هاني مسهور يكتب:

قطر.. ما بعد سقطرى

هل كانت مصادفة أن تتزامن أزمة أرخبيل سقطرى مع إعلان التحالف العربي القبض على ضابط استخبارات قطري في منفذ شحن الحدودي مع سلطنة عُمان؟ يبدو سؤالاً مثيراً على خلفية أزمة واسعة استمرت على مدار أسبوعين فتحت كافة الملفات وكشفت ما يدور في كواليس الحرب اليمنية وخلفياتها، ولعل ما يمكن بعد معالجة الأزمة هو النظر إلى ما هو قادم في أيام يبدو فيها أن اليمن، جنوبه وشماله، بات مسرحاً للاعبين كانوا يتحينون الفرصة وتبدو أنها قد حانت للعب والعبث.

انتهت أزمة سقطرى وحسمت السعودية الموقف بما يضمن استمرار النجاحات العسكرية وعلى أن تلعب السعودية دور الضامن في التسويات بين الحكومة الشرعية والإمارات، وفي الخلفية تبقى الأزمة جمرة تحت رماد فما حدث في سقطرى ليس الأول، فما حدث في مطار عدن (فبراير 2017) كان مفتاحاً لمواجهات لم تتوقف أحداثها في أكثر من مشهد، لعل أهمها أحداث عدن (يناير 2018) ولن تكون أزمة سقطرى الأخيرة بل ستتبعها أزمات أكثر ضراوة، نظراً إلى عوامل مختلفة خارجية وداخلية ستدفع الأطراف لمواجهات من الممكن أن تصل إلى تصعيد أعلى مما حدث في عدن أو سقطرى.

أوجدت قطر ثغرة في المؤسسة الشرعية اليمنية، ومنها استطاعت النفاذ ثم نجحت في إدارة الملفات، فما حدث في أبريل 2016 كان الثغرة التي دخلت منها قطر، فلم يكن للقطريين أي نفوذ من خلال حكومة الكفاءات الوطنية.

إسقاط حكومة الكفاءات الوطنية التي كان يرأسها خالد بحاح أدى لدخول عدد واسع من الوزراء إلى الحكومة ممن لهم انتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، وحدث تغول واسع لعناصر الإخوان في الحكومة نتيجة الانتقال من حكومة الكفاءات إلى المحاصصة الحزبية ونجحت هذه العناصر في تكوين شبكاتها داخل المؤسسة الشرعية بالتوازي مع المؤسسات المختلفة سواء الاقتصادية وحتى العسكرية.

واحد من أهم الأهداف الرئيسية للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين هو استنزاف التحالف العربي في اليمن. عملية الاستنزاف ظهرت بشكل واضح بعد أبريل 2016، فبدأت عمليات التباطؤ في مختلف الجبهات العسكرية وتحوّل عدد من الجبهات إلى حالة جمود، بينما اتخذت محافظة تعز نقطة رئيسية للاستنزاف على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية وحتى الإغاثية.

هذه الاستراتيجية كانت تحمل أهدافاً تتعلق بمصالح القوى الإقليمية التي يرتبط معها النظام القطري وتحديداً تركيا في محاولة لتحقيق الرغبات التركية في اليمن سواء بالإسهام في تسليم السلطة السياسية لحزب التجمع اليمني للإصلاح أو بالتواجد العسكري في الممرات المائية اليمنية خاصة بعد تحرير مدينة عدن في يوليو 2015، وعلى ذلك لم يعد أمام الأتراك سوى أن يحاولوا الوصول إلى الحديدة أو سقطرى.

افتعلت حكومة أحمد بن دغر أزمة سقطرى واتضح بشكل واسع ترابط المنظومة الضاغطة في هذه الأزمة، فالبداية كانت عبر مظاهرة معادية للتحالف العربي في محافظة تعز عقب بدء عمليات المقاومة الوطنية بقيادة العميد طارق صالح في الساحل الغربي، بحيث مهدت للأزمة في سقطرى وهذا ما حدث عبر تصعيد إعلامي واسع تمركز عبر قناة الجزيرة القطرية والقنوات الفضائية التابعة لتوكل كرمان في تركيا، وعبر تفعيل واسع لكافة الحسابات الالكترونية المدعومة قطرياً.

التحريض على دور دولة الإمارات العربية المتحدة في سقطرى ليس جديدا، ولكنه امتاز هذه المرة بلغة عدائية غير مسبوقة وبتناغم ملحوظ في التصعيد الزمني، مع الاعتماد على مصادر حكومية مبهمة لتمرير المعلومات المغلوطة والتي وجدت في ظل اتساع الأزمة فضاءات واسعة للتداول مما خلق قضية رأي عام، ولم تسمح في المقابل لأي عملية تهدئة وهو تكتيك قطري مألوف لطالما اعتمدته قطر منذ قطع علاقات الرباعية العربية معها.

لم تنجح قطر في تمرير المخطط على الأرض، فالسعودية والإمارات أبقتا القوات العسكرية المشتركة في سقطرى وهذا يعني عدم نشر القوات الموالية لتنظيم إخوان اليمن في سقطرى، ومع ذلك فإن استمرار الثغرة في المؤسسة السياسية الشرعية يعطي فرصا أخرى لأزمات قادمة ستتمركز كلها في المحافظات الجنوبية المحررة، ولن تتوقف هذه الأزمات بغير معالجة جذرية تبدأ بالإقرار بالتواجد القطري في الأزمة اليمنية سواء بتمويل ميليشيات الحوثي كما ثبت بالوثائق التي كشفها فريق اليمن الدولي للسلام وطالب مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات على النظام القطري، أو من خلال تواجد قطر الواسع في الحكومة الشرعية بمختلف قطاعاتها، وهذا يستدعي معالجة عملية عبر هيكلة الشرعية واستبعاد الأفراد والكيانات المصنفة عند دول الرباعية العربية أنها إرهابية، حسم هذه المسألة العالقة يعتبر أولوية لتتمكّن دول التحالف العربي لاستكمال العملية الأساسية باستعادة الشرعية اليمنية ودحر الحوثيين ثم العودة لمسار الحل السياسي في اليمن.