هاني مسهور يكتب:
دور قطر في اليمن.. خبايا وأسرار
أثارت وثيقة تكشف تقديم النظام القطري أموالا لميليشيات الحوثي ضجة إعلامية واسعة تتعلق بمدى التورط القطري في اليمن، ومع مرور عام أول من المقاطعة العربية لنظام قطر بات من المهم تقييم الموقف من الزاوية اليمنية، وبات من الأهم اتخاذ قرارات واضحة حيال التدخلات القطرية التي سنؤكد تأثيراتها في المشهد اليمني سياسيا وعسكريا.
العلاقة القطرية باليمن تحولت مع انقلاب حمد بن خليفة آل ثاني على والده عام 1996، ومنذ تلك الفترة بدأت التغيرات بالتقارب الملحوظ مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وفرت قطر تمويلات مالية مكنت صالح من تجاوز مرحلة تداعيات حرب صيف 1994، وما شاب علاقة اليمن بالسعودية من تأثيرات وتداعيات لأزمة غزو العراق للكويت 1990، وكان في الخلفية غير المنظورة علاقة أهم للنظام القطري الذي وجد في جماعات الإسلام السياسي بيئة مهيأة للعمل معها بما تقتضيه مصلحته، وهذا هو المحور الأهم في ما تراه قطر في اليمن فهي تدعم كل جماعات الإسلام السياسي (السنية والشيعية) لتهديد الأمن السعودي في سياق استراتيجيات إيران وتركيا معا.
ظهرت قطر أولا بدعمها لتنظيم الإخوان في اليمن، وأسهمت في تمويل إنشاء عدة مراكز وجمعيات خيرية في مختلف المحافظات اليمنية عن طريق حزب التجمع اليمني للإصلاح، كان هذا الحزب مازال يتوسع في المحافظات الجنوبية خاصة بعد أن منحه النظام السياسي ما اعتبر غنيمة من غنائم حرب 1994، وكان التركيز عند إخوان اليمن تكريس وجودهم في الجمعيات والمعاهد والمدارس، وحققت قطر عبر جمعياتها الخيرية ما يحتاجه حزب التجمع اليمني للإصلاح.
لم تثبت حتى الآن الرواية التي تقول إن الإيرانيين هم من أوعزوا إلى الدوحة بدعم الحوثيين في حروبهم الستة مع النظام اليمني (2004 – 2010)، لكن المؤكد أن توجيهات من وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم لإيجاد ثغرة سياسية لينفذ منها الحوثيون، وكان ذلك عبر رعاية قطر للهدنة في الحرب الثالثة بين الحوثيين والرئيس صالح (2006) وأبرمت قطر صفقة ضمنت بموجبها وقف تقدم الجيش اليمني نحو منطقة مطرة الجبلية آخر معاقل المتمردين شمال محافظة صعدة والتي كان يتواجد فيها زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، مقابل أن يقيم شقيق مؤسس حركة الحوثيين يحيى ووالده بدرالدين الحوثي وعمه عبدالكريم مؤقتاً في الدوحة وأن تتولى قطر دفع المساعدات والتعويضات وإعادة الأعمار.
وواصلت القيادة القطرية حينها الضغط على الحكومة اليمنية لإبرام اتفاق آخر لوقف الحرب الرابعة باتفاق ثان، وما لبثوا أن تنصلوا من جديد من الاتفاق، الذي كانت الحكومة ترفضه، ما دفع أمير دولة قطر السابق إلى زيارة صنعاء في مايو 2007 حاملاً معه هبات ومساعدات بنصف مليار دولار، مما أقنع الرئيس صالح بقبول الوساطة القطرية مرة أخرى ووقف الحرب بدلا عن الحسم العسكري وإنهاء التمرد.
أوكلت مهمة تنفيذ بنود الاتفاق إلى مدير مكتب أمير قطر الذي ظل برفقة ضباط قطريين ولفترة يتنقل في رحلات مكوكية بين صنعاء وصعدة، ويعقد تفاهمات لم يعلم أحد فحواها خاصة مع المتمردين الحوثيين، وترددت في تلك الأثناء أنباء محدودة التداول، أن قطر تعمل كوسيط لنقل الدعم الإيراني للحوثيين، وخدمة هدفها أيضا في استهداف السعودية.
وأشعل المتمردون الحوثيون حربا خامسة ضد الدولة اليمنية عام 2008، حينها ظهرت تصريحات نارية لعضو مجلس النواب اليمني محمد بن ناجي الشايف، في أغسطس من ذلك العام حيث كان الوحيد الذي اتهم بشكل صريح إيران بالوقوف وراء الوساطة القطرية بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين في محافظة صعدة، مؤكداً أن قطر مجرد رسول من إيران، في الوقت الذي أوشكت القوات على حسم المواجهة لمصلحتها، وفي محاولة يائسة من قطر لمزاحمة الموقع السعودي في المنطقة والعالم. وبفضل التدخل القطري تنامت قدرات الحوثيين العسكرية والمادية، حيث استطاعوا بعد أن كانوا محصورين في كهوف جبلية بأطراف محافظة صعدة التمدد إلى مناطق أخرى والتوسع في المحافظة، ودحروا الجيش اليمني، الذي فوجئ بالعتاد الحربي الذي بات بحوزتهم، ولم يتمكن أحد من معرفة الطريقة التي تمكنت بها قطر، ومن ورائها إيران، من تزويدهم بذلك العتاد.
وجدت قطر في الجمعيات الخيرية داخل اليمن الجسر الممكن لنقل ملايين الدولارات، وأكدت تقارير صحافية أن ما يقدر بـ65 مليار دولار دفعه النظام القطري في أنشطته الإرهابية
اشتعلت الحرب السادسة عام 2009 والتي تدخلت فيها السعودية بآلياتها ومعداتها العسكرية لدعم الجيش اليمني، لترعى قطر توقيع اتفاقية الدوحة بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين في 21 يونيو 2010، فارضة وجود هذه الجماعة المتمردة كطرف بخلفية مذهبية وطائفية يحاكي داعميه الأساسيين في طهران.
لا يتوقف الأمر على دعم قطر للحوثيين، فالجانب الآخر هم إخوان اليمن الذين حصلوا على تمويلات مالية ضخمة مع اندلاع ما يسمى ثورة فبراير 2011، فليس مفاجئاً ظهور اسم عبدالوهاب الحميقاني ضمن قائمة الإرهابيين الصادرة عن دول المقاطعة (السعودية والإمارات ومصر والبحرين)، بل المفاجأة غياب عشرات الأسماء التي ارتبطت بالتمويل القطري للإرهاب، فقد تحول اليمن منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي إلى ممول رئيسي لعمليات الإرهاب حول العالم، وحظي اليمن بنصيب وافر من ذلك نظرا لقوة جماعة الإخوان في اليمن ونفوذها السياسي والقبلي الواسع.
وجدت قطر في الجمعيات الخيرية داخل اليمن الجسر الممكن لنقل ملايين الدولارات، وأكدت تقارير صحافية أن ما يقدر بـ65 مليار دولار دفعه النظام القطري في أنشطته الإرهابية، ويمثل اليمن كحاضنة لجماعة الإخوان واحداً من أهم الدول لاستلام تلك الأموال، فلقد عُرف اليمن منذ نهاية حرب 1994 بأنه من أكبر دول العالم في غسيل الأموال، كما أن ظاهرة خطف السياح الأجانب في محافظة مأرب تزايدت بشكل واسع، لتجد الأموال القطرية مجالا في تقديم الفِدى للجماعات الإرهابية التي حققت ما يصل إلى أكثر من 95 مليون دولار.
شكلت عاصفة الحزم واحدة من أهم الاختبارات لجماعة الإخوان ومدى صدقيتها في تأييد السعوديين والشرعية اليمنية، احتاجت جماعة الإخوان إلى أسبوعين حتى أعلنت تأييدها لعاصفة الحزم، خلال الأسبوعين سقطت عاصمة حضرموت المُكلا بيد عناصر ما يسمى “أنصار الشريعة” يقودهم الإرهابي خالد باطرفي، منذ سقوط حضرموت والسؤال يُطارد جماعة الإخوان: لماذا تأخر التأييد لعاصفة الحزم حتى تسلم الإرهابيون المُكلا بأيديهم؟ يثير هذا التساؤل شغف الإجابات التي تبدو أكثر ظهورا في امتداد الحرب في اليمن.
اعترف حمود المخلافي في ظهوره على قناة الجزيرة القطرية بأنه تسلم مبلغ 300 مليون ريال دعما للمقاومة الشعبية في تعز، غير أن هذا المبلغ لم يذهب للمقاومين بل ظهر حمود المخلافي في شوارع اسطنبول إلى جوار العشرات من القيادات الإخوانية المقيمة هناك، وعلى رأسهم حميد الأحمر وتوكل كرمان وخالد الآنسي، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد إذ عاد المخلافي ليظهر عبر قناة الجزيرة ويطالب التحالف بدفع مبلغ 5 مليارات ريال سعودي من أجل تحرير تعز، أو تبقى تعز محاصرة يعبث بها الانقلابيون، بينما يساوم الإخوان على تحريرها ويمارسون الابتزاز باسم معاناتها.
لم تتوقف جماعة الإخوان هنا فقد خصصت القنوات الممولة قطريا (الجزيرة والجزيرة مباشر والعربي) وكذلك القنوات اليمنية الممولة من قطر (بلقيس ويمن شباب) ساعات طويلة من البث في هجوم على دور التحالف العربي في اليمن، وتحملت السعودية والإمارات نصيباً هائلاً من الطعنات الإعلامية، فلقد وجد الإعلاميون اليمنيون المتأخونون منابر إعلامية كانوا يستغلون وجودهم فيها لتحقيق مكاسب حزبية، وإثارة مشكلات مناطقية وذلك لزيادة الاحتقان في المشهد السياسي اليمني مما يؤدي إلى إطالة الحرب.
نشر موقع إماراتي إخباري تقريرا عن قيام جماعة الإخوان في اليمن، وعبر منظمات تمولها قطر بتقديم تقارير في جنيف السويسرية تتهم التحالف العربي بقتل مدنيين في اليمن، الأمر الذي فضح تلك المنظمات ودورها الخفي مع الحوثيين، ونقل الموقع عن مصادر حقوقية يمنية في سويسرا قولها إن “القيادية في جماعة الإخوان باليمن توكل كرمان، قدمت ملفاً يتهم السعودية بقتل مدنيين في اليمن، كما أن القيادية الإخوانية المقيمة في تركيا، قدمت عبر مؤسسة توكل كرمان الدولية ومنظمة صحافيات بلا قيود تقريراً إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف رصد ما أسمته بالانتهاكات التي طالت المدنيين خلال عام من الحرب في اليمن”.
إخوان اليمن اعتبروا تطهير حضرموت من الجماعات الإرهابية انتهاكا لحقوق الإنسان، كما أن كثيراً من العمليات الإرهابية التي شهدتها عدن وحضرموت نفذها منتمون لجماعة الإخوان ومتخرجون من المعاهد الدينية التابعة لحزب التجمع اليمني للإصلاح، وأكثر ما يمكن أن يكشف الطعنات عن قيام منظمات حقوقية ممولة من الدوحة باستهداف التحالف العربي في اليمن، ومن تلك المنظمات رايتس رادار وسام وتوكل كرمان الدولية، وهي منظمات تتلقى دعما من قطر وتركيا، لاستهداف الحلف العربي المناهض للتمدد الإيراني في المنطقة.
قدمت قناة الجزيرة القطرية برنامجا اعتمدت فيه على منظمة تابعة وممولة من قطر (سام للحقوق والحريات) والتي يرأسها توفيق الحميدي من أبناء تعز والمنتمي لحزب الإصلاح، واعتبر البرنامج استهدافا مباشرا للجهود العسكرية والإنسانية السعودية والإماراتية، ليظهر مُجددا مدى ما تعمل عليه الأجندات القطرية التي تريد تلفيق الاتهامات إلى التحالف العربي، التي كانت جزءا منه مولت من خلاله عشرات القيادات الإخوانية بالأموال، ووفرت لهم المساكن بين الدوحة واسطنبول، والنتيجة دفعها الشعب اليمني مرضا وقتلا وجوعا وفقرا بعد أن أغدقت قطر على أطراف الإسلام السياسي أموالها، فأحرقت اليمن بأيادي إخوان الشياطين.