بدر قاسم يكتب لـ(اليوم الثامن):
ثرثرة عند البقالة!
هكذا أنا دائما ما ألقي التحية والسلام على شخص ما يثرثر في السياسة مع راعي البقالة التي تقع في ركن الحي. وهكذا هم الناس هنا في عدن يتناولون السياسة مثلما يتنفسون !.
هذه المرة كان الشخص المثرثر رجل في مقتبل العمر يصدح بصوته الجهوري وكأنه ضيف حل لتوه على قناة الجزيرة وعلى برنامج الإتجاه المعاكس ..لقد بدا وكأنه معجب بصوته الجهوري , أو كما يحلو للعدانية ان يقولوا :كان يجرب صوته!.. وربما يجرب ثقافته أيضا على راعي البقالة الذي يحاول في خضم انشغاله بالزبائن ان يتصنع اكتراثا لما يقوله هذا المثرثر , اكتراث مصطنع مكون من: بسمة متكلفة و إيماءة رأس اعتيادية تعلم يوزعها راعي البقالة على هكذا أشخاص دائما مايمرون على نمط حياته اليومي !.
ولما كانت ثرثرة هذا الرجل ثرثرة سياسية استثنائية فقد استمعت لها باهتمام بالغ وتركت شأني الذي قصدت البقالة لأجله , حيث كانت ثرثرته السياسية بنائة وجميلة فهي تحث على ضرورة اعتماد الجانب الحكومي على مبدأ الشفافية المطلقة في الجانب الإداري للبلد , ومن مبدأ الشفافية يأتي مبدأ الثواب والعقاب ومن ثم يأتي ضبط وحزم أداء العنصر الحكومي..أيوه نعم الشفافية مهمة جدا .. وقد أخذ الرجل يسرد ويعدد الأمثلة تلو الأمثلة من شفافية حكومات الدول المتقدمة , الأوروبية و الغربية والشرقية.. حتى انتهى به المقام إلى عرض شفافية الحكومة الاسرائيلية التي أودعت رئيس وزرائها السابق إيهود اولمرت السجن على خلفية قضايا ومخالفات !..
عند هذا العرض الشيق انتهت مرافعة الرجل القانونية التي ماكان ينقصها الا تصفيقنا الحار أنا وراعي البقالة المشدوه بعمله.. لذا تأدبا مني وتكريما لحواره الشيق أصريت على ان يقضي حوائجه من البقالة قبلي خصوصا وان راعي البقالة كان ينتظر مبادرة احدنا بالطلب.
واخيرا أخرج الرجل من جيبه ورقة بقائمة الطلبيات وأخذ يطلب ويسمي بصوته الجهوري الحاجة تلو الحاجة ..الرجل يطلب ويسمي وراعي البقالة يلبي ويجلب.. وهكذا إلى ان بقيت للرجل حاجة أخيرة سرّها ولم يجاهر بها..
لقد أشار لراعي البقالة بأن يدنو منه ويقرأها هو بنفسه من الورقة!.
نظر راعي البقالة في الورقة وقرأ الحاجة فتبسم ابتسامة خجولة ثم غطّى ولف حاجة الرجل الأخيرة بجريدة من الجرائد المحلية التي تنضح بالحديث عن الشفافية وأودعها كيس بلاستيكي أسود!.
هل تعرفون ماهي حاجة الرجل الأخيرة الملفوفة بجريدة "جرنال" وموضوعة في كيس بلاستيكي أسود؟!
إنها ليست زجاجة خمرة!
إنها دستة حفاظات نسائية!..ليست محرمة!.
ولا أرى في طلبها من البقالة بكل شفافية عيبا!.. ومع هذا تحرج الرجل ولم يتحلى بالشفافية عندها.. الشفافية المطلقة التي يطلبها من الحكومة!.. هل تذكروها من ثرثرته؟ !.
إنها الحاجة "القشة " التي أحالت ثرثرة الرجل وحديثه عن الشفافية إلى هراء ودجل..وهي أيضا الحاجة التي دائما ماتحيل مجتمعنا اللاشفاف إلى مجتمع مثرثر ليس إلا!.
أخيرا لقد آمنت ان الشفافية السياسية ينبغي ان تستند على شفافية مجتمعية حقيقية وهذه الأخيرة يفتقدها مجتمعنا..لذا ففاقد الشيء لايعطيه!.
........
بدر قاسم محمد