عجز عن بناء ثقافة مجتمعية

ثقافة الشعوب تحميها من الاستحمار

على مر التاريخ نجد الشعوب المثقفة تقطع الطريق على الاستعباد والاستحمار ؛ سواء أكان مصدرها الحاكم الفرد (مطلق الصلاحيات) أو الحزب الواحد المتسلط، أو القائد الثوري المهيمن على مقدرات الثورة. . . فثقافة الشعب عادةً ماتضع في يده أدوات عقلانية -قوة ناعمة- لصد آفة التسلط والاستبداد. وثقافة الشعب تجعله واعي لإمكانياته وقدراته، التي تؤهله لإسقاط التسلط والظلم مهما كان مصدرها بطرق سلمية، وتجعله قادراً على منع وقوعه تحت طائل الاستحمار؛ سواءً كان استحمار السير خلف المجهول أو خلف الشعارات الجوفاء، أو الوعود والخطب الرنانة أو غيرها من صور الاستحمار. . بل لايمكن تخدير الشعب المثقف  بالكلام المعسول ؛ لأنَّ الشعوب المثقفة الحرَّة تسمع وتحلل ماتسمعه ، وتصنفه ، ثم تتخذ مواقفها بناءً على فهمها وليس بناءً على ماقيل لها.

 

ولنضرب مثال بما حدث في أمريكا عندما خرج الشعب الأمريكي رافضاً قرارات الرئيس ترامب العنصرية ضد دول إسلامية، ورغم العمليات الإرهابية التي قام بها مسلمون إلَّا أنَّ الشعب رفض استحماره بدعوى الإرهاب للتنصل من مبادئ الحرية والعدالة والمساواة التي تأسست عليها الولايات المتحدة؛ وبالمقابل في دول عربية شقيقة صدرت فيها قرارات عنصرية فأيدتها شعوبها، واطلقت الحملات المطالبة حكوماتها بمزيد من القرارات العنصرية الاستعبادية لأشقائهم العرب والمسلمين.. وفي كندا خرج المسيحيون رافضين للأعمال الإرهابية ضد المسلمين، وفي يوم الجمعة صنعوا سور بأجسادهم لحماية المسجد، وبالمقابل في بلاد عربية يحتفلون بكل عمل إرهابي يقتل المدنيين المسيحيين.. الفرق بين الجانبين هو الثقافة والحرية؛ فالشعوب الحرة تحمي حريتها وتناضل من أجل منحها للشعوب الأخرى.

 

والثقافة على صعيد الفرد تمنحه القدرة والدافع للبحث وتحصيل المعرفة لرفع قدراته العقلية .. وكلما زادت قدرات العقل على البحث زادت قدرته على تصنيف مايسمعه، وما يراه، وما يدور حوله؛ فيعرف الصواب بمستوياته، ويعرف الخطأ بمستوياته، ويعرف أساليب التعامل معها بالطريقة التي تناسب كل مستوى. وتكمن أهمية القدرة على تحليل وتصنيف مايقال في أنَّها تكشف بعض -أو كل- ملامح مايخفي وراء البيانات والتصريحات. . . وأما الشعوب التي يغلب عليها الجهل فتكون معرفة واستنباط بعض مايخفى وراء البيانات والتصريحات شبه مستحيلة.

 

لأنَّ العبرة ليست بمايقول هذا القائد أو السياسي؛ العبرة بمايخفى وراء الأقوال ؛ فالتصريحات والبيانات والمواقف المعلنة قد تكون في أقصى الجنوب وما وراء الكلام يهدف إلى أقصى الشمال (أو العكس) .. ومع مرور الوقت وتتالي الأحداث تظهر نتيجة ماقاله ذلك القائد..؟؟؟ مثال على ذلك إبن العلقمي وزير الخليفة العباسي وموضع ثقته المطلقة هو من فتح أبواب بغداد للتتار وسقطت الخلافة العباسية . . . ولو تذكرنا شعارات الحزب الاشتراكي وأقوال قيادته وقارناها مع النتيجة التي وصلت إليها البلاد لعرفنا أنَّ فحواها كان عكس منطوقها . . .

 

ولذلك نقول للناس لاتسقطوا قياداتكم لأنكم تسمعون منهم اليوم مالايوافق حدود بصيرتكم وثقافتكم "فقد يكون خلف الأقوال عكسها" ؛ ومهما كانت هزالة أدائهم الإداري فلايجوز التشكيك بوطنيتهم . وعلى نفس القاعدة قد يكون الأخوة الشماليين موفقون باتهامهم الرئيس هادي بأنه يضمر عكس مايقوله . . . والقادم من الزمن كفيل بإظهار الخفايا ، وهو قريب ؛ فالشهور والسنوات تمر بسرعة رهيبة ؛ وهي -السنوات- في حياة الشعوب كأيام في حياة الأشخاص .

 

والثقافة والمعرفة التي نتحدث عنها  ليست عنوان هلامي لايمكن تحديدها ؛ بل هي  سهلة التحديد والتوصيف ؛ يكفي أي شعب من الثقافة معرفة تاريخه (الأجيال التي سبقت لنفس الشعب) ومعرفة  ماحدث مع الشعوب الهالكة والفاشلة والمستعبدة  . . . فالمعرفة التاريخية تجعل للشعب المثقف عبرة -عينة عملية- من شعوب أخرى وأجيال سابقة ، فلا يقع كما وقعوا .

 

ختاماً أقول ؛ الشعب الذي يعجز عن بناء ثقافة مجتمعية تعتمد على الإستفادة من تجارب الشعوب الأخرى وتجارب أجياله السابقة يكون الحلقة الأضعف في الصراعات ، ويصبح كرت ترضية يتلاعب به أقطاب الصراع في الإقليم .... فيكسب الجميع ويكون هو الخاسر الوحيد .. فاكتسبوا المعرفة حتى لاتخسروا فتندمون يوم لاينفع الندم..