نهى الصراف يكتب:

بيئة اللجوء أشد قسوة على الأطفال من الحرب

لأكثر من عقدين من الزمن، ركز الباحثون الاجتماعيون والنفسيون جهودهم ودراساتهم على علاج صدمة الحرب تحديدا، والتعامل معها أو الانطلاق من مفهومها لتخفيف معاناة بعض اللاجئين، متجاهلين الضغوط النفسية والمادية أيضا التي يتعرض إليها اللاجئون في البلد الذي يستضيفهم أو يحتضنهم؛ الضغوط المادية، صعوبة التأقلم مع البيئة الاجتماعية الجديدة، حاجز اللغة والثقافة الجديدة إضافة إلى عدم وجود روابط أو انسجام بين اللاجئين أنفسهم، بسبب انتماءاتهم المختلفة في وطنهم الأم أو لأسباب تتعلق بعدم استجابتهم بالطريقة ذاتها لأسلوب الحياة في بلد اللجوء.

ولعل الفئة الأكثر تضررا بهذه الإشكالية هي أطفال اللاجئين، حيث يكبر الملايين من الأطفال الذين شردتهم الحروب وعوائلهم، وهم يقطنون في مخيمات اللاجئين المكتظة والفقيرة والتي لا يرقى أغلبها حتى لمستوى منزل متواضع، لا يحمي من شمس الصيف أو برد الشتاء، في الوقت الذي يعانون فيه من الجوع ويصارعون العنف المجتمعي مع افتقارهم لمصادر العيش المتوسط؛ الطاقة، الماء النظيف والخدمات الصحية اللائقة كما يعاني هؤلاء من صعوبة الحصول على مقاعد في المدرسة إلا بعد جهد وانتظار طويلين.

في الغالب، تكون مهمة العاملين في مختلف الاختصاصات الإنسانية في الدول التي تستضيف اللاجئين، مهمة عسيرة لكونهم يتعاملون مع شريحة من الناس خرجوا لتوهم من بيئة حرب بما تنطوي عليه من عنف، فضلا عن معاناة اللاجئين من الخسارات؛ مادية كانت أو معنوية وأهمها على الإطلاق خسارة الوطن

ويؤكد الدكتور كينيث ميلر؛ طبيب نفسي وكاتب أميركي، أن بعض الأطفال ربما يعملون ليكونوا مصدر رزق وحيد لعائلاتهم، كما أنهم قد يواجهون التمييز والعداء من قبل الأطفال الآخرين في مجتمعات الدول المضيفة، بالإضافة إلى أنهم يشاركون الأسرة في المنزل الضغوط الاجتماعية والنفسية والاقتصادية القاهرة، الأمر الذي يجعلهم عرضة للمعاناة من الأمراض النفسية الآنية منها وتلك التي تستمر إلى المدى البعيد.

ومن خلال خبرته في العمل مع اللاجئين كباحث، طبيب ومعالج نفسي لأكثر من عقدين من الزمن، يرى ميلر أن معظم البرامج المخصصة لتأهيل هؤلاء الصغار لخوض تجربة حياة جديدة وانتشالهم من ذكريات الهلع والخسارات التي رافقتهم حتى بعد مغادرتهم بلدهم، ومنها البرامج الإكلينيكية للمنظمات الإنسانية لم تحقق نتائج ملموسة مع الأخذ بعين الاعتبار أن معظم هذه البرامج هي مجرد مبادرات، أحياناً فردية، يتبناها متخصصون في مناطق محدودة وعلى أعداد محدودة من اللاجئين معظمها متواضع وينتهي في مدة زمنية محددة، لهذا فإن الفوائد غير جلية، متواضعة أما آثارها فهي محدودة وليست مشجعة بطبيعة الحال، إذا لم تكن مدعومة من قبل مؤسسات ذات ثقل إنفاقي ومجتمعي يوازي ثقل الحروب والصراعات التي تتكاثف وتتسارع وتيرتها، على مستوى العالم.

ويرى متخصصون أن هذه البرامج والمبادرات الفردية إنما تخفق في تحديد أهدافها لأسباب عدة لعل أهمها؛ التركيز على صدمة الحرب وآثارها المدمرة على نفسية الطفل حتى بعد ابتعاده بمسافة مكانية آمنة وبعد أن يصل إلى برّ الأمان، في حين أن الظروف المعقدة التي يواجهها الأطفال في بيئة اللجوء قد تكون أشدّ وطأة عليهم، خاصة الضائقة المالية للأهل والعنف الأسري ومصدرها في الغالب الضغوط الاجتماعية والاقتصادية في مخيمات اللجوء، الذي يتجاوز تأثيره السيء على الأفراد تأثير الحرب بأهوالها وخساراتها.

وهذا يعني أن المنظمات الإنسانية التي تركز فقط في العمل المباشر على الأطفال، قد تخفق عن غير قصد في معالجة المصادر الحقيقية للضغوط النفسية والإجهاد الذي يتعرض له الصغار.

إن تربية الأطفال يمكن أن تشكل تحديا كبيرا للأهل في ظل الظروف الطبيعية، ولعلها تكون في أقصاها عندما يتم الأمر في ظروف اللجوء الأشد قسوة خاصة عندما تقترن بتجربة الصدمة، في مناطق الصراع شديدة التوتر والحزن العميق على الأحبة الذين تركوهم في البلد الأم. كما أن هناك أدلة دامغة على أن الأطفال الذين ينحدرون من هذه العوائل معرضون لمواجهة ضغوط نفسية، ومشكلات عاطفية وسلوكية في وقت لاحق من حياتهم.

وعلى الصعيد ذاته، كان قد تم فصل عدة مئات من المراهقين عن عائلاتهم، في حين يقضي أولياؤهم عقوبات بالسجن لدخولهم الولايات المتحدة الأميركية بطريقة غير شرعية، أو الانتظار في الاحتجاز أثناء النظر في طلبات لجوئهم. وبحسب متحدث من مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فإن الاحتجاز لا يخدم أبدا مصلحة الطفل ويشكل دائما انتهاكا لحقوقه، حتى إذا كان دخول الأهل بطرق غير شرعية فهو لا يبرر احتجاز الأطفال وفصلهم عن عائلاتهم.

 وأكد بيان صادر عن المتحدث باسم الأمين العام، ضرورة عدم تعريض الأطفال للصدمات أو فصلهم عن آبائهم، مشددا على أهمية الحفاظ على وحدة الأسرة، حتى أن الجمعية الأميركية لطب الأطفال وصفت هذه الممارسة القاسية بأنها انتهاك لحقوق الأطفال، الأمر الذي يؤدي إلى إحداث ضرر لا يمكن إصلاحه وعواقب نفسية بعيدة المدى.

في حين أكد عدد من خبراء الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أن قرار الحكومة الأميركية بإنهاء سياسة فصل الأطفال عن آبائهم المهاجرين غير النظاميين أثناء عبورهم الحدود، لا يساعد الآلاف من الأطفال الذين احتجزوا بالفعل خاصة أن عمليات الفصل تمت من دون إشعار، حتى أن الوالدين والأبناء لم يتمكنوا من التواصل مع بعضهم البعض.

وشددوا على أهمية إلغاء مثل هذه الإجراءات التي تؤثر في تطور ونمو الصغار بشكل سلبي، حيث أن إعادة لمّ شملهم مع أسرهم تنبني على أساس المصالح الفضلى للطفل؛ حقوقه في الحرية والعيش الكريم إضافة إلى أهمية وحدة الأسرة، إذ أنه ليس من العدل معاقبة الأطفال على أفعال ارتكبها آباؤهم، مع ضرورة معاملة اللاجئين والمهاجرين دوما باحترام وبشكل يضمن كرامتهم، بما يتفق وقواعد القانون الدولي.