صلاح مبارك يكتب لـ(اليوم الثامن):

حضرموت .. ومعركة إثبات الذات؟ في ظل تجاهل الرئاسي؟

تتجه الأنظار إلى حضرموت، أكثر محافظات اليمن إنتاجا للنفط، حيث تتصاعد فيها وتيرة الحراك القبلي والمجتمعي الواسع والمتصاعد الذي يقوده حلف قبائل حضرموت من أجل تحقيق مطالب خدمية وحقوقية لحضرموت واشراكها في القرار..

 موجه غضب 

في 27 يوليو الماضي وصل إلى المكلا عاصمة حضرموت رئيس مجلس القيادة الرئاسي، د. رشاد العليمي، وسط موجه من الغضب على تردي غير مسبوق للخدمات العامة وظروف المعيشة، و تجاهل مجلس الرئاسة والحكومة لأوضاع حضرموت . 

تداول ناشطون مقاطع فيديو لمرور موكب د. العليمي وسط مدينة المكلا، ويظهر فيها حضارم يرددون هتافات رافضة للزيارة، وفي المقابل أعلن مؤتمر حضرموت الجامع موقفه الواضح من زيارة العليمي إلى حضرموت وعدم الترحيب بها. 

توقيت غير مناسب

ربما توقيت الزيارة لم تكن موفقة خاصة وانها حسب مراقبون «جاءت بعد أيام من إعلان المبعوث الأممي إلى اليمن، تسلّمه اتفاقاً مكتوباً من الحكومة اليمنية وحكومة صنعاء ينص على إلغاء القرارات والإجراءات التي صدرت ضد البنوك من الجانبين، والتوقف مستقبلاً عن أي قرارات أو إجراءات مماثلة، واستئناف طيران اليمنية للرحلات بين صنعاء والأردن ، وتسيير رحلات إلى القاهرة والهند يومياً» ، وهو ما رحبت به الحكومة اليمنية عقب ذلك بيوم واحد مما أثار سخط موالين للشرعية اليمنية، الذين أشاروا إلى أن زيارة العليمي إلى حضرموت تأتي للتمهيد لبدء استئناف تصدير النفط الخام من حضرموت ،بعد فترة توقف إجباري لنحو عامين كبد الخزينة العامة خسائر بنحو ملياري دولار، وذلك نتيجة هجمات الحوثيين على ميناء تصدير النفط في الضبة، وهو ما نفته صنعاء، وتكتمت عليه حكومة الشرعية. 

وعود العليمي 

كان الرئيس العليمي قد زار حضرموت في يونيو من العام 2023، و أعلن حينها عن حكم ذاتي وتمكين أبناء حضرموت من إدارة محافظتهم ماليا وأمنيا وإداريا، حسب ما جاء في مخرجات مؤتمر حضرموت الجامع التي حظيت باجماع حضرمي لا نظير له ، و بعد أكثر من عام ونصف على وعود العليمي، لم يتحقق شيء على أرض الواقع، وظلت السلطة المحلية عاجزة عن تنفيذ الالتزامات، وسط خدمات منهارة وأوضاع مزرية وغياب للقرار السياسي. 

وقفات احتجاجية 

بعد مضي أسبوعين من المهلة التي حددها مؤتمر حضرموت الجامع في 13 يوليو لمطالبة السلطة المحلية ومجلس الرئاسة بتصحيح الأوضاع الخدمية والإدارية، توعد بمواصلة التصعيد والاحتجاجات تنديداً بتردي الخدمات، ووسط التجاهل التام من السلطات المعنية نفذت مكاتب الجامع الحضرمي في كبرى المدن وقفات احتجاجية ومن هذه المدن المكلا والشحر وتريم وغيل باوزير . 

لقاء هضبة حضرموت 

في 31 يوليو 2024م عقد حلف قبائل حضرموت لقاء استثنائي لقياداته ورموزه في هضبة حضرموت وتقدم بمطالب في جوهرها تتعلق بانقاذ الوضع المتدهور في الخدمات الأساسية وخاصة في الكهرباء وإيجاد حلولًا عاجلة بديلة لها من ثروات حضرموت ومخزونها النفطي، محذرًا من الإقدام على أي تصرف بنفط حضرموت أو تصديره أو تسويقه، إلا بعد تثبيت مكانة حضرموت وضمان حقوقها بما يرتضيه أهلها، تنفيذا للقرارات المتخذة من مؤتمر حضرموت الجامع في 13 يوليو الجاري، وكذا أن يكون المخزون النفطي الحالي في خزانات ميناء الضبة والمسيلة حقًا من حقوق حضرموت ولا تنازل عنه على أن يسخر كامل قيمته لشراء محطة كهربائية لحضرموت، وحول ذلك يؤكد علي العبسي لـ «الحرة» إن أبناء حضرموت يرون أن عليهم الاستفادة من إيرادات صادرات النفط، واصفًا بيان الحلف بأنه جاء غضبا بعد تداول أنباء تقول إن 70 بالمئة من العائدات ستذهب للحوثيين. 

مهلة الـ 48 ساعة 

وكأجراء عملي أعطى حلف قبائل حضرموت 48 ساعة كمهلة لرئيس المجلس الرئاسي للنظر في هذه المطالب إلا أن د. العليمي واصل تجاهله لها ، و أصر أثناء تواجده وقبل مغادرته المكلا على عقد لقاءات مع قيادات فروع الأحزاب اليمنية التي ليس لها أي حضور وقوبل لدي المجتمع في حضرموت دون الالتفات لدعوات حلف القبائل ومؤتمر حضرموت الجامع .

الإعتراف أولًا 

في لقاء الهضبة وقف رئيس حلف قبائل حضرموت الشيخ عمرو بن حبريش أمام مناصريه ليؤكد بأن معاناة أهل الأرض مستمرة ولا خلاف إلا مع من لا يريد الأعتراف بحقوق ومكانة حضرموت أسوة بالاطراف الأخرى، وقال بأن حضرموت بحاجة إلى مواقف على أرض الواقع، ومن حقها أن تكون شريك اساسي وطرف فاعل ولا تنازل عن ذلك . 

الشرعية للأرض 

وحول البيان الذي صدر عن لقاء الحلف في هضبة حضرموت قال الدكتور سعيد الجريري : «ما أُعلن في بيان اليوم لا يمثل شخصًا كعمرو بن حبريش الذي لم يقل أحد سواه «لا» لرأس الشرعية الورقية، ولا يمثل الحلف أو من حضروا اللقاء، بل هو ترجمة عملية لمقررات تلبي إرادة كل مواطن حر ، يفهم معنى أن تكون الشرعية للأرض لا لمن ينهبونها ويذلون من عليها لتحقيق مصالح الآخرين، وحضرموت غائبة أو مغيبة عما يعنيها بالدرجة الأولى» .

تصعيد ميداني 

بعد انقضاء مهلة الـ 48 ساعة بدأ حلف قبائل حضرموت خطوات تصعيدية ميدانية على الأرض، ونشر رجاله في الكثير من المواقع واستحدث نقاطًا على مخارج وامتداد الهضبة التي تتواجد فيها كبرى شركات إنتاج النفط، في إجراء يهدف إلى حماية هذه الثروة ومنع استنزافها وتبديدها أو توزيعها في غير محلها، و على أشخاص نافذين في السلطة وخارجها وبأسعار زهيدة، بينما يحرم أهل الأرض من مقدرات أرضهم و الحصول عليها بسعر مخفض، ووضع آلية منظمة لتزويد محطات توليد الكهرباء والخدمات العامة بالكميات المطلوبة من ديزل بترومسيلة حسب لجنة الحلف..

وفي خضم ذلك استقبل حلف قبائل حضرموت الآلاف من شباب حضرموت الراغبين في الانضمام إلى القوات العسكرية النظامية وفتح لهم معسكرًا للتدريب، كما استقبل وفودًا لوجهاء وأعيان ورجالات القبائل ومختلف أطياف مجتمع حضرموت الذين توافدوا إلى الهضبة لتأييد الحلف ومساندة مواقفه. 

الرئاسي يستشعر الخطورة 

استشعر رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي خطورة الموقف في حضرموت، وعلى الرغم من تجاهله وتغافله لمطالب أهل الأرض في حضرموت ونيلهم حقوقهم العادلة والمشروعة إلا أنه ظل على تواصل واطلاع على ما يجرى في الميدان، و أجرى في 18 أغسطس الحالي إتصالًا بمحافظ حضرموت الأستاذ مبخوت بن ماضي، وهو ما يؤكد أن ما يجرى في حضرموت وخاصة التحركات الميدانية لحلف قبائل حضرموت تقلق الرئيس العليمي، وربما تصل إلى مكتبه تقارير حول تفاقم الأوضاع الخدمية و تزايد غضب الحضارم واستعدادهم على المواجهة ردًا على سياسة التجاهل المستمرة لانتشال أوضاعهم المزرية وتحقيق المطالب المشروعة التي تبناها حلف قبائل حضرموت. 

لجنة العليمي 

في ساعات متأخرة من يوم الثلاثاء الماضي استيقظ المواطنون على خبر بثه تلفزيون حضرموت و وزعته لاحقًا وكالة أنباء سبأ التابعة للحكومة الشرعية يتضمن توجيه ، الدكتور العليمي، بتشكيل لجنة للنظر في هذه المطالب وتكليفها برفع بطمقترحات لحلها.. إلا أن توجيه العليمي، لم يلقى ترحيبًا من مكونات حضرموت، بل أن عضو المجلس الرئاسي اللواء فرج البحسني قال : « إنه لا جدوى ولا فائدة من تشكيل لجان لحل مشاكل حضرموت، معتبرا ذلك تمييعا لقضايا حضرموت و مضيعة للوقت، وفشلا في مواجهتها» ، واقترح البحسني أن يكون الحل في اتخاذ قرارات مباشرة من قبل الرئيس العليمي لتلبية مطالب حضرموت أو الدعوة لاجتماع طارئ لأعضاء مجلس القيادة الرئاسي لمناقشة الأزمة والوقوف أمامها بجدية وحزم. 

لا جديد 

الصحفي راضي صبيح قال في تقرير صحفي نشره موقع «بلقيس» ، إن اللجنة لم تأت بجديد ، وأن قرار تشكيلها صدر بشكل منفرد من قبل رئيس المجلس رشاد العليمي، ويكشف ذلك اعتراض عضو المجلس فرج البحسني، بشكل معلن، وهو من أبناء حضرموت، واعتبر ذلك بأنه هروب من النظر بواقعية لمطالب أبناء المحافظة. 

لا تعنى الجامع ولا الحلف 

فيما أشار رئيس اللجنة الإعلامية لمؤتمر حضرموت الجامع صــلاح بوعابس في مداخلة تلفزيونية في برنامج «المساء اليمني» بقناة بلقيس الفضائية بأن لجنة العليمي لا تعني مؤتمر حضرموت الجامع ولا حلف قبائل حضرموت، مشيرًا إلى أن رئيس مجلس القيادة الرئاسي خلال زيارته الأخيرة لحضرموت عقد لقاءات مع قيادات حزبية وسياسية وتجاهل حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع اللذان قدما مصفوفة المطالب الحقوقية المشروعة لحضرموت وأهلها ولم يعطيهما العليمي أي إهتمام.

حراك حضرمي 

و وصف الصحفي عوض كشميم ما يجري من حراك حضرمي متصاعد في حضرموت اليوم ، بأنه «لم يكون فعل لحظي انفعالي وعاطفي. كما يصوره السطحيون ، انما تعبير طبيعي عن ارث تراكمي للشعور بالظلم انتج هذا الفعل ميدانيا وفي الوعي الشعبي تجاوز وعي النخب».. 

وتابع : « تدخل مركزي كالعادة وتبعاته اليوم يواجهها الحضارم في خضم الصراع بين مركز يريد فرض أدواته وموقف حضرمي يريد سيطرته وحقه في القرار بعيدًا هيمنة المركز الذي يختار من يوالون له» ...