هيثم الزبيدي يكتب:
ربيع غوغل
احتفلت غوغل بمرور عشرين عاما على تأسيسها. كل عام وغوغل بخير. كل عام؟ كل يوم. كل ساعة. كل دقيقة. كل ثانية وغوغل بخير! ماذا نستطيع أن نفعل اليوم من دون غوغل؟
لا أزال أذكر الأيام التي بدأت فيها الإنترنت تتحرك بعيدا عن العالم الأكاديمي إلى عالم كل شيء. إذا كان الشيء يمكن أن يتحول رقميا، نصا أو صورة أو صوتا أو فيديو، فمكانه الطبيعي هو الإنترنت. ومع هذا الانتقال السريع، تراكمت المعلومات والبيانات والصور. ومثل كل عمل تراكمي، كان الطبيعي أن توجد طريقة للفهرسة.
الفهرسة على الإنترنت بدأت مكتبية، شيء يشابه نظرتنا إلى مجموعات الكتب والمجلات الدورية في مكتبة الجامعة. تبحث عن الكتاب بالاسم، أو تبحث في قاعدة البيانات عن ورقة بحثية. قوائم طويلة ومفردات مفتاحية. لا شيء يناسب الانفجار المعلوماتي الكبير. تحايل البعض فصار يضع قوائم عن الأشياء والمواقع. قائمة للصحف فيها تفرعات للصحف الأميركية والبريطانية والفرنسية والعربية. قائمة للجامعات التي تختص بعلوم معينة. لكن كل هذا بقي متعثرا.
جاء عصر مكائن البحث. التعقيد غلب على شكلها، والسذاجة تحكمت بتكنولوجيا البحث. تدخل على محرك ياهو! الشهير فلا تعرف هل هو صحيفة أم منصة إعلان أم موقع للبحث. محرك إيكسايت كان أبسط، ولكن نتائج البحث التي يعود بها عندما تبحث عن كلمة، كانت بدائية نسبيا. عليك أن تفرز بنفسك بين جاغوار الحيوان وجاغوار السيارة.
ثم جاءني شاب متدرب. قال: هل سمعت بالمحرك الجديد؟ قلت: أي محرك؟ قال: غوغل. قلت: قرأت عنه ولكني مللت من الانتقال بين محرك ومحرك. ففتح الصفحة أمامي وكانت بسيطة، أبسط مما يجب. فقط اللوغو وخانة البحث وزر للكبس لإجراء البحث. كتبت جاغوار فعاد المحرك بموديلات للسيارات أولا، ثم قدم بعد سطور متعددة معلومة عن الحيوان. أحسست بالاختلاف فورا. بسيط جدا وفعال جدا. من يومها وأنا أبحث في غوغل. كل مرة أحدث برنامج ويندوز أو المتصفح إكسبلورر أو برنامج الفيروسات، تأتيني رسالة تقول هل تريد أن تغيّر محرك البحث إلى بينغ أو غيره من المحركات. أردّ فورا: لا.
صرت أكتب وأخطئ في كلمة البحث، مرات أخطاء إملائية، ومرات بين لغة وأخرى. يرد عليّ غوغل: هل تعني هذا؟ تكون على لوحة المفاتيح العربية وتكتب قاصدا الإنجليزية، فيلتقط الخطأ ويرد بكلمة البحث الإنجليزية. كان هناك شيء يتشكل من “الإدراك” لدى غوغل يتجاوز البحث عن مفردات إلى المعاني. فهمنا لاحقا أنه النسخ الأولية من الذكاء الاصطناعي.
تطبيقات غوغل اليوم كثيرة، وتتزايد بشكل متسارع. يمكن الاستغناء عن معظم التطبيقات لشركات أخرى من دون مشاكل كبيرة، من برامج الإيميل إلى تطبيقات كتابة النصوص والحسابات. بعض التطبيقات اشترتها غوغل لأنها تعرف أن الزمن ليس في صالحها في سوق توجهها المنافسة الطاحنة. ولكن ثمة إحساس لديّ ولدى غيري أن ثورة غوغل في الابتكار لا تزال في مرحلة الرضاعة وأن القادم أذكى. ربيع غوغل لا يزال في بداياته.