أحمد الفراج يكتب:
أمريكا بين التسامح والعنصرية!
عندما تمت إعادة كتابة التاريخ الأمريكي، بعد فوز المرشح من أصول إفريقية، باراك أوباما، في عام 2008، وهو الذي لم يكن يحق له حتى حق الترشح لأصغر منصب محلي، قبل فوزه بالرئاسة بخمسين عاماً فقط، لم يكن أكثر المتشائمين يتوقّع أن يثير ذلك الحدث كل شجون التاريخ العنصري للإمبراطورية الأمريكية، التي قامت على يد الرجل الأبيض، الذي كان يبيع ويشتري الأفارقة، ويستعبدهم، إذ إن مؤسسي أمريكا، جورج واشنطن، وجون آدم، وتوماس جيفرسون، واليكساندر هامليتون، وبنجامين فرانكلين، وبقية الرفاق، كانوا من كبار الإقطاعيين، الذين يملكون المزارع الشاسعة، التي كانت تعج بالرقيق، الذين كانوا يعاملون بشكل قاسي، ويعيشون في ظروف سيئة، عدا عن بعض الحالات، عندما يتم تكريم أحد الرقيق، ليصبح عاملاً في منزل المالك، بدلاً من العمل في المزرعة!
ورغم أن الرئيس التاريخي، ابراهام لينكولن، شنّ حرباً على الرق، بعد حوالي القرن من تأسيس أمريكا، واستطاع أن ينتصر في معركته، ويحرّر السود، إلا أن كثيراً من المؤرّخين، يعتقدون أن لينكولن ذاته، كان يؤمن بتفوّق العرق الأبيض، فهو ابن زمنه، وما حرصه على تحرير السود، إلا لأسباب سياسية أكثر منها إنسانية، ومع ذلك يظل عمله، أياً كانت الدوافع، من أعظم الإنجازات في التاريخ الإنساني، وبعد لينكولن، ظل السود مواطنين من الدرجة الثانية لمدة قرن، عانوا خلالها صنوف العذاب، خصوصاً في ولايات الجنوب الزراعي، العنصرية تاريخياً، مثل ولايات ألاباما وميسيسيبي وجنوب كارولانا وجورجيا وبقية ولايات الجنوب، وتم بعد ذلك، وبجهود من الرئيس التاريخي الآخر، جون كينيدي، إصدار قانون إلغاء التمييز العنصري، بعد حرب شعواء، بين البيض المحافظين، والسود المطحونين!
كانت قمة نتائج هذا القانون، الذي ساوى بين البيض والسود، هو فوز مواطن أسود بالرئاسة، ولكن لنتمهل، ونسأل: هل تبع فوز أوباما بالرئاسة مزيد من صور التسامح في المجتمع الأمريكي، أم أن ذلك أعاد الأمور إلى نقطة الصفر؟! وللأمانة والموضوعية، فإن الواقع يشير إلى أن فوز أوباما أصاب بعض شرائح المواطنين البيض بالرعب، بل واعتقد كثيرٌ منهم أن بلدهم أفلت منهم، وأصبح محكوماً من الأقليات، وهذا الرعب، تجلّى بصور شتى، في الإعلام، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وغني عن القول، إن الإحصاءات تشير إلى أن الحوادث العنصرية ضد السود، زادت بشكل كبير، في زمن أوباما، خصوصاً من قبل رجال الشرطة البيض، وقد ساهمت هذه الأجواء، الموسومة بطعم العنصرية، على رواج خطاب المرشح الجمهوري، دونالد ترمب، اليميني المحافظ، وهو الرواج الذي ساهم بوصوله للبيت الأبيض، والخلاصة هي أن التسامح، الذي أوصل باراك أوباما للرئاسة، ساهم أيضاً، في عودة موجة العنصرية بقوة، وهذه معادلة سيتوقف عندها المؤرِّخون طويلاً!
* نقلا عن "الجزيرة"