فاروق يوسف يكتب:

حماس في ولاية غزة الاخوانية

علينا أن نكف عن الكذب في شأن المسالة الفلسطينية التي ضاقت إلى درجة أنها تحولت إلى صراع بين سلطة عباس وحركة حماس.

لقد نجح الفلسطينيون عبر عقود من النضال والكفاح والكدح المضني والتضحيات والصبر والجهد الخلاق والحرص على الثوابت في اجبار العالم على الاعتراف بهويتهم ووجودهم وحقهم في البقاء غير أنهم أخفقوا في تحويل ذلك الاعتراف إلى قوة، يواجهون بها إسرائيل.

ولم يكن ذلك الفشل ليحدث لولا أنهم عجزوا عن الإبقاء على المقومات الوطنية المشتركة بعيدا عن خلافاتهم التي غُطيت بحجب سياسية فيما هي في الحقيقة غير ذلك.
لقد لعبت المصالح والمنافع والاطماع الحزبية والشخصية دورا كبيرا في تمزيق وحدة الشعب الفلسطيني وتشتيت صوته ومن ثم تعريض هويته الموحدة للمساءلة من خلال مغامرات علا فيها الصوت العقائدي فيما هو في الحقيقة صدى لإملاءات الآخرين على الجماعات والمنظمات الفلسطينية المقاتلة.

لم تخترع حماس التي اختطفت غزة وجعلت منها امارة إسلامية تتحدث لغتها ذلك المسار الذي خرج عن طريق الوحدة الوطنية.

لقد سبقتها إلى ذلك الحركات الفلسطينية المقاتلة كلها وبضمنها حركة فتح التي تعتبر العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية.

ما انتزعه الفلسطينيون بالتضحيات فقدوه عن طريق الصفقات.

فكان طبيعيا أن ينتهي الأمر إلى حماس وهي تنظيم اخواني، لا يؤمن في حقيقته بالوطن بل له أهدافه الخاصة التي نتجت عن نهجه الفكري الديني المتطرف. وهو نهج لا يعترف بفكرة الوطن بقدر ما يُسخر كل الطاقات الممكنة في خدمة شريعته.         

ما فعلته حركة حماس لم يكن في مظهره خروجا على منطق الخلافات الفلسطينية ــ الفلسطينية غير أنه في جوهره يعد انتقالا إلى مرحلة جديدة من مراحل ذلك الخلاف الذي تحول مرات عديدة إلى صراع دموي.

ليس من شأن حماس وهي حركة إسلامية أن تفكر في دولة فلسطينية على الأرض المسموح للفلسطينيين أن يقيموا عليها دولة وليس من شأنها أيضا أن تسعى في إقامة وطن للفلسطينيين.

لقد انصب هدفها على إقامة قاعدة للانطلاق منها في اتجاهات مختلفة، ليس من بينها اتجاه يقود إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولو تركت تلك الحركة تفعل ما تشاء لوصلت سهامها المسمومة إلى مناطق بعيدة عن أرض فلسطين التاريخية.

كان من الطبيعي أن تغلب حركة حماس أهدافها العقائدية على كل هدف مرتبط بالقضية الفلسطينية. اما أنها وقد غلفت نشاطها بشعارات فلسطينية فإنها لم تفعل ذلك لأسباب وطنية بل لإخفاء رغبتها في أن تأخذ الفلسطينيين إلى المحل الذي يعتبرون من خلاله قضيتهم جزءا من القضية الاخوانية التي هي اختصاص ديني تضيع في ظله الأوطان.

بالنسبة لحماس فإن قضية فلسطين لم تكن إلا مقدمة للفتح الاخواني.

غير ان ذلك الطموح العقائدي اصطدم بالواقع فكان لا بد للحركة الاسلامية أن تتحصن بغزة باعتبارها خيارها الأخير.      

ذلك هو السبب الذي يقف وراء عزوف حماس عن فكرة المصالحة الوطنية التي تدرك أنها جزء من سحب البساط من تحت أقدامها ومن ثم الغاء مشروعها.

ولو أمعنا النظر في كل الحروب التي اخترعتها حماس لاكتشفنا أن الهدف منها كان تكريس النهج الديني في غزة وليس ازاحته. كان الهدف يكمن في المضي بغزة إلى قدرها كونها ولاية اخوانية.

حماس لا تتفاوض مع السلطة في رام الله على أساس وطني إلا في ما هو معلن من المفاوضات. الخلاف الحقيقي الذي يتستر عليه الجميع يكمن في ما فرضته حماس على غزة من قوانين لا يمكن أن يؤدي استمرارها إلى حوار وطني مشترك تكون أساسه الثوابت الوطنية.

وهو أمر مريح بالنسبة لإسرائيل والسلطة الفلسطينية معا. فغزة التي تحولت إلى أزمة إنسانية لا يمكن أن يتم استيعابها إلا من خلال جهد دولي وهو ما لا تسمح به حماس إلا إذا تدفقت عليها الأموال.

لذلك فإن ولاية غزة ستظل قائمة ما دامت هناك أطراف مستفيدة من بقائها وهو ما يعني أن حديثا عن قضية فلسطينية سيكون دائما سابقا لأوانه.