شيماء رحومة يكتب:

شراء الوهم

تقريبا صار لكل شاغل من شواغل العالم يوما عالميا إما تكريما أو مناصرة أو تنديدا، ولم يعد شهر من الـ12 بالسنة دون تاريخ مميز، وحفز تواصل البشر المتزايد على المنصات الاجتماعية من تذكيرهم بهذه المناسبات ودواعي الاحتفال بها، ولكن مع ذلك تظل معالجة بعض هذه القضايا معضلة تتفاقم سنويا، لا يقدم ولا يؤخر الاحتفاء بها أو تسليط الأضواء عليها.

تتخذ الجمعية العامة للأمم المتحدة تاريخ 26 يونيو يوما دوليا لمكافحة استخدام المخدرات والاتجار غير المشروع بها، لا يهم متى وكيف قررت ضبط هذا التاريخ إلا أنه من المهم معرفة إلى أين من الممكن أن تصل؟ وأي فوائدة جمة يمكن أن تحققها؟

وضعت الجمعية هذا التاريخ من أجل تعزيز العمل والتعاون من أجل تحقيق هدف إقامة مجتمع دولي خال من استخدام المخدرات، بهدف زيادة الوعي بالمشكلة الرئيسية التي تمثلها المخدرات غير المشروعة في المجتمع.

تبدو مبادرة جيدة وأهدافها نبيلة تشحذ همم الأفراد والجماعات من أجل نشر الوعي والنصح والإرشاد في مجتمعاتهم، ولكن في ظل ماذا؟ والحال أن أخبار ضبط وحجز كميات كبيرة من المخدرات بكامل أقطار العالم تطالعنا بشكل يومي، وبالتالي فهذا اليوم اليتيم من أيام السنة لا يقدم حلولا جذرية ولا آنية.

لم يعد تعاطي المخدرات والاتجار غير المشروع بها في حد ذاته أصل المشكلة بقدر ما صار على المجتمعات بكل أجهزتها الأمنية والتربوية والأسرية تشديد المراقبة والاهتمام بالناشئة بوصفهم النواة الأولى للوقوع في شرور هذه المواد الخطيرة.

كشفت العديد من التقارير في السنوات الأخيرة أن أعداد ضحايا التعاطي في تزايد مستمر بجل البلدان العربية ناهيك عن نظيرتها الغربية، كما أظهرت هذه التقارير من خلال سبرها للآراء أن إدمان هذه المواد يبدأ بالتجربة وأحيانا عن طريق خدع محبكة يكون بطلها مراهقا أو شابا تسرب من المدارس واحتضنته بؤر الفساد حتى يكون رسولها إلى أقرانه فيقع في حبائله رهط من الشباب، وهناك نوع آخر من أنواع تصريف المخدرات وهو الأشد خطرا على كل المجتمعات وهو بيع هذه المواد على شكل حلويات أو مأكولات.

وأمام أناس مجندين ليل نهار لنشر هذه المواد بكل السبل بين الخلق برغبة منهم أو دونها لم تعد الأسر بمأمن من مغبة أن يكون أحد أفرادها فريسة سهلة ولا سيما مع تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وانتشار البطالة واليأس من الهجرة وإصلاح الأوضاع بين الشباب، حتى أنه من باب التندر قدم منشور تم تناوله على موقع فيسبوك بكثرة منذ مدة، حلولا للخروج من الأزمات الاقتصادية الخانقة بزراعة أراضي الوطن بحشيشة المخدرات واستثمارها على نطاق واسع كي يعيش الشعب في بحبوحة من الرفاهية.

لذلك فإنه من الجميل تخصيص يوم بالسنة لتسليط الأضواء على أحداث معينة لكن الأجمل تخصيص كل ثانية من السنة للردع والتنديد. فلم يعد الشباب بحاجة لخطب رنانة ومواعظ بقدر حاجته لشراء وَهم يريحه من التفكير في أمس مرير ويوم متعب وغد قاتم، حتى وإن كان سمّا قاتلا.

المخدرات تصنع وَهم الحياة لمن قبروا على قيد الحياة، تقدم حلما ضاع على نواصي الأحلام، تسكن آلاما مبرحة سكنت الأضلع، توفر وظائف ونجاحات ترتقي سلم البطالة والفشل الدراسي، حتى الموت يضحى معها حياة فهي تحمل من صفعته الأيام وخذلته سنون عمره على الانتحار وعلى ثغره بسمة رضا.

محاربة الوهم أصعب على العالم من حجز كميات من المخدرات، لأن الوهم أشد فتكا من هذه السموم، ولا يعني ذلك ترك المجال لمن يتاجر بأرواح البشر حرا طليقا يصنع مجدا من جماجم الخلق، بقدر ما على الجميع التحرك باتجاه واحد لإيجاد حلول تصرف المجتمعات عن استبدال الحقيقة بالوهم والحصول على جرعة أمل زائدة.

نقلا عن العرب