صلاح مبارك يكتب لـ(اليوم الثامن):

انهيار الريال وإشكالية "الشرعية"!

أحيانًا بعض الناس يكون لهم أثر لو تحدثوا ، مثل هذا الرجل "سالم با وزير" الذي كان واحدًا من المتداخلين في اللقاء الذي جمع محافظ البنك المركزي اليمني الدكتور "محمد منصور زمام" بمجلس ادارة غرفة تجارة وصناعة حضرموت  ورجال المال والأعمال والتجار من مستوردي المواد الغذائية ، فكان حديثه مختلفا ..عفويًا في الطرح .. عميقًا في الدلالات .. بدأه معلقًا على ما جاء  على لسان محافظ البنك المركزي في حديثه "الاستهلالي" للقاء "بأن الدولة تعتمد في مواردها على عائدات النفط ، وحددها من مبيعات تصدير النفط الخام من حضرموت"، وربما - والله أعلم- أن الدكتور "زمام" أراد  من ذكر هذا التأكيد ان يجزل الفضل لأهله  - بوصفه عالم ببواطن ومدخلات الإيرادات والموارد العامة للدولة - ولكنه في الوقت ذاته  يرفع من معنويات الحاضرين , ويعدل مزاجهم , بعد أن قرأ ما في العيون "الحائرة" من تثبيط وانكسار  , أثر التدهور المخيف و"التناقص" - الذي اسماه - للعملة الوطنية والتي تهاوت معها الأوضاع الاقتصادية والمعيشية .. وكأن الدكتور "زمام" أراد  أن يحاكي ما يتفوه به أحد المحافظين السابقين لحضرموت - عندما يلتقي بالنخب وخاصة الثقافية والإعلامية - من عبارات منمقة مستحسنة من "العوام"  كـ "حضرموت الحضارة والثقافة والفن وووو "، حتى أن أحد أساتذتنا الأجلاء تنذر على ذلك الوضع ذات يوم بقوله بأن أصحابنا تطربهم مثل هذا العبارات،  ويحلى لهم الاستماع لها , حتى أن باب الخروج من القاعة لا يسعهم من حالة الزهو ونشوة الافتخار .. إذ أن لهذه الجرعة سحرها وتأثيرها على البعض وهي تخر قوى الكثيرين ..

لكن عند أهل التجارة والمال، لا "تطربهم" مثل هذه "المحسنات" , و"المهدئات" ، فلغة الأرقام "جامدة" , مجردة من العاطفة ، ولا تعتمد على الأحاسيس المرهفة ولا تقبل التحليق في "الاحلام" و "الخيالات"..  ولهذا تحولت إشارة محافظ البنك المركزي عن حضرموت واعتماد موازنة الدولة على عوائدها النفطية إلى وبال عليه ، استفزت هذا الرجل، وجعلته يقف منبرهًا  يضع سؤلًا من نوع آخر ، كان محقا فيه ، وهو يشهد الجميع على قول "زمام" بحركة لا ارادية وبطريقة عفوية "أسمعوا ما يقوله محافظ البنك المركزي بأن حضرموت وحدها هي التي تورد عائداتها النفطية إلى الخزينة العامة.. وأشهدوا .." , وأردف متسائلًا أيضًا عن العوائد النفطية لمحافظة مأرب , وعما اذا كانت تورد هي الأخرى إلى البنك المركزي اليمني  أسوة بإيرادات وعائدات نفط حضرموت ، وهو السؤال الذي لم ينتظره محافظ البنك المركزي – كما أعتقد - ولكنه أسعده ، وسيسعده أكثر لو وجه مرارًا وتكررًا على من هم في يدهم الحل والعقد من أهل القرار النافذ في البلاد .

هذه الأمر ليس بالهين كما يتصوره البعض فهذا الامتناع والرفض ليس اعتباطًا أو "معاندة" من شخص ما , إنها إشكالية "الشرعية" "العويصة" التي لا يدري المرء إلى أين ذاهبة ، وهذا الحال شاهدًا على "حقيقة" فقدانها السيطرة والتحكم  برفد الخزينة العامة للدولة بإيرادات تخفض من العجز , وتعيد الحياة للعملة الوطنية من هذا الانهيار المفجع .. وهذه واحدة من المعضلات و"العقد" التي تواجه "الشرعية" لم تفلح كل المحاولات للملمتها وتفكيكها , حتى أصبحت شرًا لابد منه يلاحقها لتثقل كاهلها فوق ركام المصاعب والمعوقات، التي تنهال عليها والضربات التي تتلاقاها من كل مكان، وستؤدي بها لو استمرت إلى الفشل والعجز.