أحمد بن فريد يكتب لـ(اليوم الثاامن):
حديث مع صديقي الكردي .. ترى كم " جحش" لدينا ؟!
تعتبر " القومية الكردية " من أكثر القوميات في الشرق الأوسط التي تعرضت للاضطهاد والتجريف من قبل قوميات أخرى مجاورة لها جغرافيا ومتداخلة معها ثقافيا ودينيا , وربما أنه من سؤ طالع الأكراد أن الجغرافيا كانت واحدا من أهم العوامل التي لعبت دورا هاما في ترسيخ هذا الاضطهاد وتأصيله , نظرا لوقوعهم مابين ثلاث قوميات كبيرة وهي القومية الفارسية والتركية والعربية !
تقاسمت القومية العربية الأكراد من الجنوب ومن الغرب من خلال العراق وسوريا , في حين تقاسمتهم تركيا وايران من الشمال والشرق . ومن هنا تبدو " المسألة الكردية " واحدة من اصعب القضايا واكثرها تعقيدا , على اعتبار ان مصالح اربعة دول مجتمعة تتحقق في بقاء هذه القومية الكردية تحت " الوصاية الرباعاية " ان جاز التعبير الى الأبد .
الى حد كبير اتعاطف شخصيا مع هذا الشعب الأصيل والصبور في آن واحد , فعلى مدى عقود طويلة من الزمن لم يستمع أحد منا الى صوت المعاناة الكردية , ولم يعرها " العروبي " منا أي اهتمام يذكر , وهو بطبيعة الحال ينطلق في ذلك الصمم من قيم ومبادىء القومية العربية التي تسرخت في ذهنيته , والتي نسي اصحابها ومؤسسيها انها يمكن ان تستمد قوتها من الاتكاء على مبدأ العدالة مع القوميات الأخرى وليس بالاستقواء عليها او سحقها ومحو تاريخها وثقافتها !
قبل ايام قليلة التقيت مع سياسي كردي كبير في برلين , ودارت بيننا نقاشات كثيرة حول المسألة الكردية وقضية الجنوب , وسألته عما حدث مؤخرا عقب عملية الاستفتاء التي اجريت في اقليم كردستان بشأن الاستقلال , ولماذا أتت بنتائج عكسية ؟ ولماذا حدث كل ذلك الانكسار المحزن في اوساط الشعب الكردي فيما كانت تلتهب كبراكين ثائرة قبل تلك العملية ؟
تنفس صديقي الصعداء .. بعمق كبير ينم عن حمل وعبء ثقيل ربما يكون قد ترتب على تساؤلاتي التي طرحتها عليه , وكأنما وهي قد لامست " الوجع " .. المكتوم في جوفه ! قال لي : انها " الخيانة " ..!! .. نعم نحن السبب ! كنا نعلم ان كثير من الأطراف تقاتل ضد حريتنا واستقلالنا , وكا نعلم مدى امكانيات هذه الأطراف وقدراتها الكبيرة , ولكنها لم تكن لتحقق اي انتصار على حسابنا الا من خلالنا نحن الاكراد .. لقد تم اختراق صفوفنا , وتمكنوا من كسر وحدتنا الوطنية بشكل مؤثر وكبير ! للاسف ..هناك " طرف كردي " محدد ساهم في ذلك !!
ذكر لي صديقي الكردي تفاصيل ما حدث , وهي تفاصيل " مخيفة " فعلا .. ومؤلمة .. شعرت بوجعها ينفذ الى قلبي , ليس لأنها كذلك , وانما لأنها ايضا " مشابهة " لما يحدث في الجنوب اليوم , وما يخطط له اكثر من طرف كي ينتج واقعا كارثيا سنبكيه طويلا لا سمح الله ان تمكن منا واثر على مسار قضيتنا ! لن اذكر تفاصيل ما اخبرني به .. لأنه اشار باصبعه الى طرف معين , على الرغم من أنه هو شخصيا قريب من هذا الطرف ... بل محسوب عليه !
قال لي : عبر تاريخ نضالنا كان " الجحش " هو اداة ووسيلة اختراقنا ! .. قلت له ماذا تعني بالجحش ؟! هل تقصد صغير الحمار ؟! .. تبسم وقال : لا .. كلمة " الجحش " لدينا في السياق السياسي الكردي لها مفهوم آخر .. انها تعني " العميل " .. أو " الخائن " .
ومضى يقول , لقد وظف صدام حسين من قبل الاف " الجحوش " الذي كانوا يوشون بتحركات المناضلين ومواقعهم ومخططاتهم , ولازالت هذه الطريقة تستخدم حتى اليوم وان بدرجة اقل بكثير عما سبق , واردف قائلا .. هل تعلم ان هؤلاء " الجحوش " معروفين لنا الآن .. اسمائهم , وتاريخهم ايضا .. ومع سقوط نظام صدام حسين واجه المجتمع الكردي مشكلة كبيرة مع هؤلاء فيما يخص كيفية تقبلهم مرة أخرى , واندماجهم في المجتمع الكردي والتسامح معهم , الى درجة انه حينما يتقدم شاب ما لخطبة فتاة , فان واحدا من أهم العوامل التي يمكن ان تعيق اتمام الزواج هو القول أن والده كان " جحشا " !!
حينها .. تساءلت بيني وبين نفسي .. ياترى كم لدينا " جحش " بالمعنى الكردي بين صفوفنا ؟ ولماذا اختار هؤلاء ان يكونوا كذلك ؟ وهل يعلمون حقيقة ما تنتجه " جحوشيتهم " على مصير شعب الجنوب الذي سكب الدم غزيرا من اجل حريته واستقلاله ؟!!
أحمد عمر بن فريد