب.