فاروق يوسف يكتب:
مزحة الوسيط الإسرائيلي
في الماضي لم تكن هناك علاقات سيئة بين العالم العربي وإسرائيل، أو ما كان يُسمى بالكيان الصهيوني. كان هناك عداء مستحكم.
غير أن كثيرا من الأحكام قد تغيرت منذ انتقل الفلسطينيون إلى مرحلة التفاوض المباشر الذي رافقته إقامة علاقات دبلوماسية قائمة على الاعتراف المتبادل بين عدد من الدول العربية والدولة العبرية. لذلك صار الحديث ممكنا عن وقوع سوء تفاهم بين طرف عربي وآخر إسرائيلي، من غير أن يصل بالطرفين إلى مرحلة القطيعة النهائية.
ذلك ما يحدث على السطح. أما ما يجري تحت الطاولة فهو شأن يحذر المرء التكهن به، فقد لا يكون إلا محض افتراء ينم عن رغبة في التشهير. وهو ما لم يعد أحد يبالي به.
بالتأكيد هناك مشاورات وحوارات سرية بين الأطراف كلها، الهدف منها إنهاء الصراع التاريخي بطريقة عادلة، بعد أن صار الخيار العسكري مستبعدا إلا من قبل جماعات تجد في الدعاية لذلك الخيار مصلا يضمن لها الاستمرار في تأكيد ضرورة وشرعية وجودها المسلح على الأرض، كما يفعل حزب الله اللبناني وحركة حماس في غزة.
ليس في المفاوضات السياسية السرية ما يُعيب، إذا كان الهدف منها يرقى إلى مستوى البحث الجاد عن حلول لمسألة مستعصية الحل ومعقدة كالمسألة الفلسطينية، بل إن ذلك النوع من المفاوضات، التي غالبا ما تُجرى بإشراف دولي، مطلوب بشكل مُلح.
كل ذلك يمكن تفهمه فهو يدخل ضمن العمل السياسي الذي صار العرب يدركون أهميته بعيدا عن الشعارات والهتافات الشعبوية التي عاشوا في ظلها أكثر من نصف قرن، ولم تجلب لهم سوى الهزائم والخيبات والانهيارات الاقتصادية والخلافات الداخلية التي كانت سببا مباشرا في النتائج الكارثية التي انتهوا إليها على مستوى التنظيم الداخلي للبيت العربي.
غير أن ما لا يمكن تفهمه أن يقوم طرف عربي بالانفتاح على إسرائيل رغبة منه في أن تلعب دور الوسيط بينه وبين الولايات المتحدة. ذلك سلوك ينقصه الكثير من الوعي السياسي لحجم وموقع وطبيعة تأثير الدولة العبرية على السياسات الأميركية، وبالأخص في ما يتعلق بقضايا ليست إسرائيل طرفا فيها.
لن ترفض إسرائيل أن يقوم ذلك الطرف العربي باسترضائها، وهي تعرف أن الهدف من وراء ذلك الوصول إلى رضا البيت الأبيض، فهي مستفيدة من ذلك التقارب إذ أنها ستعمل على الاستفادة من ذلك السلوك، وهي تعرف أنها لن تقدم شيئا في المقابل.
وقد يكون صادما أن ذلك الطرف العربي قد تمكنت منه السذاجة السياسية بحيث صار يعتبر علاقته بحركة حماس الفلسطينية ممرا للوصول إلى إسرائيل.
بطبيعة الحال فإن حركة حماس لن تمانع في أن تلقى على عاتقها مسؤولية القيام بدور، هي ليست مؤهلة للقيام به، ما دام ذلك الدور سيجلب لها تمويلا لم تكن تحلم به.
لعبة خاوية من كل معنى يؤدي فيها الوسطاء الوهميون أدوار التاجر الذي يحقق أرباحا من الهواء. فلا حماس قادرة على أن تميل بالمزاج الإسرائيلي الذي يعرف ما يُريد من العالم العربي، ولا إسرائيل هي في مكانة تؤهلها للضغط على الإدارة الأميركية في ما يتعلق بقرارات هي ليست لها صلة بمصيرها.
هناك خطأ جوهري يدفع ذلك الطرف العربي لكي يقدم نفسه ضحية ميسرة للتضليل والابتزاز. وهو هنا إنما يضحك على نفسه قبل أن يدفع الآخرين إلى الضحك عليه.
فمَن يرغب في الحوار مع الولايات المتحدة لا يحتاج إلى أي نوع من المناورة التي تدخله في متاهات الوسطاء وأباطيلهم. ترامب الذي صار العالم كله يعرفه هو الآخر ليس كائنا شبحيا.
لقد عرفت أطراف عربية كيف تتعامل مع ترامب وكانت واضحة في أهدافها التي لا تنطوي على أي نوع من التآمر على الآخرين.
مشكلة الطرف العربي الذي يرجو أن تكون إسرائيل وسيطا بينه وبين الولايات المتحدة أنه كان قد أثقل نفسه بأعباء ملغومة صارت تقف بينه وبين التفاهم مع الآخرين وفي مقدمتهم الأميركان بالصيغة التي تنطوي على ثقة بالنفس وشعور عميق بالمسؤولية عما قام ويقوم به من أفعال.