فاروق يوسف يكتب:

حزب الدعوة يدبر مكيدة جديدة للعراقيين

ليس من اليسير حكم العراق. "ذلك بلد صعب" حسب مقولة الملك فيصل الأول الذي انتهى مسموما في سويسرا بينما قًتل ابنه الشاب الملك غازي على يد خادمه كما يُقال في روايات غير مؤكدة والتحق بهما الحفيد الملك فيصل الثاني في مجزرة قصر الرحاب.

ذلك ما تبقى من العهد الملكي، أما العهد الجمهوري فقد شهد مقتل رئيسين، الأول هو عبدالكريم قاسم والثاني هو صدام حسين كما شهد موت رئيس ثالث هو عبدالسلام محمد عارف محترقا بعد أن انفجرت طائرته في الجو، من غير أن يُعرف السبب.  

ذلك البلد الصعب الذي تميز شعبه بالقسوة والمبالغة لم تكن إدارته صعبة إلا في مجال الحفاظ على تماسكه في ظل تنوعه الاثني والديني، الذي قاد حكامه إلى فكرة استعمال العنف وسيلة لكبح جماح الرغبة الانفصالية لدى الأكراد والنزعة الطائفية لدى غلاة الشيعة والسنة على حد سواء اما الأقليات فقد كان مصيرها أن تلتزم جانب الحذر لئلا تكون ضحية لصدام متوقع في أية لحظة بين الاخوة الكبار.

كان قلق الحكام أكثر تعقيدا من أن يستوعبه الشعب.

فالعراق ما كان في إمكانه أن يكون بلدا قويا إلا من خلال تمكن حكومته من إدارة أزمات بنيته الإنسانية. وهي إدارة تطلبت الكثير من الحزم والنزاهة والصلابة ومواجهة الخيارات العسيرة. وهو ما تحقق بعد عام 1968، وهو العام الذي أمسك حزب البعث بالسلطة بطريقة مطلقة، ممهدا الطريق لصعود نجم صدام حسين الذي أصبح رئيسا عام 1979.

لقد واجه الرئيس الراحل عبر سنوات حكمه التي امتدت حتى عام 2003 تحديات كثيرة، تمثل أصعبها في استمرار معادلة القهر والطاعة. وهي معادلة أثبتت الوقائع المأساوية التي شهدها العراق في ما بعد إنها قد سلمت ذلك الشعب إلى حالة من الضعف، انقلبت فيها كل مفاهيمه عن الحياة الحرة الكريمة فكان ذلك تمهيدا لوقوعه في فخ حزب الدعوة الإسلامي الذي كان عبر تاريخه عنوانا للتبعية لإيران. وهو ما يعني بلغة القانون الخيانة.

أن يقبل العراقيون بحكم حزب يمكن اتهامه بيسر بالخيانة لإثني عشر عاما انما يشير على تحول خطير في البنية الأخلاقية الوطنية لدى المجتمع العراقي، فهل يمكن اعفاء نظام الرئيس الراحل صدام حسين من المسؤولية عن هذا التحول التاريخي الخطير؟

لقد قيل بعد الغزو الأميركي الذي تلته عمليات سلب وغدر ونهب وانتقام وقتل عشوائي إن الشعب العراقي ظهر على حقيقته. وهو حكم مغرض وليس صحيحا. ذلك لأن عملية تعطيل القانون من قبل سلطة الاحتلال كانت مقصودة كما أن الشعب الذي أهين طوال أكثر من عقد من الزمن في ظل حصار دولي ظالم لم يكن قادرا على التعريف بنفسه في ظل انهيار الدولة التي سبق لها وأن مارست عليه كل أنواع العنف.

لم يكن من الصعب على حزب الدعوة أن يصعد إلى السلطة من غير أن يطالبه أحد بإدارة وتصريف شؤون شعب ضعيف، في بلد فقد كل مقومات وشروط القوة بل والوجود.

وبغض النظر عن الظروف الخارجية التي مثلها الغزو فقد عبر المجتمع العراقي عن فشله في الدفاع عن قدرته على الاستمرار في أن يكون مجتمعا موحدا في بلد، صارت تحوم الشبهات حول مستقبل بقائه موحدا.

كان حزب الدعوة أكثر الأحزاب التي تم تبنيها من قبل سلطة الاحتلال الأميركي انسجاما مع ذلك الفشل الذي كان بالنسبة له فرصة لتمرير مشروعه في التخلص من العراق من خلال الحاقه بإيران.

وهو ما حدث فعلا بالرغم من أن العراقيين لم يدركوا حتى هذه اللحظة أن بلدهم صار جزءا من الماكنة التي يديرها الولي الفقيه بشكل مباشر من خلال الحرس الثوري أو بشكل غير مباشر من خلال مرجعية النجف.

تلك لحظة عته تاريخي قد لا تستمر طويلا ليعود العراق بعدها بلدا صعبا. هذا ما يقوله المتفائلون ولكن شيئا من العتمة يخيم على المشهد فيما إذا نجح حزب الدعوة في اقتناص فرصة جديدة للحكم.

أما إذا فشل حزب الدعوة في مسعاه فإن الخروج من المتاهة الإيرانية لن يكون ممكنا إلا بعد تقديم رموز ذلك الحزب إلى المحاكمة لا يتهم الفساد وحدها بل بتهمة الخيانة العظمى.