لمصلحة من بناء عاصمة في مأرب
انقلاب على المناصفة وعلى هادي
فاجأتنا وزارة الإعلام قبل أيام بقرار نقل تلفزيون عدن إلى مأرب وإعلانها عاصمة الإعلام اليمني.! كان الأسهل نقل إحدى القنوات الحكومية التي تبث من الرياض إذا كان الهدف حاجة السلطة في مأرب لقناة فضائية.. وبعد قرار النقل بأيام؛ فاجأتنا منظمات حقوقية محسوبة على أقطاب السلطة الشماليين (شرعية وإنقلابية) بتقرير عن انتهاكات حقوق الإنسان في عدن.. والظاهر أن القناة لم تكن الهدف، بل "عدن" بذاتها هي الهدف لاستكمال مخطط تدميرها، وعزلها عن العالم، وأظهار مأرب أكثر استقرار وأمان لتكون العاصمة المؤقتة.. وأظهار -المنطقة النائية- مأرب أكثر جهوزية من عدن لتكون عاصمة استدعى الأمر قرارات أخرى إلى جانب نقل القناة منها حجز إيرادات النفط وعدم نقلها إلى البنك المركزي-عدن، وأعلان المحافظ -العرادة- قبل أيام عن مشاريع عملاقة بمئات ملايين الدولارات، والاحتفاظ بجيش يناهز المائتين ألف. لقد كانت مأرب -المحافظة النائية- معقل الجماعات الإرهابية، والجميع يعلم منذ سنوات أنَّها نقطة تمركز تنظيم القاعدة وداعش وكل التنظيمات المتأسلمة المتطرفة في الجزيرة العربية، فكيف اختفت التنظيمات منها..؟ وكيف تحولت إلى مدينة مستقرة وعاصمة الإعلام..؟ والجواب بسيط؛ لأنَّ التنظيمات في حلف مع أقطاب نظام صنعاء، وهم من يحدد لها المهام التدميرية، وأين.. بل إن عدد كبير من عناصرها هم من منتسبي -قوات صنعاء- الحرس الجمهوري والأمن السياسي والأمن القومي والأمن المركزي والفرقة الأولى مدرع. وبناء عاصمة بديلة في مأرب ليس عمل مستقل بذاته، بل هو جزء أصيل من الصراع؛ فهو حلقة مهمة من حلقات التلاعب بالبلاد والمقامرة بها من أجل مصالح شخصية ومناطقية.. تهدف لاستعادة "يمن مطلع" السيطرة على السلطة والثروة، واسقاط الشراكة الوطنية بين اليمنيين.. ولذلك فهم يبنون عاصمة في مأرب ويستمرون في تدمير الجنوب عن طريق قيام الدولة العميقة-السلطة في ضرب المواطن في الجنوب في حياته اليومية بتعطيل كل الخدمات، وإفساد التعليم، وقطع الرواتب، واتساع دائرة البطالة، واستمرار ايقاف المحاكم، وانتشار الجريمة، وتفاقم النزاعات بين الناس، وتعطيل ترقيم المقاومة ليستمروا على حالهم مليشيا خارج جهاز السلطة.. وبهذا الإفساد المنظم يصبح الجنوب بيئة سهلة للإختراق، يمكنهم من افتعال انفجار شعبي في وجه الرئيس والسلطات المحلية في الوقت الذي يحددونه. وحتى تنجح خطة الانفجار الشعبي قامت مؤخراً جماعة الحوثي وعفاش والإصلاح والمؤتمر بتمويل العناصر الموالية لهم في صفوف الحراك لإحداث فوضى ثورية تدرجية.. وتوجيه غضب الشعب الجنوبي باتجاه الرئيس هادي، والدفع بهم للتظاهر ضده لاغتياله "اغتيال معنوي".. وهذا سيخلق خلاف بين الرئاسة والسلطات المحلية وتبادل الاتهامات بالعجز والتقصير، قد تصل لمواجهات مسلحة كما حدث في معركة مطار عدن.. لكنها قد تصل هذه المرة إلى قتل الرئيس، وقد يكون المنفذ طرف جنوبي موعود بثبات موقعه في السلطة وزيادة حصته فيها. وهناك حلقة خامسة شرعوا فيها مؤخراً، وهي إعادة إنتاج السلطة السابقة ماقبل 21 فبراير 2012 في كل الوزارات، بالتقاسم بين الجناحين (المؤتمر والإصلاح) والفرق واضح بين تعيينات وقرارات رئيس الوزارء خالد بحاح وخلفه أحمد بن دقر؛ فالأول كان يتحرى تعيين الشرفاء ذوي الكفاءة والدماء الجديدة الشابة، والأخير يعيد الفاسدين الذين ترعرعوا في عهد عفاش.. وفي إطار كل وزارة يحدث نفس الشيء؛ وأبسط مثال على ذلك ماقام به وزير الخارجية من تعيينات في السلك الدبلوماسي، واستدعاء 150 دبلوماسي من صنعاء لتعيينهم في السفارات. بهدف اسقاط كل التغييرات التي أحدثها الرئيس هادي منذ تعيينه، وانقلاب واضح على المناصفة الجنوبية-الشمالية في السلطة. ختاماً أقول؛ لقد كثرت القرارات العنصرية ضد الجنوب في الآونة الأخيرة، واتسعت دائرة الإقصاء والتهميش، وأصبحت تصرفات المسؤلين الشماليين في السلطة الشرعية تؤكد رفضهم للمناصفة بين الشمال والجنوب التي كانت أساس مخرجات الحوار الوطني والتي اعتمد عليها في اعلان الدولة الاتحادية.. وإذا لم يتدخل الرئيس هادي لفرض المناصفة في الوقت المناسب فهذا يعني ذهاب البلاد نحو اقتتال جنوبي-شمالي في إطار السلطة، والرئيس نفسه لن يكون في مأمن، وقد يكون أحد ضحايا المواجهات.