نبيل الصوفي يكتب:
العيد الوطني السعودي.. الاختلاف مع ماضٍ شخصي
أنا يمني، عرفتُ نفسي وأبي مغترب في السعودية، الدولة الغنية التي تعريفها بناءً على صراعات المنطقة يساراً ويميناً هي "الدولة التي يكرهنا نظامها ويتكبر علينا شعبها، ونعمل لديهم لغناهم، ونحن معاً جيران تجمعنا الجغرافيا وتفرقنا الأحقاد".
مع أن أبي، رحمه الله، وهو الرجل الكامل القدرة على التقييم، لم أسمع منه ولا جملة مسيئة للسعودية، كل أصدقائه السعوديين مختلفون عن كل الخطاب العام الذي يتبادله السياسيون.. لكنه في النهاية ترك السعودية وعاد إلى بلاده الفقيرة.
كنت أقرأ عن الدور السعودي السلبي ضد ثورة سبتمبر، ثم وعيت على سطحية الصراع اليمني السعودي المرتبط بذلك الدور، والذي انتهى بأن شكلت السعودية لجنتها الخاصة لترعى آلافاً من الأسماء اليمنية بمكرمات تمنح الشيخ الجاهل ملايين وتمتنع عن منح أنجح الأطباء فيزا عمل للشقيقة الغنية.
كانت حرب الخليج الأولى، وكانت حرب 94م، ثم وجدنا أنفسنا في حرب الربيع العربي، وهو في اليمن ربيع إخواني في 2011 وحوثي في 2014م..
لم يكن خطاب الحرب المتبادل غريباً في شيء.. لقد كان جزءاً من خطاب طويل كررنا فيه القناعات الراسخة.
وفجأة تموضع ولي العهد السعودي في سياق شديد الاختلاف، وأحدث إصلاحات جوهرية في نظام وجذور المسار العام للدولة الكبرى في المنطقة. وتوّج كل ذلك بالإقرار، وبكل جرأة، أن سعودية ما قبل 79م مسؤولة عن كثير من التحولات السيئة في بلادها ومنطقتها والعالم أجمع ديناً ودنيا. واعداً أن يقود بلاده بمنأى عن منطلقات ما بعد ذلك التاريخ وأقرب لعهد التأسيس الذي نحتفل اليوم بذكراه.
ومع أني مازلت منتظراً أن يخطو ولي العهد خطوات جريئة لتحديث وعي دولته باليمن، وتحريرها من وعي تلك المرحلة السبعينية ولجنتها الخاصة التي لو قيّمها لوجدها مرحلة عمَّقت الخوف والمآسي، وغذّت وعينا جميعاً على النقيض مما يريد هو لدولته، وبالتأكيد لجيرانها أيضاً..
غير أن ذلك لايمنع أبداً من التفاؤل بأن نعيش تحولات الدولة الأهم في منطقتنا.
تاريخياً لم تعرف هذه الأرض التي صارت اليوم اسمها المملكة العربية السعودية قيام أي دولة، لم تنجح كل العهود في جمع نجد والحجاز وعسير وجيزان.. القصيم بالطائف، الرياض مع عسير في دولة واحدة.
كنت في أكثر اللحظات كرهاً للدولة السعودية أقول: "اللهم احفظ السعودية"، فيكفينا تجارب فاشلة للدول، وكلما وصلت تجربة فينا نحن العرب إلى كمالها انحدرت نقصاً وتدهوراً.. وأي مكروه لو أصاب الدولة السعودية ستدفع المنطقة برمتها أثماناً باهظة له.
ولذا، فإن نجاح ولي العهد السعودي في تحديث أداء دولته، وبالتعاون مع مراكز عروبية حديثة مثل الإمارات العربية المتحدة، وجمهورية مصر العربية، ولو توجت بإصلاح حال العراق واستعادة اليمنيين لدولتهم وبالنجاحات التي تحققت تجاه أثيوبيا وإريتريا، فإن منطقتنا ستبدأ عهداً جديداً لايشبه صراعات ماضيه القريب.
إنني هنا لا أقطع بشيء، فالتحديات وإدارتها هي من ستحدد كل ذلك.. غير أني، وفي أكثر لحظات بلادي وجعاً وانكساراً وتشظياً، أتعلق بأستار اليوم الوطني السعودي لأخفف كل هذه الانكسارات والمواجع بالآمال..
ليحفظ الله السعودية، ويوفق قيادتها لما فيه الخير والصلاح.. وأساس كل ذلك إصلاحات دينية واجتماعية وفكرية في أكثر دولنا فرصاً وتحديات..