شيماء رحومة تكتب:
البخور وتهمة السحر
يعد نشوب المشاجرات ببعض الأحياء الشعبية أمرا يوميا مفروغا منه بل إن البعض يجعل منه عرضا مجانيا بالشوارع والأزقة يستمتع به الأجوار بعيدا عن قاعات الفن الرابع.
بالأمس كان لنا موعد غير مبرمج بالروزنامة الصيفية لمثل هذه العروض المجانية بحيي الذي يغلب على علاقاته التآخي والتسامح، والمتهم الرئيسي القابع في قفص الاتهام بجريرة إحداث هذا الشغب هو البخور!
وأكاد أجزم أن الحاضرين والمتخاصمين وعابري السبيل لا أحد من بينهم يعي تماما أي معنى للبخور غير أن صاحبته أحرقته بنية إتيان أعمال السحر. وللأمانة هذه الجارة دأبت منذ شهر رمضان إلى الآن على استعمال البخور في ساعة الغروب. وقد يكون الأمر بالفعل مريبا ومبررا لإلصاق البخور بالشعوذة، لكنه لا يختزله في ذلك.
وأرجّح أن النظر إلى إحراق البخور من هذه الزاوية الضيقة راجع بالأساس إلى خلفيات وأيديولوجيات شكلت على مدى سنوات البيئة العربية وكلّست العقليات وارتاحت إلى أعرافها وتقاليدها المقدسة، لكن لا لوم على أمم تعوّدت على الاستهلاك وعافت الركض وراء الأرزاق، والحال أن أباطرة فشلوا في حرب الكشف عن مصدر البخور، إذ سجل التاريخ بين طياته محاولة للإمبراطور الروماني أغسطس قيصر الذي أرسل حملة سنة 24 قبل الميلاد للكشف عن مصدر زراعة البخور في شبه الجزيرة العربية، ولكنها باءت بالفشل.
وقد تتضارب المعلومات حول أول من استنشق هذا المسحوق برائحته الجميلة وإن كان يشار إلى أن أول استخدام مسجل له كان من قبل المصريين، إلا أن المؤكد هو أن البخور يوجد بأشكال وخلطات مختلفة في كل منطقة من العالم، فهل يعني أن الملكين السماويين هاروت وماروت أشاعا السحر؛ امتحانا وابتلاء للناس بفعل البخور؟
جاء ذكر البخور في مواطن عدة بالسنّة النبوية وكذلك في التوراة والتلمود، وأوصى الكهنة باستخدامه في معابد الصلاة، ويحرص الخليجيون على التعطّر صباحا بعطره الزكي وتضوّع رائحته.
يغيب عن الكثيرين أن هذا العبق لعب ويلعب دورا في تراث جل الشعوب في العديد من مناسباتهم من أعياد وأعراس وحفلات ختان ومآتم، كما قد يجهل البعض سرا غريبا عن البخور، إذ أنه لا يتم استخراجه إلا متى أصيبت شجرة العود التي تسمّى بـ”إقوالوريا”، وهي الشجرة الأم من أصل 15 شجرة موجودة بالعالم كله، بالمرض!
ويشترط أن يكون عمر الشجرة من 70 سنة إلى 150 عاما، وأن تكون الإصابة قد تطورت فيها منذ أكثر من 60 عاما.
وأظهرت التقارير أن عمل توليفة من البخور دخل في صناعات عدة وتجارة رائجة تتعلق بأجود أنواع البخور وتطوير المبخرة عبر العصور كما كان حاضرا بقوة في مجال العطور العالمية.
ومع ذلك يظل دخان العطر متهما بإشاعة السحر وفك أعمال الشعوذة، حتى أن السينما العالمية والمحلية استثمرت هذه النقطة في أعمالها ما أسال الحبر في عدة سيناريوهات غلب على بعضها الطابع الكوميدي الساخر، من بينها السلسلة الأميركية الشهيرة “هاري بوتر”.