شيماء رحومة تكتب:
صنوف النساء
عادة لا أترك أنثى من بنات جنسي في اليوم الوطني للمرأة التونسية دون أن أعايدها، لكن هذه المرة خذلتني العبارات وأبت أن تخرج للعلن، لأنني أجد أن هناك حلقة مفقودة كان من المفروض أن تصل بين ما تنص عليه مجلة الأحوال الشخصية التي تم ضبطها بعد الاستقلال بهدف سن قوانين للأسرة تحوي تغيرات جوهرية تصب في صالح التونسية، وواقع المرأة.
كيف أقول “كل عام ونحن بخير”، والحال أن الرجل التونسي ما زال يردد بكل فخر “عندي كعبة (هذه العبارة تقابلها في العربية كلمة قطعة) تحت يدي”؟ نعم المرأة تنعت بالقطعة، ولم لا قطع في حال جمع رجل بين عدة نساء في علاقات قد تتوج من قبله بالزواج من إحداهن وإن كان غالبا ما يتزوج بقطعة خارج القطيع الذي تحت يده، أقصد طلبه.
هذه الجملة الركيكة نطق بها أحد أقاربي عندما دخلت معه في جدل عقيم حول أوضاعه العاطفية، الرجل كرر على مسامعي الجملة بكل فخر والغريب أنه كان يصف أنثاه عفوا قطعته بأنها رائعة وتستحق من حضرته التفكير مليا في الارتباط بها.
لا أستغرب أن يعتبرني حبيبي مستقبلا قطعة، والقطعة والقطيع أمران مختلفان كما هو معلوم فالقطعة هي الحصة أو الجزء من شيء ما أما القطيع فهو الطائفة من الغنم والنّعم وغيرها، وهنا قصدا مقصودا لم أستعمل جمع قطعة بل قابلتها بالقطيع، فالرجل يقود قطيعه بتشكيلة من القطع، أو هكذا يعتقد دنجوان زمنه.
هل يحاول الرجل اليوم يا ترى بمباركة وسائل التواصل الاجتماعي السير على خطى ملهمه جاكومو كازانوفا أشهر من خاض علاقات مع النساء في التاريخ، إذ وصل عدد نسائه إلى 565 أنثى؟ أم يطمح إلى تجاوزه؟
من يعتقد أن المرأة قطعة فَقد طعم الحياة، لا أقول ذلك لأنني امرأة بل لأن وصف علاقة عاطفية بين ذكر وأنثى بهذا الشكل من قبل الرجل يعد إجحافا في حقه بالدرجة الأولى، لأنه يكشف عن نمط من التفكير الرجعي، فتجريد المرأة من إنسانيتها، وجعلها جمادا، يؤكدان أنها دخلت علاقة أحادية الجانب والطرف الثاني غائب قلبا وقالبا، فالنساء طرف في العلاقة يؤثر ويتأثر، لهن مواصفات معينة في فارس أحلامهن، وما العلاقة إلا محاولة للتعايش بين طرفين، نوع من الاختبار للتواصل الأبدي.
تَبنِّي هذه القوالب الجاهزة في التفكير يدخل بالعلاقات منعرجات مسدودة، لا تكاد تفضي إلى تكوين أسرة، وإن حصل وتزوج الرجل قطعته تلك التي تحت اليد فهل سينظر إليها على أنها شريكة حياته في السراء والضراء أم قطعة تميزت عن باقي قطعه بأن فازت بلقب متزوجة بفضل شهامته؟ شكسبير وضع معادلة شخص فيها صنوف النساء قائلا “إن المرأة العظيمة تلهم الرجل العظيم..
أما المرأة الذكية فتثير اهتمامه بينما نجد أن المرأة الجميلة لا تحرك في الرجل إلا الإعجاب، ولكن المرأة العطوف، المرأة الحنون وحدها التي تفوز بالرجل العظيم في النهاية”، فهل لقطعة الجماد أن تجمع بين هذا وذاك؟ لا لكن أكد شكسبير على أمر في غاية الأهمية هو أن المرأة لا يفوز بها إلا رجل عظيم والعظمة لا تعني الشهرة ولا المال بل العقل الواعي بقيمة المرأة التي سيكمل معها مسار حياته المستقبلية، عندها فقط يمكن أن يكمل نصف دينه ويثبت بحق أنه رجل بأتم معنى الكلمة لا مجرد ذكر يتفاخر بقيادته قطعا من القطيع، والقطيع غالبا ما يمنح أمر قيادته إلى الكلب حتى يحميه من غدر الذئاب.