نبيل الصوفي يكتب:
ثلاث سنوات من صمود اليمن
شيئ واحد يحق للحوثي التفاخر به، وهو أن اليمنيين في مواجهته ليسوا جبهة واحدة ولا حتى تحالفاً واحداً.. ثمة انقسامات حادة.. ثم اختراقات خطيرة جداً.. والصوت العالي هو صوت مشابه للحوثي، هو نقيض له نعم، لكنه ليس مختلفاً عنه، فقط نقيض يسير بنفس خطا الحوثي ووعيه وخطابه. ونحن الذين قاتلنا ثلاث سنوات محاولين بناء جبهة وطنية متعددة بين المؤتمر والحوثي، ولكن متماسكة لم نعد شيئاً مذكوراً.. هناك جهد عسكري يتم تنظيمه لكن الخلل ليس في العسكر ولا في الحدث الحربي.. الحوثي اليوم أصغر من أن يقال عنه أنه طرف حربي.. لم يعد له وجود في الجبهات.. كل الجبهات تنتظر دوماً القرار السياسي وحين يتخذ لايكون أمام الحوثي إلا أياماً وينهار.
لكن الأطراف المواجهة له ليست موحدة ولا لديها الاستعداد لتتفهم ظروف الحرب. تموت الجمهورية اليمنية.. لا أتحدث عن موتها بيد الحوثي، فدولة الحوثي لم ولن تقبل عبء هذه الجمهورية اليمنية، هي قامت ضدها وأسقطتها قطعة قطعة.. ولكنها تموت في الضفة الأخرى.. فالشرعية لم يحدث فيها أي تغيير يجعلها ذا قيمة.. لاتزال كما كانت وهي في سلطة الرئيس الشهيد علي عبدالله صالح، مجرد تحالف للمصالح والفساد والتعيينات. لكأنه لم يحدث شيئ.. لكأنه لم تحدث ثورة تدعي السعي للتغيير.. لكأنه لم تهرب الشرعية جماعات ووحدانا أمام مسلحي الحوثي وهم مجرد مجاميع مسلحة، ولم يضطر الإقليم للتدخل قبل أن يسيطر الحوثي على اليمن ويسلمها للسياسة الإيرانية المعادية للمنطقة ودولها..
تخيلوا شرعية ترى المحيط العربي يتلقى دعماً دولياً لكبح هوس جماعة تأتي من خارج التاريخ، ليؤمن المنطقة.. ثم تشكل هي جيشاً كأنه الفرقة الأولى مدرع.. وتوزع المناصب بأسوأ صورة كانت ثورة التغيير تقول إنها قامت ضده في عهد الرئيس علي عبدالله صالح.. شرعية تقول للإقليم إنها هي طريق الحوثي المستمر.. لن تقوم بأي التزامات للمنطقة إلا عبر آلية الفساد هذه التي كانوا يقولون إنهم ضدها في عهد الرئيس الصالح. هل تريد هذه بناء الثقة مع الإقليم أم التأكيد له أنها قوى فساد.. وأن تدخله في اليمن عبء كبير عليه لأنه يتحالف مع هكذا شرعية.
شرعية يتولى قسم كبير منها التهريج الثابت عن "الاحتلال الإماراتي"، وقريباً سيضيفون "الاحتلال الإماراتي السعودي".
كانت هذه جملتنا ونحن في صنعاء.. كان يمكن فهم قولها كسياق باعتبارنا حلفاء الحوثي.. أما من هرب من الدولة وكاد يتركها للحوثي كلية، ثم حين جاء التحالف العربي ولف هذه المناطق، ويبذل جهده الآن لتوازن حربي ليس بين حلفائه وبين الحوثي، فهذه لاقيمة لمعسكر الحوثي إطلاقاً أمامها.. لكن توازن بين قوى العداء للحوثي.. هنا يجب منع الإصلاح من الانفراد.. هنا يجب معالجة الإرث السلبي السيئ الذي سببه تعامل المركز الذي ادعى الوحدة ضد الجنوب.. هنا يجب تقوية مجتمع تهامه دون أن يصبح الحراك التهامي سوطاً ضد الاستقرار.. وهنا يجب أن لاتصل صواريخ الحوثي إلى مأرب.. وهنا يجب أن يتم تطهير القاعدة.. وهنا القبول بالسلفيين.. وهنا يجب بناء قوة أمنية لأجل لحج.. وهنا يجب تعويض هروب الشرعية إلى الفنادق..
عمل مجهد للغاية، سيكذب من يقول إنه كامل.. لكنه جهد كبير جداً جداً.. حين تعترف به وتتبعه في الواقع ترى عملاً جباراً فيه الكثير من النجاح.. وفيه تحديات عاصفة تكاد كل يوم تهدد بهد البلاد على ساكنيها..
كيف لمن يقول إنه ثار على علي عبدالله صالح مدعياً أنه لم يكن يحترم الواجبات الوطنية.. أن يتصرف بهذه الخفة لمجرد ارتباكات صغيرة، هذا يريد منصباً هنا.. وهذا يخاف أن يكون النصر على حسابه.. وهذا لأنه يريد دخول القبر وهو لايزال مؤثراً في منصب مهم.. وهذا لأن أباه كان فاعلاً.. لأجل كل هذا يمكن للحوثي أن يحتفي..
أما غير ذلك، فعن أي صمود يتحدث الحوثي؟ صمود ولم تعد صنعاء إلا شوارع من خراب.. في كل مكان منها يمن حزين مقهور لم يتركه الحوثي حتى كي يصمد..
صمود وصنعاء صارت سجناً كبيراً من العدوانية ضد الدنيا برمتها.. يحث له الحديث عن الصمود أن قال إنه أكبر مرض يتماسك في مواجهة كل أسباب العلاج.. لن يقبل العلاج إلا بالبتر.
كيف يتجرأ الحوثي على الدعوة للاحتفاء في صنعاء بصمود مزقه هو شر ممزق؟
شبوة صامدة.. حضرموت صامدة.. عدن.. مأرب.. تعز.. تهامة.. لحج.. أبين.. والضالع.. هذه كلها صمدت ضد الصلف الحوثي، وخلاعة شعاراته عن الدولة والوحدة.. ولو لم تصمد لكانت اليوم تقيم الحواجز ضد كل مواطن يمني يأتي من مناطق سيطرة الحوثي. حضرموت فتحت أبوابها لتجار صنعاء، أتحدث عن التجار المرتبطين بقوت الناس الذين يمكنهم العمل في الظروف العسيرة، أما التجار الذين أرادوا دولة فإذا يحلون مشكلتهم مع الحوثي أو مع الشرعية في الرياض.. أما حضرموت المكلا أو الشحر.. كما بعدها الوديعة أو شحن أو عدن تالياً.. كلها صمدت كأنه ليس هناك حوثي أرعن يهدد المنطقة بالويل والثبور ومعه الرئيس السابق وأنصاره بمئات الآلاف يرون كل المناطق عاقة لصنعاء وتستحق التأديب.. وكان كاتب هذا من ضمنهم.
لكنها لم تكترث.. صمدت وقالت حتى لمن تعرف أنه حوثي ولكنه يجلب بضاعة من هنا أو يبيع هناك.. لم تقل لها شيئاً.
صمدت تعز، موجوعة وهي تسمعنا في قلب صنعاء نرى كل شيئ فيها ضد اليمن.. تجمعت عليها الجماعات المتطرفة من كل صوب.. ونحن نقول إنها تستاهل وإنها أساس الخراب في اليمن كله.
صمدت تهامة.. صمدت عدن، وهي لم تتعاف بعد من ٩٤ وقد صارت حروب الحوثي الجديدة تجعلنا نقول إن الحوثي وكيل الوحدة.
صمدت تقول إنها يمن.. وصمدت ثلاث مرات: مرة ضد الحوثي، ومرة ضد تحالفه.. وثالثة ضد خصومه، الذين يضربون ضرب عشواء ويثيرون الكراهية بين الإنسان ونفسه.
إن اليمن صامدة جداً.. وضد العدوان فعلاً.. ولكنه صمود ضد مرض اسمه العدوان الحوثي، هو بنفسه وأفعاله من قال إنه أقبح مما يصورون، وأسقط مما يعتقدون.
أما مسيرات الحوثي، بعد غد، فيكفي تذكير الناس أن علي عبدالله صالح هو من أعطى هذا اليوم قيمته، أما اليوم فسيقول العالم كله للحوثي: أنت بنفسك لم تحترم مئات الآلاف من المؤتمريين تجمعوا في السبعين.. فكيف تتوقع أن يكون لمسيراتك قيمة؟!
لم تقبل بهم وهم معك.. أول مسيرة، ولا ثانيها، ولا ثالثها.. وكل مسيراتك اليوم لن تكون إلا تأكيداً أنك لم تعد تعترف باليمنيين إلا من يرددون صرختك.. وكلما زاد الجمع الذي يصرخ معك زادت ملامح جرمك وضوحاً، وزاد الاقتناع أن تركك تبطش بالناس جريمة كبرى يجب أن تدفع ثمنها غالياً.