اشتراط القيادات الشمالية في مأرب استمرار الوحدة
وقفة مع أمراء حرب اليمن
في كل الصراعات السياسية في العالم، عندما تسمع الأطراف المعنية تنفي وجود خلافات بينها، فاعلم أن الخلافات موجودة ومتجذرة، وإنكار وجودها آلية من آليات المؤامرة بين الطرفين. واليوم، الخلافات تعصف داخل كل طرف من طرفي الصراع اليمني، وتذهب جرّاءها دماء زكية، واليمن تتسارع خطاه إلى الهاوية، والجميع ينكر وجود خلافات. فعلى جانب السلطة الإنقلابية، لم تتوقف خلافات "المؤتمر" و"أنصار الله" منذ بداية تحالفهم. وكان لظهور الرئيس صالح في الشهر الثاني من الحرب معلناً مشاركته فيها تأثير كبير على الناس؛ فأطلقوا عليه الألقاب (زعيم اليمن - بطل اليمن - قائد الصمود والانتصارات)، فسقطت بذلك واحدية القائد "الولي الفقيه السيد عبد الملك الحوثي"، وظهر الرئيس صالح كمنافس قوي للسيد إن لم يكن تجاوزه عند القاعدة الشعبية للانقلابيين. وبظهور صالح، عادت الفعالية لأنصاره في حزب "المؤتمر"، والقبائل، والجيش، والحرس الجمهوري، والاستخبارات، والأمن السياسي، والأمن القومي، والأمن المركزي. وانسحب كثير من المقاتلين من "اللجان الشعبية"، وأصبحت مشاركتهم في المعارك في إطار الوحدات العسكرية التي ينتمون إليها. وهذا أدى إلى تعاظم دور الرئيس صالح وأتباعه في مقابل تناقص دور "اللجان الشعبية" التابعة للحوثي.
وتفاقمت الخلافات بين الطرفين، وحدثت عمليات فصل وإقصاء لـ"المؤتمريين" من الوظائف العامة، وعمليات اغتيال لقيادات مؤتمرية وعسكرية، كان الرئيس صالح يواجهها بانسحابات من الجبهات، تؤدي إلى تكبد "اللجان الشعبية" خسائر في الأرواح والعتاد، حتى رضخ الحوثي لشروط صالح، وقبل بإعلان "المجلس السياسي" كسلطة عليا للبلاد مناصفةً بين "المؤتمر" وأنصار الله"، وإسقاط الإعلان الدستوري والعودة للدستور السابق، وعودة مجلس النواب لممارسة مهامه، الذي يملك صالح فيه أغلبية نيابية. لكن الخلاف بسبب "اللجنة الثورية" واستمرار تدخلاتها في القيادة ما زال يلقي بظلاله على تحالف الطرفين، ومهما أنكره الإنقلابيون إلا أنه يزيد يوماً بعد يوم. ويؤكد ذلك انهيار الجبهات بسبب الإنسحابات غير المبررة لقوات الحرس الجمهوري ووحدات الجيش النظامي.
وكأنّ الرئيس صالح يقول للحوثي: لا تلعب معي وإلا تركتك تهلك في الجبهات. وعلى سبيل المثال، انسحاب الحرس الجمهوري من تعز إلى منطقة ماوية، والذي تسبب بمقتل مئات العناصر من "اللجان" ومقتل عشرات من كبار قادتها، وطردهم من مدينة تعز إلى الجبال والأرياف. واستمرت الإنسحابات التدريجية في تعز، وتحديداً من الساحل الغربي، وترك اللجان بمفردها، وكانت خسائرها مجازر كارثية. والخطاب الأخير للسيد الحوثي وهو يتوسل المقاتلين العودة إلى الجبهات، يكشف بجلاء حجم الضعف والانكسارات. واليوم، يمكننا القول إن الحوثي أصبح أمام خيارين؛ إما التنازل للرئيس صالح أو استمرار الخسائر الكبيرة في قواته.
وفي المقابل، الرئيس صالح أعطى قواته استراحة محاربين، وعندما يقرر استعادة المعركة، سواء بعد تنازلات من الحوثي أو لسبب آخر، فهو يستطيع استعادتها بأقل الخسائر؛ وعلى سبيل المثال مدينة تعز، فمعرفتي بقوات الحرس في تعز تجعلني أجزم أنها قادرة على استعادة المدينة خلال أقل من 24 ساعة.
وننتقل إلى خلافات السلطة الشرعية، والتي تعتبر أقل حدة من خلافات السلطة الإنقلابية، لكنها أكثر في العدد والأطراف، وأكثر تشعباً وتعقيداً، وأصعب من ناحية الحلول والتوافق بين الأطراف. وجميع الأطراف ينكرون وجودها، لكن الواقع يشهد بوجودها.
وأكبر خلافات الشرعية بين الجنوبيين والشماليين على موضوع نقل العاصمة من صنعاء إلى عدن، ويدل على وجوده اشتراط القيادات الشمالية في مأرب ضمانات خليجية مكتوبة بضمان الوحدة وعودة العاصمة إلى صنعاء بمجرد تحريرها وإلا لن تتحرر، على الرغم من أن لدى تلك القيادات 100000 جندي لم يتقدموا كيلومتراً واحداً خلال أكثر من عام. وخلاف بين أبناء يمن مطلع ويمن منزل، ويدل على وجوده الإقتتال الحاصل في تعز في صفوف المقاومة؛ بين مقاومة تتبع قيادات زيدية في أعلى هرم السلطة وأخرى تتبع قيادات شافعية. وتوجد خلافات بين الإمارات و"الإصلاح" باعتباره "إخوان مسلمين"، وخلاف بين "المؤتمر" و"الإصلاح"، وخلافات بين القوات المسلحة التي تديرها الإمارات مباشرة والقوات المسلحة التي تديرها رئاسة الأركان اليمنية؛ ومواجهة مطار عدن دليل عليها، وخلاف بين المقاومة الجنوبية الحقيقية والمقاومة المستنسخة، وخلافات بين الوحدويين ودعاة استقلال الجنوب؛ ويدل على وجودها سعيهم الحثيث لاستصدار كم هائل من المواقف الدولية الضامنة للوحدة اليمنية، منها قرارات أممية وأخرى عربية وإسلامية، ومواقف معلنة لعدد كبير من دول العالم. وفي رأيي الشخصي، أن كل الخلافات بين أمراء حرب اليمن في السلطتين الشرعية والانقلابية سهلة الحل إذا صدقت النوايا، وتجردت الأطراف من مصالحها الشخصية، وتمسكت بمصالح الشعب، وتناسى الجميع الوظائف والمخصصات والامتيازات الشخصية والعائلية لصالح الشعب، وسقطت الولاءات للأجنبي، ونما وثبت الولاء الوطني، وتفهم الجميع الأمر الواقع، وأن تغييره مستحيل، وإذا حدث فسيكون تغييراً مكلفاً جداً وسيمهد لصراع مستمر. وإذا لم يحدث تغير إيجابي في مصفوفة القيم كما ذكرنا، فسوف يستمر السير باليمن في طريق الكارثة.